توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التفكير فى الدولة المدنية

  مصر اليوم -

التفكير فى الدولة المدنية

بقلم: عبد المنعم سعيد

الدستور المصرى وخطب رئيس الجمهورية والحديث الدائم فى المنتديات البرلمانية وفى «رؤية مصر ٢٠٣٠» وأصوات الأحزاب السياسية والمجتمع المدنى المعبر عن جماعات وروابط مختلفة، جميعها ترفع شعار أن ما نريده لمصر أن تكون دولة مدنية ديمقراطية حديثة. ومع ذلك وفى الواقع العملى وسلوكيات البشر وأعمدة الصحف وحتى فى التمثيليات التليفزيونية وفى القصص اليومى نجد ذلك التوتر ما بين الهدف الأسمى ومنابع مختلفة لشرعية التعامل فى الحياة السياسية والاجتماعية تبدأ من الدين ولكنها تنتهى بالتقاليد والقيم التى تأخذ الدين من أصوله إلى تفسيراته والاجتهادات التى جرت عليها فى عصور قديمة واستمرت معنا حتى وصل الإنسان إلى القمر. ما يجرى من تطاحن بالقول أو باليد تتطاير فيه ليس القوانين كما يليق بدولة مدنية، وإنما الفتاوى والاجتهادات السحيقة. وبينما يسير كل ذلك داخل الطبقة الوسطى فى المجتمع، فإن العامة الأقل حظا يهبطون بالأمر كله إلى الاعتماد الكلى على ما هو غيبى، أو يُظن أنه أصل الحكمة الإلهية، وينطبق ذلك على الحياة فيكون التسليم بديلا عن الاختيار، والاعتماد على قوى مجهولة وليس على النفس. «التواكل» فى أمور مصيرية مثل الإنجاب وقرار العمل والمضى فى الدراسة والعناية بالصحة، كلها تعتمد على تلك الحزمة من الاستسلام لأقدار مضنية. المدهش فى كل ذلك أن كثرة من الكتاب والمفكرين والعلماء يلقون اللوم فى ذلك على المؤسسات الدينية وعلى ممثليها فى أماكن العبادة، باعتبارهم المصدر الوحيد للفكر المؤثر على الجمهور العام. الحقيقة ليست كذلك، فمصادر التسليم والتقليد ليست واحدة فهى تأتى من الأسرة، ومن موالد أولياء الله الصالحين، وفى العقود الأخيرة من منظمات دينية سياسية تمارس نوعا من الهندسة الاجتماعية لمسار الحياة بين البشر والمواطنين. جماعة الإخوان المسلمين وما تفرع عنها وتخرج من حضانتها من جماعات وصلت حتى القاعدة و«داعش» جميعها عملت على تشكيل الخريطة الذهنية للإنسان بحيث تكون بسيطة للغاية تنحو إلى التأكيد على الماضى وليس المستقبل، والذى فى هذه الحالة يعنى الانتصار الكامل لما كان.

العالم الحديث لا يجعل ذلك سهلا، وفى أحيان يكون الهروب إلى مجتمعات أخرى نوعا من الحل، ولكن التعامل الأكثر ذيوعا مع مقتضيات الحياة المعاصرة كثيرا ما أدى إلى الازدواجية فى السلوك والنفاق الاجتماعى. ومثل ذلك ذائع بشدة فى مصر ويؤدى إلى نوع من السخط من الحداثيين الذين يرون أن الدولة المدنية تعنى المواطنة والحداثة، وهذه بدورها تجعل الحق فى التغيير والتجديد والرقى واضحا وظاهرا وناصعا ولا يوجد ما يفسده إلا انحراف عن العالم المعاصر. الحقيقة أكثر تعقيدا من ذلك لأن المدنية والحداثة ودولة المواطنة تقوم فى الأساس على انتصار العقل، ولا ينتصر العقل إلا بالعلم، ولا ينتصر العلم فى المجال العام إلا عندما يحقق الحجم الحرج من المعرفة العامة. المعنى هنا ليس فقط أن يتعلم المواطنون فقط، وإنما أن يكتسبوا المهارات العلمية التى تجعلهم يفهمون، وهم لن يكونوا كذلك إلا إذا تغيرت خرائطهم الذهنية فيكون الاختيار فائزا على التسليم، والإيمان بالقدرة على التغيير متفوقا على التواكل. معرفة أن كل أمر يتغير، وكل حياة تتطور، وأن الزمن يحمل معه الانتقال من البساطة إلى التعقيد، ومن الكم إلى النوع، ومن المسار الخطى لحركة التاريخ إلى مسارات مركبة أخرى.

«كيف يحدث ذلك» هو السؤال الكبير، وبينما يكون التعليم وانتشار العلم والمعرفة أولى الخطوات فإن وجود الجمعيات والجماعات المدنية هو الذى يجسد الحياة المدنية التى تأخذ بيد المجتمعات إلى خطوات فى الأمام. المجتمع الصناعى أكثر قدرة بكثير من المجتمع الزراعى، وهو أكثر قدرة على إقامة مجتمع حضرى يستند إلى تنظيمات وليس العائلة الممتدة، يقيم فى القرية أو حتى يأخذها معه إلى المدينة إذا ذهب إليها. التكنولوجيات الحديثة تصنع رقيا سريعا، حتى اللغات الأجنبية والتعرف على مجتمعات وتقاليد أخرى يوسعان من إطار الاختيار إلى اختيارات لا حد لها. هنا لا تضيع الثقافة والهوية الوطنية، وإنما توسع ما لديها من أوعية للتعبير والانتشار فى أشكال منتظمة ومستدامة وحديثة. وفى مصر فإن التوتر محتدم بين ما هو تقليدى وما هو حديث، والمعضلة تزيد عندما يتحول تبشير الحداثيين إلى صراخ وسخط وليس إلى حركات سياسية وروابط اجتماعية كثيرا ما تبدأ من خلال حلقات على «الواتس» ولا تنتهى بتنظيمات اجتماعية تقرأ الكتب، وإنما تصل إلى أحزاب سياسية. وفى فرصة كبيرة مثل مشروع «حياة كريمة» فإن الحياة المدنية تنتقل من مطاردة «ترييف» المدن إلى معاصرة الريف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التفكير فى الدولة المدنية التفكير فى الدولة المدنية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon