توقيت القاهرة المحلي 15:05:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المتشائمون والمتفائلون في الحرب الأوكرانية

  مصر اليوم -

المتشائمون والمتفائلون في الحرب الأوكرانية

بقلم - عبد المنعم سعيد

دار الزمان دورته سنة كاملة، وجاء يوم الجمعة الماضي 24 فبراير (شباط) الذكرى الأولى لنشوب «الحرب الأوكرانية» التي أخذت اسمها من جريان العمليات العسكرية على أرض أوكرانيا. ولكن القاصي والداني في العالم يعلم أن الحرب التي استمرت طاحنة لعام كامل ربما تشمل العالم كله من حيث التأثير على الأقل بما فيه من شرق وغرب وشمال وجنوب. القصة تبدو من حيث الشكل كما لو كانت حرباً بين روسيا وأوكرانيا على مصالح أمنية وإثنية واقتصادية، ولكنها في واقعها تعيد تمثيل العالم الذي عرفناه في فترة الحرب الباردة بين روسيا في ناحية، والغرب كله في ناحية أخرى، بينما تقف الصين ترقب كيف سوف يكون مكانها في العالم بين قطبين حصل كل منهما على مكانة «الدولة العظمى» بدوره في الحرب العالمية الثانية وامتلاكه للأسلحة النووية. الحالة التي وقفت عندها الحرب ساعة بلوغها عاماً من العمر كانت أنها تدور في شرق أوكرانيا على أطراف إقليم «الدونباس» وحول مدينة «بيكمونت»، حيث تسعى روسيا لتحقيق انتصار، بينما تدافع عنها قوات أوكرانية من الداخل. المدينة التي كان عدد سكانها 70 ألف نسمة أصبحت لا تضم إلا 5 آلاف مدني؛ ويحدث ذلك بينما يستعد الطرفان لما يسمى «هجوم الربيع»، حينما يكون الطقس مواتياً لمناورات عسكرية واسعة. طرفا المواجهة لم يحققا أياً من أهدافهما، فلا نجحت روسيا في تحقيق أهدافها التي أعلنتها في بداية الحرب (إسقاط النظام الأوكراني ونزع سلاح أوكرانيا والحصول على اتفاق يمنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الأطلنطي)، كما لم تنجح أوكرانيا في تحرير 20% باتت محتلة من الأراضي الأوكرانية مضافاً لها إقليم الدونباس والقرم أيضاً. هذا وثمن الحرب فادح سواء كان ذلك بسقوط 100 ألف روسي، ومثلهم من الأوكرانيين، ومئات الألوف من الجرحى، وقرابة 16 مليون أوكراني من اللاجئين والنازحين، ومعهم تدمير القطاع الأعظم من البنية الأساسية الأوكرانية.
السؤال الملحّ والكبير هو: إلى أين تسير الحرب خلال العام المقبل؟ وهل سيأتي عام آخر لكي نتساءل كيف سيكون حال الحرب في عام 2024؟ المتشائمون يجيبون عن السؤال بالإيجاب، وهو أن الحرب مستمرة لفترة طويلة مقبلة، وبالتأكيد لأكثر من العام الحالي. والدليل على ذلك ما جاء في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي بايدن في العاصمة الأوكرانية «كييف» الذي جاء إليها متحدياً ومؤكداً أن الولايات المتحدة وحلفاءها لن يسمحوا لبوتين بالانتصار، ومن أجل ذلك سوف يقدمون المساعدات العسكرية الملائمة بما فيها طائرات «F - 16» الهجومية. هذه ليست لحظة حوار مع موسكو، وإنما لحظة الوقوف أمام أحلام توسعية روسية لن تشمل أوكرانيا فقط، وإنما سوف تمتد لدول أوروبية أخرى في البلقان وشرق أوروبا. خطاب بوتين في موسكو كان متحدياً ومؤكداً أن روسيا لن تقبل بالهزيمة، ولن تقبل حتى بأسلحة تُعطى لأوكرانيا تقترب من الحدود الروسية، وفي الأول والآخر، فإن روسيا صمدت في وجه العقوبات الاقتصادية الغربية، وأن حجم الاقتصاد الروسي لم ينقص إلا بنسبة ضئيلة (2% فقط)، وأن العملة الروسية «الروبل» قد باتت الآن عملة عالمية. وأكثر من ذلك فإن الحرب عززت من الروح الوطنية الروسية وباتت أكثر التفافاً حول قيادة الرئيس بوتين الذي زادت بنود مطالبه في تغيير النظام العالمي، وزاد فوقه «تعليق» العمل باتفاقية خفض إنتاج الأسلحة الاستراتيجية (ستارت أو Strategic Arms Reduction Treaty).
المتفائلون على العكس، يرون وجود نافذة للجهود الدبلوماسية لكي توقف الحرب، وتبدأ عملية سياسية بين الطرفين الروسي والأوكراني. صحيح أنه خلال سنة الحرب لم تفلح هذه الجهود من قبل فرنسا وتركيا والأمم المتحدة، وتوقفت إنجازاتها على فتح ممرات آمنة للاجئين والنازحين، وتبادل الأسرى بين الطرفين، ولكن الأمر قد يكون مختلفاً هذه المرة. وينبع وجه الخلاف من حقيقة أن الصين أعلنت أنها سوف تطرح مبادرة شاملة للسلام في موعد مرور عام على الحرب. المبادرة الصينية كما ذكر سوف تحتوي على شقين: الأول أنه لا يجوز احتلال أراضي دولة ذات سيادة (أوكرانيا). والثاني هو الاستجابة للقلق الأمني الروسي الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار (روسيا وموقفها من توسيع حلف الأطلنطي). المعادلة على هذا النحو تعكس مواقف تيارات «واقعية» وسلمية توجد في الغرب تطالب بوقف الحرب التي باتت مكلفة ومستنزفة للقدرات الغربية، وتمثل إحدى نقاط الانقسام بين الليبراليين والمحافظين في المجتمعات الغربية، والتي عبر عنها «هنري كيسنجر» وزير الخارجية الأميركي الأسبق في الشهور الأولى من الحرب. هنا فإن النظرة تختلف إلى خطوة الرئيس الأميركي في زيارة «كييف» والالتقاء مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي في أنها ليست فقط للضغط على بوتين، وإنما أيضاً تحتمل أن تكون ضاغطة على هذا الأخير من أجل تخفيض مطالبه التي طالت سقوف تحرير إقليم «القرم» بحيث تكون قابلة للتفاوض؛ خاصة بعد أن بات في إمكان إعلان أوكرانيا عن الحفاظ على كيانها كدولة مستقلة ذات سيادة.
المتفائلون أيضاً يعتمدون على أنه رغم الخطاب المتشدد للرئيس بوتين، فإنه في الحقيقة أشهر استعداده للحوار، كما أن موقفه من اتفاقية تخفيض الأسلحة الاستراتيجية لم يكن سلبياً كله حيث «علق» العمل بالاتفاقية ولم يلغها. موقف الصين في هذه المعادلة يبدو متميزاً من حيث قدرتها على القيام بدور قبة الميزان الذي يسعى إلى السلام في عالم لم يعد يتحمل المزيد من الحرب، بينما لديها ما يكفي من القدرات التي لا يريد طرف أن تذهب كاملة لصالح الطرف الآخر.
مما يزيد المتفائلين تفاؤلاً أن المبادرة الصينية تأتي في وقت بات فيه العالم أجمع ساعياً لوقف الحرب التي أضرت بالكثير من دول العالم، خاصة تلك الدول المهمة والواقعة في الحلقة الثانية من هياكل القوة في العالم، مثل الهند والبرازيل واليابان، وكلها تشكو من أن زيادة التوتر الدولي واستمرار الحرب لن يفضي فقط إلى تجاهل القضايا الكبرى للإنسانية من مقاومة الأوبئة الدولية إلى الاحتباس الحراري إلى المشاكل التي يولدها التقدم التكنولوجي للبشرية؛ وإنما أكثر من ذلك، فإن زمام الحرب ذاتها قد يفلت ويقود إلى حرب نووية حينما تشعر روسيا أنها بسبيلها إلى خسارة الحرب نتيجة التدخلات الخارجية بالسلاح والتكنولوجيا والمخابرات. ولكن المعضلة في هذا الشأن أن الصين تعد من قبل الغرب طرفاً أساسياً في الصراع، بل ربما تكون هي الأصل الجديد في الاستقطاب الدولي حيث تكون «المنافسة» بين الولايات المتحدة والصين هي المحرك الأساسي للنظام الدولي المعاصر.
بقي بعد ذلك كله، أن القضايا الدولية الكبرى لا يحكمها كثيراً مشاعر التفاؤل أو التشاؤم، وإنما توازنات القوى العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، والأخرى الناعمة والذكية. الحرب الجارية سوف تأخذ كل هذه التوازنات إلى العلن، وساعتها ربما تواجه البشرية امتحاناً آخر عندما تصل الحرب الروسية الأوكرانية إلى عامها الثاني.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المتشائمون والمتفائلون في الحرب الأوكرانية المتشائمون والمتفائلون في الحرب الأوكرانية



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
  مصر اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
  مصر اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 09:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
  مصر اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 09:41 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة أصالة لجمهورها قبل حفلها في سلطنة عُمان
  مصر اليوم - رسالة أصالة لجمهورها قبل حفلها في سلطنة عُمان

GMT 07:26 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة
  مصر اليوم - بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة

GMT 20:41 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الفيشاوي ينفي تغيير كلمات أغنية "نمبر 2"

GMT 18:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة جونيور أجاي فى نهاية تمرين الأهلي وفحص طبي غدًا

GMT 06:30 2020 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الإثنين 26تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:09 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

محمد هنيدي يكشف حقيقة سخريته من الراقصة البرازيلية لورديانا

GMT 17:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أهم وأبرز إهتمامات الصحف الليبية الصادرة الثلاثاء

GMT 05:52 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

محمد حماقي ينعى الشيخ صالح كامل

GMT 23:14 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

أسعار الحديد في مصر اليوم السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon