توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الشتاء قادم... أمر خطير ومفزع

  مصر اليوم -

الشتاء قادم أمر خطير ومفزع

بقلم - عبد المنعم سعيد

كان الرئيس الأميركي الثاني والأربعون بيل كلينتون هو الذي تحدث عن حياته وما شاهده وسمعه ومرّ به من أحداث مُرة وحلوة، كما لو كان نوعاً من الشرائط السينمائية التي تتوالى فيها المشاهد والدراما والتراجيديا ولحظات انبهار، وأخرى تكتفي فقط بلحظات سعيدة. وفي الواقع، فإن الفنون المختلفة حاولت دائماً أن تعكس الزمن القادم، وتعود إلى الزمن القديم كما لو كان يحدث الآن، هي أحياناً الخرافة، وأحياناً أخرى النبوءة، وأحياناً ثالثة كما لو كانت تخلق عالماً خاصاً بها تدور فيه قصة الخلق والمخلوق.

ومن بين الحبكات الإنسانية الكثيرة، لعبة السلطة والقوة والسيطرة داخل كيانات سياسية أو بينها، وبعضها الآخر كان دائماً مثيراً للخيال حتى بلغت عوالم تبدو خرافية، ولكن التفكير فيها يجعلها لا تختلف كثيراً عما نشاهده في الحاضر. أفلام مثل «أمراء الخاتم أو Lords of the Ring» أو مسلسل مثل «لعبة العروش أو Game of Thrones» تكتسب كثيراً من جاذبيتها، وما تسببه من سرعة ضربات القلب، من أنها تقوم بعملية ضغط كبير للزمن، فتكون المؤامرة أو اللعبة أو السباق أو الاقتراب من الحبيب أو الحبيبة، والعاشق والمعشوق، لا يجري خلال شهور أو أعوام، وإنما ساعات ودقائق. في هذا الأخير كانت الصيحة الأولى هي أن «الشتاء قادم» ليس تنبؤاً بلحظة قاسية قادمة من الخطر الشديد فقط؛ وإنما أكثر من ذلك أن الخطر تهديد بالزوال الذي علي البشر اتقاؤه بكل الطرق. بالطبع، فإن ذلك لا يحدث، والمسألة ليست أن «آفة حارتنا (في هذه الحالة العالم) النسيان»، وإنما أن الجنس البشري لا يتعلم كثيراً من التاريخ والتجارب، ولديه كثير من النوازع الشريرة التي جرى تدريبها، على أن تخرج كما لو كانت دوافع نبيلة، وأهدافاً شريفة، وتصديقاً لما كان خيراً وعظيماً، وفي مجموعها تبرر القتل والحرب والصدام.

قرب نهاية الحلقات جاء الشتاء المنتظر في صورة طبيعية لا يماثلها تصور عرفه الإنسان في البرودة القاتلة التي تخرج مخلوقات لا يتصور أحد أن لها وجوداً، تطير وتنقض وتقتل وتشوه الأجساد البشرية الضعيفة؛ وأكثر من ذلك فإنها تُحْضِر من تحت الأرض من جاءهم الموت من قبل، وجرى استعادتهم لكي تنطبق سماء العنف على أرض الخطيئة. في تجسيد آخر لما جاء في الخيال، فإن فيلم «العاصفة الكاملة The Perfect Storm» ظهر للإنسان صاحب الخيلاء الدائمة أو في تواضعه النبيل يواجه عاصفة تتضافر فيها قوى عاتية تأتي كلها في زمن واحد لكي تأخذه إلى جوف الكارثة والغرق. والآن يعود بنا التاريخ إلى مسلسل يتابع ما جرى في «لعبة العروش» من خلال «عائلة التنين»، يأخذ «العرش» الذي كان ماثلاً للصراع في خلفية الصورة إلى المقدمة، لكي يحتدم الصراع في «ويستروس» (الغرب) من «التيجيريين» مع غيرهم «الكارداشيين»، الذين هم في عالمنا المعاصر يختلط في شخصياتهم الفنية كثير من الجمال الذي يسعى دوماً لتفجير غرائز وحشية غير منظورة.

الحقيقة أن الإنسان المعاصر لما يجري فوق كوكب الأرض لن يجد نداء «الشتاء قادم» غريباً بالمرة، لأنه خرج بقوة وضجيج كبير من مجمل الدول الأوروبية التي استعادت ذكريات الحرب العالمية الثانية وما دار فيها من معارك جرت أثناء هطول ثلج كثيف، سواء حدث أثناء زحف هتلر في اتجاه موسكو، أو في اندفاع قوات الجنرال السوفياتي زوكوف، والأميركي إيزنهاور في اتجاه برلين. وقتها كان الحديث عن النفط والبترول مقتصراً على تموين القوات الميكانيكية المهاجمة أو المدافعة؛ ولكن الآن وبعد 3 أرباع قرن من الحرب، فإن الصورة باتت حياة ملايين من البشر باتت الطاقة جزءاً من تنفسهم اليومي سواء عاشوا في شقق صغيرة أو في ناطحات سحاب. حتى وقت كتابة هذه السطور كانت ألمانيا قد وفرت «فقط» 80 في المائة من احتياجاتها من الطاقة خلال الشتاء القادم؛ والمؤكد أن الأمر ليس مختلفاً في الدول الأوروبية الأخرى التي بدأت تتراجع عن استهجانها لاستخدام الطاقة النووية، حتى العودة مرة أخرى إلى الفحم لكي يشعلوا المواقد وأجهزة التدفئة كافة. لم يعد ممكناً أن يعود الإنسان إلى الكهف مرة أخرى، ويشعل حزمة من الأعشاب الجافة لكي يسخن الطعام ويعطي البدن قدراً من الطاقة الكافية لحمل سيف. في عام 1981 عرض فيلم «البحث عن النار أو Quest for Fire» الذي بدأ مع انطفاء جذوة نار احتفظت بها جماعة إنسانية لكي توفر لها دفئاً في كهف، فقررت أن ترسل جزءاً منها للقتال وانتزاع جذوة من آخرين حتى تتمكن من استئناف الحياة. الرحلة قادت إلى صناعة النار، ومعها كانت الحضارة، ومعها تعددت الحروب وأشكال القتال.

مع كل تقدم جرى للإنسان، ازداد جوعه إلى مزيد من الطاقة، وكان أقصى ما يحلم به بعد تدريب أقدامه على العدو، أن يحصل على حصان، وقوده أعشاب، يأخذه إلى مسافات ورحلات بعيدة. الآن، رغم استمرار قياس السرعة بعدد الأحصنة، فإن السيارة والطائرة والقطار والسفينة أصبحت في حاجة ماسّة للطاقة، وسواء أكان ذلك في الصيف أو في الشتاء.

وفي ثمانينات القرن العشرين أطلق الرئيس الأميركي «جيمي كارتر» مبدأه لمنع الاتحاد السوفياتي من الاستيلاء على نفط الخليج وإحداث الشلل للمعسكر الغربي؛ والآن فإن روسيا من دون الاتحاد السوفياتي ونفط الخليج فإنها تلقي حصارها النفطي على القارة الأوروبية. «الشتاء قادم» صيحة للتنبيه، ربما للجنس البشري كله، وبالتأكيد للقوى العظمى والكبرى، بأخطار وتهديدات غير مسبوقة، بعضها يبدو حالاً في شكل حرائق وجفاف وفيضانات، وبعضها الآخر يظهر بعد اختفاء، في شكل فيروسات غير منظورة، تتمحور وتتحول وتتنوع حتى تهرب من القدرات الإنسانية على القتل والإزالة. الغريب أنه في الوقت الذي عاشت فيه البشرية خلال السنوات القليلة الماضية في مواجهة تحدياتها المميتة؛ فإنها تظهر الآن أكثر فرقة ونزاعاً من أي وقت مضي. في نظر كثيرين، فإن الحرب الأوكرانية بدت مستحيلة استناداً إلى وجود «الرشد» لدى قادة الدول، لأن شعوبها باتت تعتمد اعتماداً متبادلاً مع جيرانها وبقية دول العالم، ولكن مع ذلك نشبت الحرب التي جعلت شعوباً عاشت محايدة، مثل فنلندا والسويد، تخاف على مستقبلها، فتتقدم إلى عضوية حلف الأطلنطي لكي تشعر روسيا بالتهديد أكثر، ويصبح العالم أمام معضلات أكثر صعوبة.

الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها كما جري في «لعبة العروش» أن الشتاء حينما أتى جلب معه شروراً كثيرة وعنيفة، وفي أثناء الحرب الباردة التي استمر شتاؤها عقوداً، فإن الدول التي دخلت حلبة الصراع تولد داخلها وحوشاً أخذت شكل «المكارثية» في أميركا التي طاردت كثيراً من الأحرار، و«الجولاج» في الاتحاد السوفياتي الذي وضعهم في حبس سيبيريا حيث الشتاء دائم. الآن لا نعلم ما الذي سوف يفرزه الشتاء قادماً من داخل روسيا أو الولايات المتحدة، ولكنه جد خطير ومفزع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشتاء قادم أمر خطير ومفزع الشتاء قادم أمر خطير ومفزع



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon