توقيت القاهرة المحلي 22:17:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

في مواجهة المستقبل!

  مصر اليوم -

في مواجهة المستقبل

بقلم - عبد المنعم سعيد

مضت سبع سنوات تقريباً منذ كتبت في هذا المقام مقال: «المستقبل في 2030» بتاريخ 4 مايو (أيار) 2016. اعتمد المقال على أمرين: مراقبة التطورات التاريخية الكبرى الجارية في العالم، ومواجهتها من العالم العربي في مرحلة جديدة يمكن تسميتها بأنها كانت بداية ما بعد «الربيع العربي» المزعوم، ومن خلال ما جرى صكه في كلٍّ من مصر والمملكة العربية السعودية عن «رؤية 2030». كثيراً مما كان متوقعاً في المقال تحقق بالفعل فقد زاد سكان العالم بمقدار مليار نسمة، ولا تزال البشرية حائرة في التعامل مع المتغيرات المناخية، ولكن الحديث عن عناق بين الثورة التكنولوجية الثالثة الرقمية مع الثورة الرابعة المسلحة بالذكاء الاصطناعي جرى في الواقع وبات مؤثراً على حالة الإنسان في حِلّه وترحاله، وفي غذائه وعمله. ارتفع نصيب الطبقة الوسطى في العالم كما هو متوقع؛ وأمام كل ذلك فإن الأفلام السينمائية والخيال العلمي لا تزال تمد الإنسانية بأحلام جديدة بعد أن تحققت كل الروايات القديمة، أو معظمها. لم يخب الظن أنه مع كل التقدم الذي تحققه أمم وشعوب، فإن الصراع الإنساني، والتنافس البشري لم يتوقفا، وظلت «التقوى» و«الفجور» سمات بشرية أصيلة.

وفي التجهيز لهذا المقال وجدت أن المنشور والصادر على مستوى العالم يتراوح بين موضوعين: الأول أن القصة الطاغية كانت حول فصل من فصول المواجهة بين روسيا والغرب، ممثلةً في الحرب الروسية - الأوكرانية، في لحظة انفلت فيها الزمام الروسي ليسفر عن حالة من التمرد قام بها زعيم جماعة «فاغنر» يفغيني بريغوجين الذي خلال يوم واحد زحف في اتجاه موسكو معلناً فشلاً روسياً كبيراً، وحاجة ماسة لتغيير القيادة؛ وفي اليوم التالي تغير ذلك كله وانفضّ التمرد وذهب زعيمها منفياً إلى بيلاروسيا. الموضوع الثاني أنه رغم المناظرات الكبرى الجارية في الدوائر العلمية والسياسية العالمية حول فوائد وأضرار الذكاء الاصطناعي فإن شبه الإجماع الجديد هو على أن هذا الأخير لم يعد مجرد ضوضاء جديدة لامعة وفاقعة ومدهشة، وإنما أصبح حقيقة واقعة لا يملك أحد تجاهلها.

أصبح المستقبل حاضراً وهو المزدوج ما بين طفرات تكنولوجية ضخمة، وثبات النزعات الإنسانية المفزعة على حالها. المعضلة الكبرى هنا أن كليهما من صنع الإنسان، بل إن المدهش يظهر حينما تكون الطفرات إحدى نتائج الصراع الذي تتولد فيه أشكال جديدة من الأسلحة. وبالفعل وعلى أرض الواقع فإن رؤى 2030 التي جرى تداولها وتصميمها في أكثر من دولة عربية دخلت في مجالات واسعة للتطبيق، وخرجت من إطار الأحلام والشعارات البراقة، إلى واقع يمكن أن يُرى ويقاس وتقدَّر أولوياته من وقت إلى آخر. هذا التوازي بين التطورات العالمية الرئيسية، وتلك التي جرت وتجري في إقليمنا العربي تفرض البحث عمّا إذا كان ممكناً حل ذلك التناقض الجوهري داخل النفس البشرية في فجورها وتقواها، بحيث ينعكس على الإقليم من خلال حل أزماته، والتخلص من عدم استقراره المزمن، والبحث من الآن عمّا إذا كان ما بعد 2030 سوف يكون خلاصاً من الفقر والعوز، أم أن ذلك سوف يكون مستحيلاً؟

القضية هنا هي أنه لا يمكن انتظار الغرب والشرق لكي يحل مشكلات الإنسان الأزليّة، والإشكاليات الكبرى لكوكب الأرض، ما لم يحدث تقدم في الفكر والنوازع الإنسانية، وهذا لن يمكن تحقيقه إلا من خلال العلم. منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) قامت على أساس أن الحروب والمنازعات تجري في عقول البشر؛ فإذا ما جرى تطور في هذه العقول فإنه سيكون ممكناً تجنب الحرب وتحقيق تقدم للإنسانية. بقاء المعضلات والإشكاليات الكثيرة يستدعي طموحاً عربياً للتعامل مع هذه وتلك من خلال أكاديمية عربية تقع عند منتصف العالم بين شرقه وغربه تكون مهمتها الدخول مباشرةً إلى عالم الثورة الصناعية التكنولوجية الرابعة بحيث تكون شاهدة ليس فقط على تطورها ونضجها وتطبيقاتها، وإنما كيف ستتحول بعد ذلك إلى ثورة خامسة ربما ستدور في الفضاء هذه المرة. وبالتوازي مع ذلك، سوف يكون واجباً السعي في آفاق العلم والتفكير في علوم السلام والتعاون وحل النزاعات ومراقبة الأزمات. المجال الأول توجد فيه العلوم الصلبة التي تقوم على تغيير المادة وزيادة فاعليتها وآثارها؛ والمجال الثاني يوجد فيه تغيير الإنسان.

الإشكالية الكبرى هنا بين المجالين هي أن تركهما لحالهما الجاري من السير في طريق الصدام بين الدول إلى الدرجة التي يكون التأثير فيها قادماً من جماعة مرتزقة أو أخرى إرهابية هي مقامرة لا يمكن للجنس البشري تحملها. التناقض الفادح بين التقدم الكبير في مجالات التدمير وتحفيزها بنزعات تافهة للارتزاق والإرهاب، وبين الحاجات الإنسانية للأمن والسعادة، تبدأ مواجهته من ساحة علمية جامعة لكل من يريد الالتقاء فيها. الأكاديمية الكبرى ينبغي لها أن ترتقي إلى مرتبة المشاريع العملاقة التي يوجد منها الآن العشرات المنتشرة بين دول عربية كثيرة، تزيد من حجم المعمور العربي شرق وغرب خليج العقبة، ويصل بنا إلى منتصف العالم، حيث تقترب قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا بعضها من بعض.

المشروعان المصري والسعودي يلتقيان عند هذه النقطة، حيث الرؤية السعودية تأخذ بتنمية المملكة إلى اتجاه الشمال الغربي حيث تعبر «نيوم» و«العلا» لكي تلتقيان مع مشروع سيناء الذي يأتي من قلب المشروع المصري المتجه نحو الشمال الشرقي.

قبل ثلاثة عقود اقترحت الإدارة اليابانية بعد انتهائها من بناء «أوبرا» القاهرة أن تعقبه بمركز كبير لدراسات السلام والتقدم يقع في طابا المصرية مطلاً على العالم والمنطقة. وللأسف لم يقدّر للمشروع أن تقوم له قائمة ربما لأن الشرق الأوسط وقتها كان عصياً على السلام والاستقرار. الآن بات المشروع ضرورياً للمنطقة والعالم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في مواجهة المستقبل في مواجهة المستقبل



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
  مصر اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
  مصر اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 09:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
  مصر اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 19:11 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أحمد السقا يكشف عن مواهب أولاده
  مصر اليوم - أحمد السقا يكشف عن مواهب أولاده

GMT 07:26 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة
  مصر اليوم - بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة

GMT 01:41 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

دار الأوبرا في سيدني تتألق ترحيبا بالملك تشارلز

GMT 13:10 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

نقوش تكشف أسرارا جديدة عن المصريين القدماء في معبد إسنا

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 02:25 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

اتحاد كتاب مصر ينعي الروائي أحمد خالد توفيق

GMT 07:04 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

أشرف عبد الباقي يستعد لافتتاح "مسرح مصر للأطفال"

GMT 03:24 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

ريتا حرب تتألّق في جلسة تصوير حديثة

GMT 12:17 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الزمالك يطالب الجبلاية بنقل مباراة المصري لملعب القاهرة

GMT 05:02 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

طفل ثالث لكيم كارداشيان من أم بديلة

GMT 03:44 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أسعار الذهب في الأسواق المصرية الإثنين

GMT 18:47 2013 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

كولينز أنيقة ومثيرة في بلوزة شفافة وملابس جلدية

GMT 21:06 2015 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

النجم المصري محمد صلاح يقود هجوم روما أمام برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon