توقيت القاهرة المحلي 22:17:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رص الصفوف في فيلنيوس

  مصر اليوم -

رص الصفوف في فيلنيوس

بقلم - عبد المنعم سعيد

لم تكن لمدينة فيلنيوس، عاصمة ليتوانيا، أن تظهر في الإعلام العالمي لولا أنه انعقد في ظلها مؤتمر حلف الأطلنطي نتيجة الصدفة التاريخية التي تجعل اجتماعات القمة تتواتر حسب ترتيب كل دولة بحيث يكون لكل منها نصيب وحظ في مكان على قمة العالم. ولكن القضية لم تكن الترتيب فقط، ولكنها لأن دول البلطيق الثلاث (ليتوانيا، ولاتفيا، وإستونيا)، باتت من الناحية الاستراتيجية في مواجهة روسيا خلال الحرب الروسية - الأوكرانية. وفي الحقيقة إن وجودها «الجيوسياسي» على هذا النحو كان فيه قدر من الإنكار للحجة الروسية في الحرب أنها نشبت نتيجة رغبة حلف الأطلنطي في التوسع بضم أوكرانيا فيكون لصيقاً بالأراضي الروسية. الواقع الجغرافي هو أن دول البلطيق بالفعل دخلت مبكراً منذ خلاصها من السيطرة «السوفياتية» إلى حلف الأطلنطي في خطوة أقلقت روسيا ولكنها لم تؤدِّ إلى غزو مسلح. الغزو بعد ذلك أخذ أسباباً أخرى تاريخية لها علاقة بروسيا القيصرية، والمكانة الخاصة لأوكرانيا في الدولة السوفياتية التي خلقت تداخلاً سكانياً وثقافياً. ويعرف التاريخ أن دولاً ومدناً تأخذ مكانة تاريخية لأنها كانت مكاناً لاجتماعات حاسمة في أثناء صراع دولي فيه الحياة والموت. «مالطا» و«يالطا» تقرر فيهما مصير العالم بعد الحرب العالمية الثانية؛ إذ اجتمع في الأولى رئيس الولايات المتحدة فرانكلين روزفلت، مع ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا، في نهاية يناير (كانون الثاني) 1945، حتى يجتمعا مع جوزيف ستالين في الثانية التي تقع في شبه جزيرة القرم على حافة الحرب الحالية. الآن هل تأخذ فيلنيوس هذه المكانة التاريخية بسبب اجتماعات القمة؟

في الحروب هناك ما يسمى «ضباب الحرب أو Fog of War»، ولا يعود ذلك إلى تلك الأتربة التي تثيرها حركة المدرعات والعربات الكثيرة، أو حتى الاستخدام الكثيف لقنابل الدخان لإخفاء التحركات؛ وإنما لأن الأمور والمعلومات تختلط لدى القادة فتَنتج عنها حالة من عدم الوضوح العقلي لحقائق موجودة في الواقع. من ذلك، أو ربما أكثرها خطورة، اختلاط ما هو استراتيجي بما هو تكتيكي، أو ما بين الكلي والجزئي، بين ما هو آنيٍّ وحاليٍّ وما هو قابل للتأجيل. ولم تكن الحرب الروسية - الأوكرانية استثناءً من هذه القاعدة، فمن ناحية فإن نتائج الحرب الفعلية من عمليات عسكرية، ومن تحركات سياسية تبرر الحرب أو تهاجمها، لم تكن كلها محسوبة؛ ومن ناحية أخرى فإن نتائج العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا كانت لها نتائج تتعدى بكثير الضغط على موسكو وتصل إلى أزمات في الطاقة والغذاء وسلاسل التوريد وموجات تضخم كافية لتهديد الاقتصاد العالمي. وفي هذه اللحظة من الحرب فإن قضايا جديدة تصبح ملحّة وتفرض نفسها على جدول أعمال الدول ومصالحها الاستراتيجية؛ ومنها كان الموقف السلبي الذي اتخذته تركيا فيما يتعلق بانضمام السويد وفنلندا إلى حلف الأطلنطي، وفي المقابل المطالب التركية بعضوية الاتحاد الأوروبي والحصول على أسلحة من الولايات المتحدة يقع في مقدمتها طائرات «إف – 16». القضية الأخرى كانت الطلب الأوكراني أن تكون هناك «خريطة طريق» لانضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلنطي.

كلا الأمرين لم يكن سهلاً، وهناك تعقيدات خاصة تخص كلاً منهما يمكنها أن تسبب «ضباب الحرب» الذي قد يجعل القضايا الثانوية تأخذ المقدمة على ما هو جوهري واستراتيجي. فغالبية الدول الأعضاء في حلف الأطلنطي بات هدفها انتصار أوكرانيا في الحرب، وإضعاف روسيا في عمومها. وهنا فإنه رغم أن تركيا كان لها موقف واضح من الحرب إلى جانب أوكرانيا حيث كانت شبه جزيرة القرم جزءاً من الإمبراطورية العثمانية وقامت روسيا القيصرية بانتزاعها؛ فإن روسيا كوَّنت مصالح معقَّدة مع روسيا بعضها يقع في سوريا وبعضها الآخر يقع في مجال التسليح. أصبحت هناك علاقة شبه خاصة بين رئيس تركيا رجب طيب إردوغان، وفلاديمير بوتين، رئيس روسيا. وفي جانب آخر من التعقيد فإن تركيا وجدت أن السويد تتبع سياسات إزاء «حزب العمال الكردي» المناوئ للدولة التركية تتناقض جذرياً مع السياسة التركية التي تعده حزباً إرهابياً. السويد بسياساتها الليبرالية عدّت إعطاء أعضاء الحزب حقوق اللجوء السياسي إليها أمراً يقع في صميم السياسات الداخلية السويدية التي لا يجوز العبث بها. هذا التناقض بين الموقفين دفع تركيا إلى التلويح برفض انضمام السويد إلى حلف الأطلنطي الذي يستوجب الإجماع من جميع الدول الأعضاء. انتهى الأمر إلى صفقة كبرى بمقتضاها توافق تركيا على انضمام السويد إلى الحلف، مقابل: أولاً الحصول على خريطة طريق للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والحصول علي طائرات «إف – 16»، وعقد مفاوضات مشتركة تركية سويدية من أجل مقاومة الإرهاب. المكسب الرئيسي كان من نصيب حلف الأطلنطي الذي زعمت روسيا أن توسعه في اتجاه أوكرانيا كان سبباً في الحرب، فكانت الحرب سبباً في توسعه بانضمام السويد وفنلندا وكلتاهما تمثل إضافات مهمة للقوة العسكرية للحلف الكبير.

قضية أوكرانيا، المتعجلة في الحصول على مقعد في حلف الأطلنطي أو خريطة طريق لتحقيق ذلك، كادت تهدد بانقسام الحلف، لأن بعض أعضائه رأى أن الاستجابة الإيجابية للطلب الأوكراني كفيل بردع روسيا؛ ولكنّ بعضاً آخر يشمل الولايات المتحدة وألمانيا رأى في ذلك دخولاً من الحلف في حرب مع روسيا سوف تكون أولاً متعجلة، وثانياً سوف تكون مروعة؛ لاحتوائها على احتمالات المواجهة النووية. المرجح هنا أن الدول المعارضة فضلاً عن أنها ملتزمة بمد أوكرانيا بالسلاح، فإنها لا تريد تجاهل الإمكانيات الدبلوماسية والسياسية لإنهاء الصراع. كان منح العضوية لأوكرانيا سوف يمثل تصعيداً كبيراً مع روسيا، وإحباطاً أكبر لإمكانيات التقارب مع الصين. لم تحصل أوكرانيا على ما تريده، ولكنها حصلت على المزيد من المال والسلاح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رص الصفوف في فيلنيوس رص الصفوف في فيلنيوس



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 08:35 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

دفاتر النكسة

GMT 08:31 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

نتنياهو يغير «حزب الله»

GMT 08:27 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

بعد تحوّل حرب غزّة.. إلى حرب "بيبي"

GMT 08:17 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

معقول بيننا من يشمت بحزب الله ؟؟!

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
  مصر اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
  مصر اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 09:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
  مصر اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 19:11 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أحمد السقا يكشف عن مواهب أولاده
  مصر اليوم - أحمد السقا يكشف عن مواهب أولاده

GMT 07:26 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة
  مصر اليوم - بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة

GMT 01:41 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

دار الأوبرا في سيدني تتألق ترحيبا بالملك تشارلز

GMT 13:10 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

نقوش تكشف أسرارا جديدة عن المصريين القدماء في معبد إسنا

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 02:25 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

اتحاد كتاب مصر ينعي الروائي أحمد خالد توفيق

GMT 07:04 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

أشرف عبد الباقي يستعد لافتتاح "مسرح مصر للأطفال"

GMT 03:24 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

ريتا حرب تتألّق في جلسة تصوير حديثة

GMT 12:17 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الزمالك يطالب الجبلاية بنقل مباراة المصري لملعب القاهرة

GMT 05:02 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

طفل ثالث لكيم كارداشيان من أم بديلة

GMT 03:44 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أسعار الذهب في الأسواق المصرية الإثنين

GMT 18:47 2013 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

كولينز أنيقة ومثيرة في بلوزة شفافة وملابس جلدية

GMT 21:06 2015 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

النجم المصري محمد صلاح يقود هجوم روما أمام برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon