توقيت القاهرة المحلي 09:28:06 آخر تحديث
الثلاثاء 21 كانون الثاني / يناير 2025
  مصر اليوم -
أخبار عاجلة

حرب أبدية جديدة

  مصر اليوم -

حرب أبدية جديدة

بقلم: عبد المنعم سعيد

كان الرئيس الأمريكى بايدن هو الذى أعطى تعبير «الحروب الأبدية» شهرته عندما أطلقه على حرب أفغانستان والعراق ومثيلاتها من حروب لا تنتهى أبدا. الآن يبدو أن الحرب الروسية الأوكرانية تدخل إلى ذات النفق الذى يكون- كما هى العادة- مظلما تجسده خسائر بشرية ومادية، وفوق ذلك كثيرا من دهاليز الضياع وفقدان البصيرة.

ما كان فى المقدمة منتظرا أن تكون حربا قصيرة يفوز فيها الأعلى قدرة؛ أى روسيا فى هذ الحالة، وينهزم فيها الأقل حظا وهو أوكرانيا؛ وذلك يمكنه التحول إلى صياغة محيرة أن روسيا لم تنتصر، ولكن أوكرانيا لم تخسر. لكن داخل النفق ومع غلبة الظلام وكثرة الاحتمالات فإن مثل تلك الألغاز تكون معتادة، ويكون الأكثر اعتيادا نسيان ما كان سبب دخول النفق من الأصل.

الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قال أمام زوار إن خصومه يحاولون «الفوز فى ساحة المعركة» و«تدمير روسيا من الداخل». لم يعد هناك حديث عن توسيع حلف الأطلنطى أو النخبة النازية فى «كييف» كمصدر لتهديد يستحق غزوا من الجيوش الروسية.

على الجانب الآخر فإن الهدف الأمريكى لم يعد انسحاب روسيا من أوكرانيا، ولا صار توسيع حلف الأطلنطى ولو عن طريق فنلندا والسويد، وإنما مساعدة أوكرانيا على هزيمة روسيا وتعطيل آلة بوتين الحربية حتى لا تهدد جيرانها فى المستقبل.

وزير الدفاع لويد أوستن، ذكر بعد رحلة إلى كييف لتعزيز المقاومة الأوكرانية: «نريد أن نرى روسيا ضعيفة إلى درجة أنها لا تستطيع القيام بالأشياء التى فعلتها فى غزو أوكرانيا».

وكرر أوستن تلك الرسالة بعد محادثات مع حلفاء الناتو فى ألمانيا. وأضاف متحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى: «نريد أن تفوز أوكرانيا. نحن عازمون على جعل هذا الغزو فشلًا استراتيجيًا لروسيا».

.. كان أحد أهدافنا هو الحد من قدرة روسيا على فعل شىء كهذا مرة أخرى». باتت الحرب حربا أخرى، والتواجد داخل النفق لفترة طويلة يسبب تغيرات كثيرة وأحلاما أكثر وكوابيس من أنواع مفزعة؛ لكن الحرب لا تكون كما كانت وتفقد بساطتها الأولى وتنحرف إلى دروب متفرعة.

هذا ما حدث فى «الحروب الأبدية» القديمة، فى الحروب العالمية الكبرى الأولى والثانية بدت الحرب أبدية بعد فترة، وكثير من المؤرخين يعتبرون الثانية امتدادا للأولى، ولم يكن وقف القتال إلا هدنة امتدت إلى عشرين عاما.

الحرب الكورية والأخرى الفيتنامية والثالثة الأفغانية والعراقية كانت أمثلة أخرى، الحروب العربية الإسرائيلية فى أشكالها القديمة مع الدول العربية، والحديثة مع تنظيمات أصولية، ظلت حربا واحدة حتى مع اتفاقيات السلام. الحرب الأبدية الجديدة فى أوكرانيا لا تتمشى مع فكرة إخراج دولة عظمى نووية من مكانتها إلا عبر مسيرة دامية وطويلة فى أنفاق ليس لها نهاية، وبالتالى لا ضوء فى نهاية النفق الكبير للمواجهة.

هنا تظهر احتمالات استخدامات السلاح النووى ليس بالصورة التى نراها فى أفلام إبادة الكوكب، إنما كأداة لتلافى الهزيمة والضغط من أجل الحصول على أهداف تكفى لإشهار نصر. فبعد الفشل الروسى فى السيطرة على العاصمة الأوكرانية «كييف»؛ والتركيز على إقليم «الدونباس» مع ممر يربطه مع البحر الأسود ومنطقة القرم، بات ممكنا أن تصير صفقة كافية لإعلان هدنة تخرج منها روسيا بانتصار إضافة أراض للدولة الروسية مترامية الأطراف.

ولكن الإعلانات الأمريكية والأوكرانية الأخيرة والتى ترفض تماما استيلاء روسيا على أراض إضافية، فضلا عن أن أوكرانيا بدأت بالفعل القيام بعمليات عسكرية بلغت ١١ عملية داخل الأراضى الروسية، جعلت الحرب ليست مرشحة لأزمنة طويلة، ولكنها ربما تفرض على روسيا- خوفا من الهزيمة وانتقال الحرب إلى أراضيها- استخدام أسلحة نووية تكتيكية.

هذه النوعية من الأسلحة تأخذ المعركة إلى سقوف أخرى من أدوات التدمير قد لا تكون فى مستوى الأسلحة النووية الاستراتيجية، ولكنها كافية لبقاء مناطق كبيرة خارج الحياة البشرية المدنية والعسكرية لفترة طويلة.

وقد حذر وزير الخارجية سيرجى لافروف من أن «الناتو، فى جوهره، يخوض حربًا مع روسيا من خلال وكيل»، وتذرع بخطر نشوب صراع نووى حين قال: «الخطر جسيم» و«لا ينبغى الاستهانة به».

وضع روسيا وظهرها فى الحائط بهذه الطريقة يبدو بالنسبة للعالم الغربى دافعا إلى خروج بوتين من المستنقع الأوكرانى. أرقام الخسائر الروسية العسكرية كبيرة، ويقدر حاليا وقت كتابة المقال وفقا لتقديرات «بن والاس» وزير الدفاع البريطانى أن روسيا قد خسرت ١٥ ألف روسى، ودمرت ٢٠٠٠ عربة مصفحة و٦٠ طائرة هليكوبتر ومقاتلة ونفاثة وفقدت ٢٠٠ كتيبة، شكلت قوة الغزو الروسية لأوكرانيا حوالى ٢٥٪ من قوتها القتالية، وكثير منهم من قوات النخبة للمظلات ومشاة البحرية والقوات الخاصة. والخسارة الروسية التى لا تقل خطورة تأتى فى المجال الاقتصادى نتيجة العقوبات الاقتصادية التى أوقفت مصانع، ونضب واردات وإمدادات خاصة بمصانع حربية لم تصلها رقائق أشباه الموصلات.

فضلا عن ذلك أخذت هجرة الأدمغة الروسية فى التسارع؛ هرب ٥٠٠٠٠ إلى ٧٠٠٠٠ متخصص فى الكمبيوتر من البلاد، حسبما أفادت مجموعة تكنولوجية روسية، ومن المتوقع أن يغادر ١٠٠٠٠٠ آخرون بعد ذلك. التوقعات هى أن ينكمش الاقتصاد الروسى هذا العام بنسبة ٨.٥٪ إلى ١٥٪. ولكن ألا تكون هذه الضغوط ذاتها هى الأكثر دفعا لروسيا لتصعيد عسكرى نووى لا يعرف أحد ماذا سوف يأتى بعده؟.

المعضلة الكبرى للحرب الأبدية الجديدة أنها سوف تبقى حروبا أبدية أخرى مستعرة فى مكانها. وببساطة فإن انشغال الولايات المتحدة وحلفائها ومعهما روسيا، ومع الجميع بقية دول العالم، سوف يضع قضايا حيوية مثل الحرب ضد الإرهاب، وضد كوفيد ١٩ والاحتباس الحرارى للكرة الأرضية، رهن الانتظار، بينما هى فى حقيقتها قابلة للتمدد والتوسع.

ففى قارات العالم جميعها بدأت التنظيمات الإرهابية فى إعادة تنظيم نفسها، والتعلم العسكرى من دروس الحرب الأوكرانية، واستخدام الموقف كله فى عمليات الدس السياسى والإرهاب، والتجنيد للمحاربين والحصول على السلاح.

الدرس الذى تعلمه الإرهابيون من الحرب أن العالم لم يعد مترابطا كما كان من خلال العولمة، والحقيقة هى أنه أكثر انقساما من أى وقت مضى، وفى الوقت التى تتزايد فيه الضغوط على الدول والشعوب من جراء الغلاء والعواقب الاقتصادية للحرب، فإن هناك فرصا كثيرة للاختراق والهجوم. من ناحية أخرى فإنه رغم تراجع المصابين والوفيات من جائحة كوفيد ١٩، فإن الإجماع العلمى هو أن الوباء لم ينته بعد، وأن الفيروس لديه قدرة فائقة على التحور إلى أشكال وموجات جديدة تعيد ذكريات الإغلاق وآثاره ونفقاته إلى ذاكرة الدول.

وفيما يخص الاحتباس الحرارى فإن آثاره السلبية لم تتوقف، وفى الوقت الراهن بدأ موسم الحرائق فى غرب الولايات المتحدة، واستمرت التقلبات المناخية فى مسارها المؤدى إلى ارتفاعات غير مسبوقة فى درجة الحرارة، والمؤدية إلى فيضانات وموجات من الحرارة غير العادية فى الهند.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب أبدية جديدة حرب أبدية جديدة



GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 21:53 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل الشواطئ والمناظره الطبيعية لقضاء شهر عسل في قبرص

GMT 10:16 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الزمالك يرفض شروط المصري البورسعيدي لضم العراقي

GMT 08:56 2020 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الخميس 22تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 07:21 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الحديد في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 05:40 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل طاجن الريش بالشعرية

GMT 15:10 2020 الأحد ,09 آب / أغسطس

ليبيا تسجل 153 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 14:17 2020 الإثنين ,03 آب / أغسطس

أسعار الذهب في مصر اليوم الإثنين 3 أغسطس

GMT 13:10 2020 الأربعاء ,29 تموز / يوليو

أسعار اللحوم في مصر اليوم الأربعاء 29 يوليو

GMT 21:47 2020 الخميس ,09 تموز / يوليو

منتخب سويسرا يواجه كرواتيا وبلجيكا وديًا

GMT 23:01 2020 السبت ,13 حزيران / يونيو

أصالة تطرح أحدث أغنياتها "جيتني مكسور

GMT 23:57 2020 الإثنين ,09 آذار/ مارس

البورصة الأردنية تغلق التعاملات على انخفاض
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon