توقيت القاهرة المحلي 22:17:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اللحظة الساداتية؟!

  مصر اليوم -

اللحظة الساداتية

بقلم - عبد المنعم سعيد

في عالمنا، عندما تنشب الحروب، أو يحدث الأمر الجلل من ثورات وكوارث طبيعية، فإن التساؤل يكون متى تنتهي هذه الحالة المقيتة؟ وفي الواقع لا يكفي هذا السؤال الطبيعي لانتهاء الحالة المرفوضة، فالحرائق لا تتوقف إلا عندما يتوقف تدفق الوقود في اتجاهها أو منع الأكسجين عنها، أما الأمراض المستعصية فإنها لا تتوقف إلا بعلاج ناجز أو جراحة حاسمة. الحروب ليست استثناءً من هذه القاعدة، وهناك أنواع منها سماها الرئيس بايدن «حروباً أبدية» تستمر فترات طويلة، ولا يعرف أحد متى تنتهي، وإذا انتهت فهل سيحل فيها سلام أو ستبقى لتنتظر جولة أخرى؟ والحروب تختلف عن الصراعات مثل الصراع العربي أو الفلسطيني الإسرائيلي، فهي ممتدة تقطعها حروب، والحروب تقطعها معارك، ويظل السؤال حول النهاية في انتظار وصول الأطراف إلى حالة من الإرهاق يكونون بعدها على استعداد لخوض المفاوضات، والبحث عن سلام يستفيد منه الجميع. سوف نستبعد هنا الحالة التي حدثت في الحربين العالمية الأولى والثانية عندما كان النصر حاسماً، حيث يكون فيه الاستسلام بلا قيد ولا شرط؛ ولكنه كان في الأولى قاسياً إلى الدرجة التي أدت إلى الحرب الثانية، وفي النهاية كان الإنسان قد بات أكثر حكمة، فكان الاستسلام دون إذلال. ولكن هناك حالة أخرى لا ينبغي استبعادها وهي تلك «اللحظة الساداتية»؛ أي تلك التي يهل عليها حكيم سياسي يكون قادراً على تغيير البيئة العدائية والتفاوضية بحيث تفضل السلام على استمرار الحرب.

نعم، يوجد في التاريخ الآن «لحظة ساداتية» لها صفاتها وخصائصها وأهمها أن العالم يصبح بعدها ليس كما كان قبلها، رغم أنها «لحظة» في حكم الزمن. وكما قيل إن قرناً ونصفاً من الإمبراطورية البريطانية لا يزيد عن كونه «غمضة عين» في التاريخ، فإن المؤكد أن وجود الإمبراطورية لم يكن أمراً عارضاً لأنها اتسعت كما اتسعت، وإنما لأنها أطلقت الثورة الصناعية الأولى، وقدمت للبشرية نظاماً اقتصادياً وسياسياً لا يزال هو مرجعية الأمم. الرئيس السادات حكم مصر أحد عشر عاماً جرت كما لو كانت «غمزة عين»، ولكنها لم تكن كذلك؛ لأنه اتخذ قراراً للحرب وآخر للسلام، وفي كل منهما أضاف لتاريخ العالم لحظة لها تأثيراتها في الدنيا كلها. لم يكن قرار الحرب بتحرير أراضٍ محتلة فقط، أو للتخلص من عارٍ حدث قبل ذلك، ولكنه كان تسجيلاً ليقظة أمة، وإشهاراً لدور النفط العربي في العلاقات الدولية، والأهم من ذلك كله وضع السلاح في خدمة السياسة. كان قرار حرب 1973 هو الذي جعل قرار السلام بزيارة القدس ممكناً. اللحظة الساداتية لم تكن مصرية فقط، ولكن سبقها في شبه القارة الهندية ما فعله المهاتما غاندي لكي يحصل على استقلال الهند من الاستعمار الإنجليزي، حتى لو كان عليه منح الاستقلال لباكستان؛ وفي الحالتين كان الاغتيال هو القدر والنصيب.

السؤال الآن هو: هل حان وقت السلام في الحرب الروسية الأوكرانية؟ الحرب الآن دخلت عامها الثاني، وقرب منتصفه فإننا نجد أن القوات الروسية التي دخلت إلى أوكرانيا وكان غرضها السيطرة على أراضيها كلها نجحت في السيطرة على بعض المناطق في الجنوب والشرق، وأعلنت ضمها إلى الدولة الروسية بعد استفتاءات صورية، وبعد ذلك أخذت مواقف دفاعية. أوكرانيا على الجانب الآخر نجحت في الصمود، وأنقذت عاصمتها «كييف»، ومع المعونات الغربية الكثيفة نجحت في شن هجوم مضاد في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي نجحت فيه بتحرير عدد من المدن الهامة، وفي مقدمتها «خيرسون» التي تبقي باب أوكرانيا مفتوحاً في اتجاه البحر الأسود، وتحافظ على ميناء «أوديسا» بالغ الحيوية لبقاء نافذة لأوكرانيا على ذات البحر الذي يقود إلى البحر المتوسط. في نهاية الربيع من العام الحالي بدأت أوكرانيا هجوماً مضاداً واسع النطاق، وبعد شهور (الآن) لم تحرز تقدماً يُذكر في مواجهة دفاعات روسية مُحكمة، وعبورها يقتضي تكلفة عالية في الأرواح والمعدات.

والحقيقة هي أنه لا يزال مبكراً القول من الناحية العسكرية البحتة إن الطرفين قد وصلا إلى نقطة توازن تسمح بفتح باب مفاوضات جادة حتى لو كانت روسيا مرهقة وتعاني من آثار تمرد ميليشيا «فاغنر»؛ كما أن أوكرانيا تعاني من صعوبات كبيرة في تقدمها الحالي. الحالة هكذا ينبغي مراقبتها، وفي الرصيد فقد جرت مفاوضات بالفعل من قبل لتبادل الأسرى، وعُقدت صفقة للإفراج عن القمح الأوكراني المهم للاقتصاد الغذائي العالمي. وفي الرصيد أيضاً أن هناك مبادرة صينية للسلام تقوم على شقين: الأول لا يسمح بضم روسيا لأراضي أوكرانيا بالقوة المسلحة؛ والثاني أنه لا يجوز لحلف الأطلنطي أن يكون مهدداً لا لروسيا، ولا الصين. هذه وتلك من محاولات كسر العداء الجاري ومنع تصاعده أسهمت فيهما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومؤخراً حاولت الدول الأفريقية أيضاً بحكم مصالحها الغذائية الدخول إلى ساحة التقريب بين وجهات النظر.

المبادرة السعودية المقبلة بالتعاون مع تركيا تأخذ مساراً أكثر نجاعة وشمولاً من سابقيه؛ حيث تعتمد على التغيرات الجارية في النظام الدولي التي لم تجعله من ناحية القطبية ثلاثياً يشمل الولايات المتحدة والصين وروسيا، وإنما يشمل أيضاً دولاً أخرى من ذات التأثير بسبب عدد السكان أو القوة العسكرية أو الاقتصادية بجانب العضوية في مجموعة الدول العشرين أو «البريكس». وهي دول يقال عنها «متوسطة»، لا تعتمد على أي من الأقطاب الرئيسية؛ وكلمتها لأسباب خاصة بقوتها، قادرة على التأثير فيها. السعودية وتركيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا يمكنها البدء في كسر الممانعة للتفاوض والبحث عن حل لحرب طالت أكثر مما ينبغي. ربما كنا على أبواب لحظة ساداتية هامة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللحظة الساداتية اللحظة الساداتية



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:01 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024
  مصر اليوم - ختام فعاليات أسبوع الموضة في الرياض 2024

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام
  مصر اليوم - البرتغال وجهة سياحية جاذبة لعشاق الطبيعة على مدار العام

GMT 09:49 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل
  مصر اليوم - طرق العناية بالأجهزة الإلكترونية في المنزل

GMT 19:11 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أحمد السقا يكشف عن مواهب أولاده
  مصر اليوم - أحمد السقا يكشف عن مواهب أولاده

GMT 07:26 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة
  مصر اليوم - بوريل يدعو لإجراء تحقيق شامل حول انتهاكات إنسانية في غزة

GMT 01:41 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

دار الأوبرا في سيدني تتألق ترحيبا بالملك تشارلز

GMT 13:10 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

نقوش تكشف أسرارا جديدة عن المصريين القدماء في معبد إسنا

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 02:25 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

اتحاد كتاب مصر ينعي الروائي أحمد خالد توفيق

GMT 07:04 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

أشرف عبد الباقي يستعد لافتتاح "مسرح مصر للأطفال"

GMT 03:24 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

ريتا حرب تتألّق في جلسة تصوير حديثة

GMT 12:17 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الزمالك يطالب الجبلاية بنقل مباراة المصري لملعب القاهرة

GMT 05:02 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

طفل ثالث لكيم كارداشيان من أم بديلة

GMT 03:44 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أسعار الذهب في الأسواق المصرية الإثنين

GMT 18:47 2013 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

كولينز أنيقة ومثيرة في بلوزة شفافة وملابس جلدية

GMT 21:06 2015 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

النجم المصري محمد صلاح يقود هجوم روما أمام برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon