توقيت القاهرة المحلي 17:13:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«القوّة» كعلاقة بين الطوائف اللبنانيّة!

  مصر اليوم -

«القوّة» كعلاقة بين الطوائف اللبنانيّة

بقلم - حازم صاغية

دارت «فلسفة القوّة» العونيّة دورتها، وانتهت خائرة القوى مستلقيةً على كومة قشّ. الغضب والصوت المرتفع لن يكفيا لإخفاء الواقع المزري هذا.
«الرئيس القويّ» و«الحكم القويّ» و«وصول الأقوى في طائفته إلى سدّة الرئاسة» و«تحصيل حقوق المسيحيّين»... بهذه العناوين احتُفل قبل ستّ سنوات. الاحتفال كان صاخباً وضاجّاً بقدر ما كانت النهاية مجروحة الصوت ضعيفة الهمّة. الرجل البالغ من العمر 89 عاماً، والذي لا توحي حركته ولا نطقه بصحّة أو بحضور يخالفان عمره، وعدَنا عند مغادرة القصر الرئاسيّ بالبدء من جديد: إنّ الأيّام الآتية - كما قال - ستكون مرحلة «النضال القويّ».
الأمر يبعث على أمور كثيرة، أحدها الحزن. الذين واللواتي لم ينزلوا عن الحلبة ولم يعترفوا بضعفهم أو فَواتهم، بات ذِكرهم في تاريخ الفنون والسينما مقروناً بالأسى. وكلّما كان يزيد التذكير بالقوّة والتمكّن، كان يتزايد الانتباه إلى الضعف والترهّل والتلاشي.
في حالة العونيّين، لم تكن نظريّة «ما خلّوه يحكم»، وهي بذاتها اعتراف بضعفٍ ما، كافية لتفسير ما يجري. فبعيداً عن أدوار الآخرين، بل بعيداً عن الدولة ككلّ، راحت حصّتهم تتأكل في المجتمع: في انتخابات 2005 العامّة نالوا 70 في المائة من المسيحيّين، وفي انتخابات 2009 نالوا 50 في المائة، ثمّ في انتخابات 2022 الأخيرة انحسر تمثيلهم إلى 20 في المائة فقط. هذا علماً أنّه وفقاً للتركيب الطائفيّ للمجتمع وللنظام اللبنانيّين، فإنّ مَن يكسب انتخابيّاً في حالات الأزمة، هو الأكثر تعبيراً عن «روح الطائفة» المفترضة.
أمرٌ آخر تجاهله زعم «القوّة»، هو الانكماش الديموغرافيّ الذي أصاب الكتلة المسيحيّة وأنزلها إلى ما دون ثلث مجموع السكّان. هكذا بات الالتحاق بـ«حزب الله» وبقوّته الفعليّة شرطاً لـ«قوّة» العونيّة. هذا سبب وجيه آخر لتسخيف القوّة، لكنْ فيما كان القصر الرئاسيّ يشهد إحدى نهايات «القوّة» البائسة، كانت الحدود الجنوبيّة تسجّل نهاية أخرى لـ «قوّة» أخرى. هنا نحن لسنا حيال عونيّين، بل حيال طرف جدّيّ معزّز بجيش متماسك ومجرّب، وبترسانة صواريخ. مع هذا فاتّفاق ترسيم الحدود البحريّة ألغى فعليّاً استخدام هذه القوّة، إلّا إذا اقتصر الاستخدام على تطويع الجماعات الأخرى في المجتمع اللبنانيّ.
طلب «القوّة» الشيعيّة، الذي بدأ بصرخة موسى الصدر: «السلاح زينة الرجال»، أواسط السبعينات، وصل إلى نقطة بات من الصعب معها تبرير هذا الطلب. في هذه الغضون، ضاع الحدّ الذي يفصل بين «قوّة» الأطراف المتحالفة: فالأمين العام لـ«حزب الله» جنديّ في جيش الوليّ الفقيه، وهو أيضاً مقاتل في حمص ودرعا. إنّ تلبية تلك المصالح الإقليميّة والتقيّد بإملاءاتها، شرط شارط لاكتساب القوّة التي أحرزها الحزب.
في عقود سابقة عرفنا محاولتي بحث عن «القوّة»: فالطائفة الدرزيّة، من خلال كمال جنبلاط، حاولت هي الأخرى أن توسّع نطاق قوّتها، فضمّت إليها أحزاب «الحركة الوطنيّة اللبنانيّة» الراحلة، وما لبثت أن وقعت، هي و«الحركة الوطنيّة»، في أسر القرار والسلاح الفلسطينيّين. الحليف الآخر لهذه الكتلة الفضفاضة؛ أي سوريّا، ما لبث أن انقضّ عليها، واغتال جنبلاط نفسه قبل أن يلعب دوره الحاسم، مباشرة كما بالواسطة، في القضاء على الحضور العسكريّ والسياسيّ الفلسطينيّ.
تجربة المرارة نفسها تصحّ في أصوات سُنّيّة بدأت تطالب بـ«المشاركة»، وهو طلب محقّ في وضع كالوضع اللبنانيّ، لكنْ سريعاً ما ظهر شعار «المقاومة الفلسطينيّة جيش المسلمين»، مقروناً بإقدام «منظّمة التحرير» والحكم السوريّ على شقّ الجيش «المسيحيّ».
وأيضاً، وكما في الحالة الدرزيّة، لم يجنِ المسلمون السنّة شيئاً من عوائد هذه «القوّة»، لا سيّما بعدما هُزمت المقاومة الفلسطينيّة في 1982. هكذا حصل الانتقال إلى تأييد الدور «العربيّ» السوريّ في لبنان وتعليق الأمل عليه، وهو ما استمرّ حتّى اغتيال رفيق الحريري في 2005.
تقول تلك التجارب مجتمعة، إنّ «القوّة» كعلاقة بين الطوائف مستحيلة في لبنان. إنّها قوّة لغير طالب القوّة اللبنانيّ. الأشدّ بؤساً أنّ إعلان موت القوّة حين تموت، مستحيل هو الآخر؛ لأنّه ينمّ عن انكسار طائفة ومشروعها في مواجهة طوائف أخرى ومشاريعها. هذا ما يفسّر اليوم وجهاً أساسيّاً من وجوه الأزمات الإنسانيّة والوطنيّة والاقتصاديّة التي يعانيها اللبنانيّون راهناً.
ذاك أنّ «القوّة» قد تصلح لصياغة العلاقات بين دول يربط بينها العداء والحذر، وربّما صراعاتٌ تاريخيّة وميل دائم إلى اكتساب قوّة يُعدَّل بموجبها توازن القوى. البائس أنّ تطبيق مفهوم القوّة بين الدول على علاقات الجماعات والطوائف، صار قاعدة عامّة في بلدان عربيّة كثيرة، وليس في لبنان وحده.
ينمّ هذا ليس فقط عن ضعف في النسيج الوطنيّ بات مرئيّاً لكلّ ذي عين تبصر، بل ينمّ أيضاً عن احتمال ألا ينشأ مثل هذا النسيج الوطنيّ لا اليوم ولا في الغد... فنحن، حتّى إشعار آخر، مشدودون من شَعرنا إلى الوطن الواحد والدولة الواحدة، وما من شيء يوحي بالعكس سوى الخطابة الميّتة والإنشاء السقيم.

 

   

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«القوّة» كعلاقة بين الطوائف اللبنانيّة «القوّة» كعلاقة بين الطوائف اللبنانيّة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon