توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصائر بائسة لوطنيّات المشرق العربي

  مصر اليوم -

مصائر بائسة لوطنيّات المشرق العربي

بقلم - حازم صاغية

لنتذكّر لوهلة ما حصل في بيروت عام 2002. فتذكّرُ ذاك الحدث، رغم انقضاء نيّف وعقدين عليه، يبقى مساهمة مفيدة في فهم الحاضر. وهذا لا يعود فقط إلى أنّ ما مضى لم يمض فعلاً، بل لأنّه صار أشدّ حضوراً وأذيّةً مع مرور الزمن، كما باتت معانيه أكثر انقشاعاً.

حينذاك، وفي مؤتمر قمّة عربيّ، طرح وليّ العهد السعوديّ، والملك اللاحق، عبد الله بن عبد العزيز، ما بات يُعرف بـ»مبادرة السلام العربيّة». وكانت مأساة 11 سبتمبر/ أيلول في الولايات المتّحدة، والانتفاضة الثانية في فلسطين، تدفعان في اتّجاه تحرّك كبيرٍ ما يتعلّق بـ «أزمة الشرق الأوسط» وتذليلها.

أمّا أهمّ ما في تلك المبادرة فكان إعلان الاستعداد العربيّ للاعتراف بدولة إسرائيل مقابل قيام دولة فلسطينيّة على حدود الـ 67 والانسحاب من الجولان السوريّ المحتلّ.

أرييل شارون، وكان رئيس حكومة إسرائيل آنذاك، منع الزعيم الفلسطينيّ ياسر عرفات من السفر إلى لبنان لحضور القمّة التي ستناقش قضيّته. وبدوره أذعن عرفات للقرار خوفاً من أن يمنعه الإسرائيليّون، في حال ذهابه إلى بيروت، من العودة إلى رام الله. في المقابل، منع الرئيس اللبنانيّ إميل لحّود، المعروف بتبعيّته لدمشق وطهران، بثّ كلمةٍ أراد عرفات توجيهها عبر الأقمار الصناعيّة إلى القمّة. أمّا ذريعة إلغاء الكلمة من جدول أعمال المؤتمر فكانت من جنس فضائحيّ: إنّه «الخوف من دخول إسرائيل على الخطّ والتشويش على الكلمة».

حصل ما هو أسوأ من هذا: إبّان انعقاد القمّة، نفّذت حركة «حماس» عمليّة في نتانيا، تلازمت مع يوم عيد الفصح اليهوديّ، وقضى بنتيجتها ثلاثون مدنيّاً ومدنيّة إسرائيليّون.

شارون وحكومته وجدا في العمليّة فرصتهما لتجاهل قمّة بيروت وللامتناع عن التفاعل مع العرض الذي قدّمته. وكان ما عزّز التجاهل الشارونيّ أنّ القمّة، وبضغط سوريّ ومُمانع، رفضت كلّ إشارة، كي لا نقول إدانة، للعمليّة.

مَن يحتاج إلى برهان على تواطؤ إسرائيليّ – إيرانيّ، ولو من موقع الخصومة، ضدّ الوطنيّة الفلسطينيّة وضدّ فكرة السلام عموماً، لن يجد أبلغ من الواقعة المذكورة. وهذا علماً بأنّ الحرب على اتّفاقيّة أوسلو كانت، هي الأخرى، برهاناً بليغاً على التواطؤ إيّاه: اليمين الإسرائيليّ يغتال اسحق رابين، ومنظّمات الممانعة الفلسطينيّة تفجّر العبوات الناسفة بالمدنيّين.

ولن نضيف جديداً حين نذكّر أيضاً بما حصل بعد انقلاب «حماس» واستيلائها على غزّة في 2007، ما أشعرَ اليمين الإسرائيليّ بسعادة واطمئنان هبّ معهما إلى إنجاد «حماس» وتسمين سلطتها بالمال، ليس بالضرورة حبّاً بها بل كرهاً بأيّ تشكُّل وطنيّ فلسطينيّ.

لقد كان تدمير الوطنيّة الفلسطينيّة ومنع صيرورتها مطلباً مزدوجاً إسرائيليّاً – إيرانيّاً. وإذ اعتبرت تلّ أبيب أنّ إدامة الانقسام ما بين ضفّة وقطاع شرطٌ لبلوغ الهدف هذا، اعتبرت طهران أنّ الشرط اللازم لا يقلّ عن تفتيت المشرق العربيّ ومنع انتظامه في دول. ذاك أنّ ولادة دولة فلسطينيّة تعني أمرين يُستحسن تفاديهما:

من جهة، تنزع مادّة مشتعلة ذات قابليّة للاستخدام، كما تُبرهن أنّ حلّ تلك المشكلة المستعصية ممكن،

ومن جهة أخرى، تكون تلك الولادة احتفالاً بالدولتيّة وبرهاناً على نجاح نظامها في المشرق العربيّ. والراهن، وكما دلّت التجارب الكثيرة المتلاحقة، أنّ وجود دولة فلسطينيّة بات شهادة لصلاح النظام الدولتيّ في المنطقة أو شهادة على غيابه واستحالته.

والطرفان المذكوران، في الحالات جميعاً، لا يريدان للمشكلة أن تُحلّ بحيث تبقى «قضيّة»، كما يفضّلان مشروع التحوّل الميليشياويّ المانع للدول والمعفِّن للمجتمعات.

يكمّل هذه الصورة أنّ سوريّا الأسد كانت قد اعتبرت نفسها شريكاً لإيران في تفتيت المشرق وفي مَيْلَشَته، شريطة أن يستثنيها هذا التفتيت ويتيح لها السيطرة عليه. بيد أنّها ما لبثت أن وقعت في الحفرة التي حفرتها لـ»أخيها» اللبنانيّ والعراقيّ والفلسطينيّ. هكذا لم يعد ثمّة أيّ استثناء لتلك القاعدة المشرقيّة، بحيث اقتصر الملعب على طرف إيرانيّ يرفعنا كُرةً في الهواء وطرف إسرائيليّ يشوط الكرة التي هي نحن.

والآن، مع 7 أكتوبر والحرب على غزّة، يمكن القول إنّ عمليّة وأد الوطنيّات المشرقيّة قد نجحت انطلاقاً من وأد الوطنيّة الفلسطينيّة وبناءً عليها. فالباحث عن استقرار إقليميّ يشكّل حاضنة لانبعاث ما، وطنيّ ودولتيّ، لن يجد سوى الحرب التي تنطلق من غزّة ولا تقتصر عليها، والتي يُرجّح أن تكون طويلة ومتشعّبة، وإن بأشكال مختلفة. والباحث عن قوى ذاتيّة في المشرق تستطيع أن تُفيد من الصراع الإسرائيليّ – الإيرانيّ، لن يجد سوى حركة تفتّت متعاظمة يلازمها ويؤجّجها انفكاك الجماعات عن المركز وتناحُر واحدتها مع الأخرى. وإذا دلّ استمرار النزيف السكّانيّ، وفي عداده نزف الكفاءات، على استحالة البناء على ثوابت ديموغرافيّة، دلّت هزيمة الثورات والحركات الإصلاحيّة، في سوريّا ولبنان والعراق، على أنّ ديناميّات التغيير ستبقى معطّلة إلى حين يصعب التكهّن بنهاياته. أمّا قوى العالم المؤثّرة، الموجودة بقوّة في منطقتنا، فإنّ حضورها الأمنيّ والعسكريّ يطغى طغياناً كاملاً على حضورها السياسيّ الضئيل وعديم المبادرة في ما خصّ رسم صورة للمستقبل.

هل قلتم: مستقبل؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصائر بائسة لوطنيّات المشرق العربي مصائر بائسة لوطنيّات المشرق العربي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon