توقيت القاهرة المحلي 20:21:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مسائل في ثقافيّات الحرب

  مصر اليوم -

مسائل في ثقافيّات الحرب

بقلم - حازم صاغية

في عددها الصادر يوم الأحد الماضي، في 7/4/2024، نشرت «هآرتز» الإسرائيليّة تحقيقاً كتبته جودي مالتز، مراسلة الجريدة لشؤون يهود العالم. التحقيق الذي حمل عنوان «بعد ستّة أشهر: كيف حوّلت 7 أكتوبر وحرب غزّة اليهودَ عبر العالم»، رصد انعكاس هذين الحدثين الكبيرين على حياة أفراد يهود توزّعوا على النحو التالي: 7 في الولايات المتّحدة، 2 في الأرجنتين، 2 في أستراليا، 2 في بريطانيا، 2 في جنوب أفريقيا، 2 في كندا، و1 في كلّ من أوكرانيا وتركيّا وأوغندا وتشيلي وفرنسا وإيسلندا وإيطاليا وألمانيا.

وهؤلاء الذين استُفتوا ينقسمون إلى 14 امرأة و11 رجلاً، تتفاوت أعمارهم بين 22 و75 سنة، وهم متزوّجون وعازبون، ومتزوّجات وعازبات، وفيهم المؤمنون وغير المؤمنين. لكنّهم أيضاً يتوزّعون في مواقعهم الاجتماعيّة والمهنيّة على خريطة شديدة الاتّساع: فهناك من يعمل في التلفزيون، ومن يعمل في مركز اجتماعيّ حسيديّ، ومن هو طالب دكتوراه في اللغويّات ومن هو مساعد طبّيّ. وبينهم المؤرّخ والموظّفة في مؤسّسة لدفن الموتى والحاخام والمدير في شركة عقارات والمؤرّخ والأستاذ الثانويّ والطبيبة البيطريّة ومديرة البنك وفنّانة وأستاذ علم اجتماع متقاعد...

أمّا الآراء التي عبّر عنها هؤلاء فلا تقلّ اتّساعاً وتنافراً عن المواقع التي صدروا عنها. شابّ أستراليّ يقول: «لقد توقّفتُ عن التحدّث إلى أهلي حول بعض القضايا بالغة الصعوبة». شابّ أميركيّ يضيف: «التلاقي مع يهود مؤيّدين للفلسطينيّين ممّن يشاركونني الرأي كان تجربة مؤثّرة جدّاً». سيّدة تركيّة تحتجّ: «كلّ شيء جيّد [في تركيّا] شرط أن نبقى صامتين. أيّ وطن هو هذا؟». مؤرّخ أميركيّ يُدين: «أظنّ أنّ انتقام إسرائيل [من 7 أكتوبر] هجوم إباديّ». سيّدة أميركيّة تنتقد: «ردّ إسرائيل لم يكن مساعداً. قتل هذا العدد الكبير من الناس دون تمييز لا يبدو لي [عملاً] يهوديّاً». سيّدة فرنسيّة تتحدّى: «قبلاً لم أُحسّ أبداً بالحاجة إلى وضع نجمة داوود حول عنقي، لكنّني منذ 7 أكتوبر أشعر بذلك». حاخام أميركيّ ينشقّ: «لا يصلني الإحساس بالتعاطف مع ما يعانيه الناس في غزّة. لقد حوّلني هذا الأمر إلى مناهض للصهيونيّة». سيّدة إيطاليّة تغضب: «المنظّمة النِسويّة الرئيسيّة في إيطاليا رفضت إدانة العنف الجنسيّ ضدّ النساء الإسرائيليّات». سيّدة ألمانيّة تصف السير في شوارع ألمانيا بما كان عليه «قبل وصول النازيّين إلى السلطة».

علاقة واحدهم وواحدتهم بالأهل والأصدقاء وزملاء العمل عرضة للنقاش وللتفكير. علاقتهم بالمكان نفسه، من مكان الإقامة إلى الوطن، كما علاقتهم بإسرائيل، مواضيع للتأمّل. انعكاس الحدثين على الإقامة والعمل والأمن والهجرة هي كلّها مسائل مطروحة. أمّا العناوين العامّة الأكثر حضوراً وتواتراً، أو التي يصلنا حضورها على نحو مُداور، فربّما جاز فرزها إلى أربعة:

- نهاية العلاقة بين الاتّجاهات اليساريّة والتقدّميّة وبين الصهيونيّة،

- اختلاف بين أجيال يهود العالم حيال إسرائيل، حيث يغلب التعلّق بين الأكبر سنّاً وينمو النفور والتنصّل عند الأصغر سنّاً،

- أزمات تحيط بأوضاع اليهود في الجامعات خصوصاً،

- عسر العلاقة المستجدّة بين الفنّانين والفنّانات اليهود وبين عالم الفنّ ومجالاته.

بطبيعة الحال ليست «هآرتز» إسرائيل، فهي لا تعدو كونها صوتاً لشريحة ضيّقة من مجتمعها الذي عصف به التطرّف والقسوة، بل ربّما كانت أعلى الأصوات المناهضة لنازع الإبادة الذي يستولي على الدولة العبريّة. لكنّها، مع هذا، صوت حاضر ينقل عالماً متعدّداً وناقداً وعابراً للحدود في الآن نفسه.

أمّا ما ينمّ عنه سلوك «هآرتز»، في هذا التحقيق، كما في مقالات وأعمال صحافيّة أخرى كثيرة، فتصوّرٌ ثقافيّ مسكون بأحوال البشر أفراداً وجماعات، بتحوّلاتهم الكبرى كما بأوضاعهم الحميمة التي تظهّرها المنعطفات التاريخيّة. لكنّه مسكون أيضاً بفكرة أنّ البشر حين يكونون أحراراً يكونون مختلفين، فهم لا يفكّرون تفكير من صُبّوا في قالب واحد، أو تفكير من أُجبروا على ترداد رواية جماعيّة بعينها.

ومدهشٌ، في المقابل، كم أنّ ثقافتنا، من خلال وسائطها، فقيرة في اهتمامها بإظهار اختلافنا وتعدّدنا، وبإظهارنا مختلفين ومتعدّدين. ذاك أنّ ما يستحوذ عليها هاجسُ تقديمنا صوتاً واحداً مرصوصاً لا ينشز عنه إلاّ خائن أو عميل.

أسوأ من ذلك أنّ أوضاع الناس وآراءهم، في ظروف مصيريّة كهذه، ليست على الأجندة الثقافيّة أصلاً. يصحّ هذا في ما خصّ تناولَ المقيمين في بلدانهم، مثلنا يصحّ في ما خصّ تناول المهاجرين، حيث بات هناك ملايين العرب والمسلمين في أربع رياح الأرض. فهل هؤلاء لا يتأثّرون في أجسادهم وإقامتهم وعملهم وصلاتهم مع سواهم، أم أنّ تأثّرهم لا يحمله انشغالنا الثقافيّ على محمل الجدّ، هو المُكرّس لفضح ازدواجيّة الغرب ونبش المواضي الكولونياليّة؟ وهذا حين نرتاح قليلاً من مسائل «الحداثة والأصالة» و»الإبداع والاتّباع»!

فما يتبدّى اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أنّ المسافة الفاصلة بين البشر الفعليّين والبُنى التحتيّة لـ»ثقافتنا» من عيار فلكيّ. فالناس، وفق هذه الأخيرة، كتلة من حجر، ولدينا وفرة في الإنسان – القوم وندرة في الإنسان – الفرد أو حتّى الإنسان – الجماعة، فيما لا يزال القدرُ يحجب الحياةَ في تجاربها وعلاقاتها والشكل الخاصّ لتماسّها مع العالم.

وفي انتظار أن يوقظنا موقظ من «قيلولتنا الدوغمائيّة»، بحسب عبارة شهيرة قالها كانط عن هيوم، سوف نمضي بخطى ثابتة إلى المجد «ما دمنا نقاوم»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسائل في ثقافيّات الحرب مسائل في ثقافيّات الحرب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon