توقيت القاهرة المحلي 12:17:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

... عن الاحتجاجات الطلابيّة في الغرب وعن حدودها

  مصر اليوم -

 عن الاحتجاجات الطلابيّة في الغرب وعن حدودها

بقلم - حازم صاغية

ينتظر كثيرون من خصوم الاحتجاجات الطلاّبيّة في الولايات المتّحدة (وأوروبا الغربيّة) عطلة الصيف بوصفها ما يُنهي تلك الاحتجاجات. ويقول بعض المعوّلين على العطلة إنّ تراجع العمليّات العسكريّة في غزّة، وانحسار صُور الموت والدمار على وسائل التواصل الاجتماعيّ، يتكفّلان بالباقي.

لكنّ أصحاب هذا الرأي، حتّى لو أسعفتْهم العطلة وضمور الصور، يَنمّون عن قصر نظر يحرّكه الإنكار. فليس من السهل، بعد اليوم، التغافل عن الانحياز الأميركيّ والغربيّ الأعمى لإسرائيل، أو عن الأفعال الإسرائيليّة المتوحّشة نفسها. وإلى هذا، نجحت مسألة فلسطين في التحوّل بؤرةً تصبّ فيها اعتراضات كثيرة ومتفرّقة، وإن غير متجانسة بالضرورة، على سياسات غربيّة داخليّة وخارجيّة شتّى، وهذا فيما غدا أصعبَ من أيّ وقت سابق تقبّلُ تمثيل إسرائيل الإسبارطيّة للمحرقة اليهوديّة بوصفها أرفع أشكال الضعف والضحويّة في مواجهة جبروت القوّة والتوحّش. وفي وسع العوامل تلك مجتمعةً، إذا ما أُحسنت إدارتها ضمن استراتيجيّة ذات نَفَس طويل، إحداث تعديلات تدريجيّة وتراكميّة في أوساط مؤثّرة من الرأي العامّ الغربيّ.

مع هذا فإنّ خطأ مقابلاً يرتكبه المراهنون على التحرّكات الطلابيّة بوصفها مدخلاً إلى تغيير نوعيّ في السياسات وفي توازنات القوى في الغرب. وتبدو المفارقة على أشدّها حين يجتمع في عبارة واحدة تقدير متفائل كهذا وتقدير آخر متشائم بأنّ الغرب يعيش اليوم انبعاث اليمين المتطرّف. وكم يدعو إلى التنبّه والحذر أنّ الولايات المتّحدة ستجد نفسها بعد أشهر مُخيّرةً بين جو بايدن المتَّهَم بـ»الإباديّة» ودونالد ترمب الذي يعلن نيّته ترحيلَ مَن يتظاهرون دعماً للفلسطينيّين! وهكذا لا يبقى للأمل السياسيّ سوى المرشّح كورنيل ويست ورفيقته لنيابة الرئيس ميلينا عبد الله.

أمّا في بريطانيا فهناك ما يشبه الإجماع على أنّ حزب العمّال، الذي لفظ جيريمي كوربن، وتُتَّهم قيادته الحاليّة بمحاباة إسرائيل، هو الذي سيحلّ محلّ المحافظين في 10 داوننغ ستريت. وأمّا في فرنسا فالمؤكّد أنّ العنصريّة مارين لوبين ستكون، بلا قياس، أقدر على منافسة يمين الوسط من الشعبويّ اليساريّ جان لوك ميلونشون.

ولم يعد سرّاً أنّ مسألة الهجرة واللجوء تلعب دوراً كبيراً في هذه الوجهة التي تتغذّى، أوروبيّاً على الأقلّ، على عناصر أخرى كالوضع الاقتصاديّ وحرب أوكرانيا وتراجع الموقع الأوروبيّ في العالم.

وفي وضع كهذا يُستحسن بالمراهنين على «الصوت الإسلاميّ» أن يحسبوا الأمور بطريقة أفضل. ذاك أنّ الصوت المذكور سيكون، في زمن احتدام الهويّات، سيفاً بحدّين، بحيث يترافق تأثيره الانتخابيّ مع تظهير اختلافه وبرّانيّته. وهذا قبل أن نضيف التأثيرات التي يخلّفها شعار لـ»حماس» قد يخترق تظاهرة هنا، أو علم لـ»حزب الله» قد يرافق تظاهرة هناك.

والحال أنّنا شهدنا، في السنوات القليلة الماضية، تطوّراً خطيراً في أوروبا مفاده تراجع التحريم الذي نشأ بعد الحرب العالميّة الثانية وطال الائتلافَ مع أحزاب اليمين المتطرّف. فقد عقد المحافظون في النمسا ائتلافاً مع «حزب الحرّيّة» غير عابئين بفرض الاتّحاد الأوروبيّ عقوبات عليهم. كذلك بات يحكم إيطاليا، صاحبة الاقتصاد الثالث في الاتّحاد المذكور، حزب تعود جذوره إلى «الفاشيّة الجديدة». أمّا فنلندا، وبعد سجالات حادّة وحارّة، فضُمّ فيها حزب «الفنلنديّين» المتطرّف إلى الائتلاف الحاكم، وبات «ديمقراطيّو السويد»، المعارضون للهجرة وللتعدّديّة الثقافيّة، الحزب الثاني في البرلمان، بينما حقّق حزب «الصوت» في أسبانيا نتائج لافتة في آخر انتخابات مناطقيّة، وغدا حزب «البديل» في ألمانيا أحد الأحزاب الأساسيّة في البرلمان. وإذ تحوّل الموقف السلبيّ من الهجرة محطّ إجماع في الدانمرك، حصل حزب «الحرّيّة» الهولنديّ على عدد المقاعد الأكبر في الانتخابات العامّة الأخيرة... وهذا ناهيك عن أوروبا الوسطى والشرقيّة التي تستحوذ عليها أحزاب وخيارات أسوأ.

وهكذا سيكون من الصعب، أكان في الولايات المتّحدة أم في أوروبا، أن ينتقل ما يعيشه الحيّز الأكاديميّ إلى خارجه، أو أن يكون انتقال كهذا نوعيّاً في حجمه ودلالاته. فكيف وأنّ عالم الجامعة لا يختصر المدن بأكملها، ناهيك عن المدن الأصغر والبلدات والمناطق الريفيّة؟

والتجربة، بغضّ النظر عن مدى دقّة المقارنة مع الستينات الأميركيّة والأوروبيّة، لا تشجّع على توقّع انتقالات من هذا اللون. ففي 1972 خاض جورج ماكغفرن معركة الحزب الديمقراطيّ الرئاسيّة في مواجهة «الصقر» الجمهوريّ ريتشارد نيكسون. وكانت فيتنام العنوان الأبرز لحملة ماكغفرن، المدعوم من يساريّي حزبه ومن أقصى ليبراليّيه، فضلاً عن البيئة الثقافيّة في الولايات المتّحدة. فهو تعهّدَ بسحب كلّ الجنود الأميركيّين من الهند الصينيّة وبخفض الإنفاق العسكريّ بنسبة تتجاوز الثلث وبالعفو عن الشبّان الذين امتنعوا عن أداء الخدمة العسكريّة، ولم يطالب الفيتناميّين، في المقابل، إلاّ بتحرير الرهائن الأميركيّين لديهم. لكنّ نسبة التصويت كانت الأدنى منذ 1948 فلم تتجاوز الـ55 بالمئة، وإذ نال ماكغفرن 37 بالمئة ممّن اقترعوا و17 كلّيّة اقتراعيّة، نال نيكسون 61 بالمئة و520 كلّيّة اقتراعيّة.

وفي فرنسا، وبعد استقالة شارل ديغول عام 1969، تولّى الرئاسة الديغوليّ جورج بومبيدو، كما احتلّ المسيحيّ الديمقراطيّ جيوفاني ليوني رئاسة الحكومة الإيطاليّة الديغولي، وبقي الحكم في عهدة حزبه عشرين سنة أخرى.

وهكذا يُستحسن إرفاق التوقّع بالحذر، وفي حالتنا الرغبويّة، جعل الحذر رقيباً صارماً على التوقّعات، لأنّ من يقفون وراء الباب، ومَن قد يستفيدون من حماسة المتحمّسين واستعجال المستعجلين، كثيرون وخَطِرون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 عن الاحتجاجات الطلابيّة في الغرب وعن حدودها  عن الاحتجاجات الطلابيّة في الغرب وعن حدودها



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية

GMT 19:44 2019 الإثنين ,02 أيلول / سبتمبر

الفنان كيفن هارت يتعرض لحادث مروع في لوس أنجلوس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon