توقيت القاهرة المحلي 03:30:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لا للمقاومة... نعم لسلاحها!

  مصر اليوم -

لا للمقاومة نعم لسلاحها

حازم صاغية
بقلم -حازم صاغية

هناك من يصعب عليهم التخلّص من ثيابهم القديمة حين يصيبها العتق والرثاثة ولا تعود صالحةً لأن تُلبس. سبب ذلك رابط عاطفيّ يربطهم بتلك الثياب وإلفة قديمة معها، بحيث يبدو التخلّص منها أشبه بانتزاع جزء من ماضي الشخص المعنيّ ومن ذاكرته ورميه في سلّة المهملات.
المشكلة أنّ خزانة الثياب، والحال هذه، لا تعود تتّسع لأيّ ثوب جديد قد يحتاج إليه صاحبه الذي استولى التلَف على ملابسه القديمة.
شيء من هذا يصحّ في علاقة البعض بالآيديولوجيّات المتقادمة، بل المتهالكة: صعوبة التخلّص منها، وخصوصاً صعوبة المجاهرة بذلك. هي قد تبلى وقد تموت لكنّ أحداً ممّن كانوا يقولون بها لا يقدم على إعلان ذلك. الميّت يبقى في صحن الدار والرائحة الكريهة تنتشر وتسمّم المحيط لكنّ الدفن يبقى مرفوضاً.
في التاريخ النضاليّ والراديكاليّ أمثلة كثيرة أهمّها موت الاشتراكيّة السوفياتيّة، وفي التاريخ العربيّ الحديث أمثلة أخرى أهمّها شعارا الوحدة العربيّة وتحرير فلسطين. مع هذا، قد يحلّ الصمت حيال تلك الشعارات والتكتّم عن نهاياتها، لكنّ الإقرار والمراجعة الصريحة يظلّان مستبعدين جدّاً.
مؤخّراً عاش اللبنانيّون تجربة شبيهة إلى حدّ ما: اتّفاق ترسيم الحدود اللبنانيّ - الإسرائيليّ برعاية أميركيّة. فهو، بين أمور أخرى، ينمّ عن نهاية المواجهة اللبنانيّة - الإسرائيليّة وعن اعتراف ضمنيّ من الحكم اللبنانيّ، وفي عداده «حزب الله»، بالدولة العبريّة. إنّه ينشئ مصالح اقتصاديّة مشتركة للطرفين، بغضّ النظر عن التفاوت في توزّع النسب والأحجام.
نهاية الاحتمال الحربيّ هي بالتأكيد حدث سعيد جدّاً، لكنّ المسألة تبقى أعقد قليلاً.
ذاك أنّ الموت الفعليّ للقضيّة النضاليّة يترافق هذه المرّة مع ضجيج مرتفع حول الانتصار فيها. يقول «حزب الله» ويكرّر أنّ سلاحه هو الذي ضَمِنَ الوصول إلى هذه النهاية السعيدة، وهذا ما يُفترض به أن يضمن عمراً إضافيّاً مديداً للسلاح المذكور.
سابقاً كنّا قد رأينا مع قوى وتنظيمات كثيرة في «العالم الثالث» ما يشبه هذا: الانتقال من القضيّة التي أوجبت حمل السلاح إلى حمل السلاح من دون القضيّة الأصليّة. لكنّ الفارق بين حركة «زانو» في زيمبابوي، مثلاً لا حصراً، وبين «حزب الله» في لبنان، أنّ الأولى حكمت بلدها واستخدمت السلاح إيّاه لفرض هذا الحكم الجائر، فيما الحزب سيمضي في حكم البلد من وراء ستار يوفّره الحليف العونيّ. وبالتأكيد فالمرجوّ والمؤمّل هو أن يبقى التحالف الحاكم (الحزب والعونيّون والبنوك والمافيات...) العنصر المتحكّم في الحياة السياسيّة للسنوات المقبلة. إلاّ أنّ التركيبة الحاكمة ستجد اليوم ما يعزّزها، فضلاً عن السلاح وعن «الانتصار»، في هذا «الكنز» النفطيّ الموعود الذي يلغي أيّ حاجة إلى إصلاح لم يحمله التحالف الحاكم على محمل الجدّ أصلاً.
المساهمة العونيّة في تدشين الحقبة الجديدة الظافرة لم يتأخّر ظهورها: فميشال عون في خطابه الأخير، وقبل أيّام على انتهاء عهد تنتظره بفارغ الصبر أكثريّة كاسحة من اللبنانيّين، لم يبخل بالوعود على «الأجيال المقبلة»، كما تحدّث بلغة التأسيس من صفر، معلناً ضرورة ترسيم الحدود مع سوريّا ومع... قبرص، من دون أن يتردّد في الإشادة بنجم المستقبل المأمول، صهره جبران باسيل، في إدارته للطاقة! عونيّون آخرون أضافوا إلى وعود هذا المستقبل الآتي «تنظيف» لبنان من اللاجئين السوريّين.
إذاً «الإنجاز الذي تحقّق بفضل الشعب والمقاومة»، كما قال عون، يُفترض أن ينهض عليه نظام شعاره الضمنيّ هو التالي: لا للمقاومة، نعم لسلاحها.
وهذا الانكفاء إلى الشقّ الداخليّ البحت قد يُغري بالحديث عن ثنائيّة حكمٍ شيعيّ - مارونيّ تتجسّد في «حزب الله» و«التيّار الوطنيّ الحر»، فيما يكمن رصيدها وشرعيّتها في المقاومة الراحلة و«انتصارها». لكنّه أيضاً يترك أسئلة معلّقة عن حصص التقاسم الجديد ومعاييره، أكان في البلد، ما بين الحزب والتيّار، أم في الطائفة الشيعيّة، ما بين الحزب و«حركة أمل»، ناهيك بالأسئلة المشروعة حول استراتيجيّات إيرانيّة جديدة في المنطقة.
في الحالات جميعاً، فإنّ ما حصل مؤخّراً مع اتّفاق الترسيم لا يصبح حدثاً جديداً، كامل الجدّة، إلاّ بعد الإقرار بأنّ قديماً ما قد مات. ينشأ عن إقرارٍ كهذا سقوط عقليّة ورموز وارتباطات لازمت ذاك القديم الميّت أو نجمت عنه. ينشأ عنه أنّ طاقماً حاكماً يغادر السلطة مصطحباً معه الذيليّة حيال إيران والالتحاق بـ«سوريّا الأسد» ونظريّة حلف الأقلّيّات وسائر العدّة التي برّرها، على نحو أو آخر، تحويل لبنان إلى «دولة مقاوِمة».
فالثروة النفطيّة، إذا تأكّد وجودها، تحضّ على المزيد من الحاجة إلى دولة حديثة ومؤسّسيّة، تكون وطنيّة وديمقراطيّة وعادلة في آن. في المقابل، فالمُراد لهذه الثروة، في ظلّ تلك التركيبة، أن تغدو بديلاً عن الدولة والمؤسّسات والحداثة والوطنيّة والديمقراطيّة والعدالة.
والثياب القديمة كثيرة جدّاً في الخزانة اللبنانيّة، وقد تتكاثر بعد اليوم بوتائر غير مسبوقة. إنّ أحداً لن يشتري ثياباً جديدة في ظلّ «انتصار» كهذا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا للمقاومة نعم لسلاحها لا للمقاومة نعم لسلاحها



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 03:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا
  مصر اليوم - ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا

GMT 19:22 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة
  مصر اليوم - أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة

GMT 16:35 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الجيش الإسرائيلي يتخبّط في "أزمة حادة"
  مصر اليوم - الجيش الإسرائيلي يتخبّط في أزمة حادة

GMT 19:05 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية
  مصر اليوم - حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية

GMT 10:37 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

تعرف على من هو أحمد مناع أمين مجلس النواب 2021

GMT 06:45 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

أبرز فوائد فيتامين " أ " على صحة الجسم والمناعة

GMT 09:47 2020 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

عبد المهدي يتخلى عن معظم مهامه الرسمية

GMT 04:22 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ريم مصطفى تؤكد أن مسلسل "شديد الخطورة" تجربة مختلفة

GMT 07:44 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

سامي مغاوري يتحدى ابنه في "واحد من الناس" مع عمرو الليثي

GMT 21:05 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مصرية تطلب الخلع من زوجها وتتفاجئ من رد فعله
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon