توقيت القاهرة المحلي 03:28:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان كساحة استثناء حربيّ؟

  مصر اليوم -

لبنان كساحة استثناء حربيّ

بقلم - حازم صاغية

قبل يوم واحد على الذكرى الأربعين لغزو لبنان في 1982، بدأت إسرائيل تنقّب عن الغاز عند الحدود البحريّة للبلدين. هذا التنقيب، وفقاً لبعض المراقبين، قد تخذله «الشروط الإقليميّة» التي تحوّله إلى حرب، لكنّه، وفقاً لمراقبين آخرين، قد تخدمه «الشروط الإقليميّة» بحيث يتحوّل مدخلاً لحرب طاحنة أخرى.
شيئان يمكن استنتاجهما من تلك المقدّمات: الأوّل، أنّ حالة الحرب النشطة لم تفقد شيئاً من نشاطها في لبنان، وهذا على رغم مرور 40 سنة على الحرب و22 سنة على التحرير، والثاني، أنّ «الشروط الإقليميّة» هي ما تتحكّم بتقرير صحّة الحالة الحربيّة ومدى نشاطها. إنّنا بلد بالغ الهشاشة، حرباً أو سلماً، حيال «الشروط الإقليميّة».
وهذا يبقى غريباً بالقياس إلى التجارب العربيّة الأخرى فيما خصّ حالة الحرب النشطة: فبعد نيّف وعشر سنوات على هزيمة يونيو (حزيران) 1967 انتهت حالة الحرب، نشطة كانت أم كسولة، بين مصر وإسرائيل. ومنذ 1973 أغلقت الحدود الجنوبيّة لسوريا إغلاقاً محكَماً فلم تعد إلى التفجّر إلا بعدما فجّر نظام الأسد كلّ شيء آخر. ومنذ 1993 و1994 تحكم اتفاقات سلام علاقات إسرائيل في كلّ من فلسطين والأردن.
هذا لا يعني أنّ إنهاء الحروب أنهى الخلافات، وبعضها كبير جدّاً، ولا هو أنهى الانتهاكات الإسرائيليّة هنا أو هناك، وهو لا يعني بالطبع أنّه أحلّ الجنّة على أراضي تلك البلدان التي سالمت. مع هذا فهو أنجز شيئاً كبيراً جدّاً: لقد أنهى الحرب، أي أنهى الموت الموسّع. هذا ليس تطوّراً بسيطاً ولا تفصيلاً عارضاً. صحيح أنّ الناس لا يزالون يموتون خصوصاً في الحروب الصغرى التي نشبت وتنشب بين إسرائيل وقطاع غزة، لكنّهم لا يموتون بالأعداد التي كانوا يموتون فيها إبّان الحروب الكبرى السابقة. جريمة مقزّزة كقتل الزميلة شيرين أبو عاقلة حصلت، وقد يحصل مثلها، لكنْ أيضاً تنشأ قنوات لتذليل النزاعات وفضّها أو ضبطها، وهي قنوات كان يمكنها أن تكون أكثر فاعليّة وإنجازيّة لولا التطرّف الذي تنامى في إسرائيل وفي عموم المنطقة مستفيداً من تعثّر السلام.
ماذا يعني هذا؟
في حرب 1967 قضى 20 ألف عربي و800 إسرائيليّ. في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 قضى 12 ألفاً. في غزو 1982 قضى أكثر من 7 آلاف. هؤلاء لم يعودوا يموتون. موت البشر وحياتهم يُفترض أن يعنيا لنا الكثير. إنّهما بذاتهما سبب كافٍ لاجتراح طرق غير مألوفة في التفكير وفي السياسة. أمّا الذين لا يستوقفهم هذا العامل فأمرهم خطير وأمرنا معهم أخطر.
صحيح أنّ صِيَغَ العلاقة العربيّة - الإسرائيليّة التي نشأت بعد انتهاء الحروب الكبرى ليست صِيَغاً مثاليّة ولا فاضلة، لكنّ أسوأها يبقى أفضل من «أفضل» حرب. مع هذا، فلبنان هو البلد العربي الوحيد المستثنى من العمل بهذا المبدأ: 1982، التي كانت المعادل اللبناني المحلّي لـ1967 المصريّة والسورية والأردنيّة، لم تكن نهاية حروبه بل بدايتها. والحكمة السائدة اليوم في لبنان أنّه مطلوب مزيد من الحروب ومن القتلى ومن ثقافة تمجيد الحرب والموت، وأنّ إسرائيل طامعة فينا وحدنا ومعتدية علينا وحدنا بما يوجب على لبنان وحده البقاء عالقاً في الحرب. أمّا أن يكون هذا البلد أحد أضعف البلدان العربيّة عسكريّاً، وأحد أقلّها إجماعاً على فكرة الحرب، فلا يغيّر شيئاً.
هذا الاستثناء اللبناني يدفع كثيرين إلى الوقوع أسرى منطق المؤامرة: لماذا نحن وحدنا يراد لنا أن نكون عالقين في الحرب؟ فإذا أضفنا دور «الشروط الإقليميّة» في التسبب بها، أو العيش الدائم في جوارها، اكتسب هذا الوعي التآمري صلابة يصعب تحدّيها.
والحال أنّ التضليل بالحرب وبضرورتها المزعومة يشبه تمام الشبه استخدام الحرب في الأنظمة التوتاليتاريّة: جورج أورويل، على لسان بطله ونستون سميث، يقول في روايته «1984» إنّه لا يستطيع أن يتذكّر زمناً لم يكن فيه بلده يخوض حرباً. فسكّان أوسيانيا كانوا دائماً يُلقَّمون تقارير عن انتصارات كبرى في إستاسيا فيما كانوا في الوقت نفسه يُزوَّدون بتحذيرات مقلقة عن مخاطر كبرى في الداخل.
نحن أيضاً نعيش، إلى جانب الحرب وما يقال لنا إنّه انتصارات نحرزها، «مخاطر كبرى في الداخل»: من تفاهة السلطة وسلاح «حزب الله» إلى الأزمة الاقتصاديّة.
والأمر يواكبه نموذج: ففي محلّ الاستثناء اللبناني القديم الذي اتُّهم باستعجال كلّ سلام، يحلّ الاستثناء الجديد الذي ينطوي على استعجال كلّ حرب، وعلى شبق البقاء في الحرب حتّى لو هجرها الآخرون جميعاً.
وأسوأ من أن يكون البلد ساحة لحربه المفتوحة ولحروب غيره المقفلة، أن يكون ساحة تتجمّع فيها وتستنقع أحقاد المنطقة كلّها. إنّ هذا كفيل بإنتاج مواطن لبناني حاقد وكاره ومشبع بالسمّ لا يؤمَن العيش في جواره، ولا يسهل الاشتراك معه في فضاء سياسي أو اجتماعيّ. وفي هذا كلّه شيء كثير من حبّ الجثث.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان كساحة استثناء حربيّ لبنان كساحة استثناء حربيّ



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:22 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة
  مصر اليوم - أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة

GMT 03:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا
  مصر اليوم - ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا

GMT 16:35 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الجيش الإسرائيلي يتخبّط في "أزمة حادة"
  مصر اليوم - الجيش الإسرائيلي يتخبّط في أزمة حادة

GMT 19:05 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية
  مصر اليوم - حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية

GMT 10:37 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

تعرف على من هو أحمد مناع أمين مجلس النواب 2021

GMT 06:45 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

أبرز فوائد فيتامين " أ " على صحة الجسم والمناعة

GMT 09:47 2020 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

عبد المهدي يتخلى عن معظم مهامه الرسمية

GMT 04:22 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ريم مصطفى تؤكد أن مسلسل "شديد الخطورة" تجربة مختلفة

GMT 07:44 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

سامي مغاوري يتحدى ابنه في "واحد من الناس" مع عمرو الليثي

GMT 21:05 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مصرية تطلب الخلع من زوجها وتتفاجئ من رد فعله

GMT 18:29 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شخص وإصابة اثنين فى حادث تصادم بالدقهلية

GMT 19:21 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

بوسى برفقة حلا شيحة فى أغرب إطلالة لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon