توقيت القاهرة المحلي 21:31:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان: لماذا الوطن الواحد أصلاً؟

  مصر اليوم -

لبنان لماذا الوطن الواحد أصلاً

بقلم - حازم صاغية

كان من «إبداعات» الحرب الأهليّة الروسيّة، التي تلت ثورة أكتوبر 1917، إنشاء «وحدات المنع»(blocking units) ، وهي قوّات شيوعيّة تقف وراء الجنود الذين يقاتلون على الجبهات. أمّا وظيفتها فكانت إطلاق النار على الجنود الذين يفرّون من المعركة. ذاك أنّ أفراد الجيش الذين انهارت معنويّاتهم في الحرب العالميّة الأولى، والتلاشي الاقتصاديّ الذي رافقها، لم يُبدوا الحماسة المطلوبة للقتال في حروب لاحقة، فكان مطلوباً وضعهم أمام خيار محدّد: إمّا أن تقاتلوا أو أن تُقتلوا.

واللبنانيّون اليوم ممّن لا يريدون القتال لبلدهم ولأنفسهم، وهم أكثريّة كبرى، مهدّدون بالقتل المعنويّ، تشهيراً وتخويناً، على أيدي «وحدات منع» لا يرتوي طلبها للقتال بمن رغبوا ومن لم يرغبوا.

ذاك أنّنا ينبغي أن نكون مجتمع محاربين وإلاّ كنّا، في الحدّ الأدنى، جبناء عديمي الشرف والكرامة، وفي الحدّ الأقصى، عملاء وجواسيس. وقبل أيّام تلاحقت أحداث نمّت، مرّةً أخرى، عن هذا الميل الذي لا يتزحزح: فحين انتقد نوّابٌ منتخبون عن العاصمة عراضة مسلّحة رافقت تشييع مقاتل قضى في الجنوب، ينتمي إلى «الجماعة الإسلاميّة» التي استتبعها «حزب الله»، ردّ بعض مشايخ «الجماعة»، وبعضُ مَن يشايعهم من الإعلاميّين، بحملة التشكيك المألوفة التي تجاوزت السياسة إلى الأخلاقيّات بأكثر معانيها تخلّفاً. وبدل الانتباه إلى أنّ سكّان بيروت، الذين ذاقوا من السلاح والمسلّحين في العقود الفائتة الأمرّين، هم الذين نطق النوّاب باسمهم، طالعتنا صحيفة «الأخبار» بعنوان تآمريّ عن «أمر عمليّات أميركيّ – خليجيّ بحملة ضدّ الجماعة الإسلاميّة» التي «تُعيد المقاومة إلى بيروت».

والحال أنَّ ما تُعيده «الجماعة الإسلاميّة» إلى بيروت، في حال صحّت توقّعات الجريدة المذكورة، لا يقلّ عن إخضاع العاصمة مجدّداً للحالة الميليشياويّة، أو تعزيز تحكّم الميليشيا بالجملة بتحكّمها بالمفرّق، ومن ثمّ استكمال السيطرة على قرار الحرب والسلم وطنيّاً بسيطرة كلّ زاروب مسلّح على قرار حربه وسلمه مع الزاروب الآخر.

وكما تُسبَغ على قرار كهذا أوصاف المجد والبطولة، يصاب التحليل بالتواءٍ يكمن لنا وراء كلّ حدث يستجدّ. فإذ يزورنا وفد من الحوثيّين اليمنيّين «لتنسيق عمليّات المقاومة»، يُقذَف في صدورنا عِلمٌ مفاده أنّ الخطر على لبنان كامن في المؤرّخ والأستاذ الجامعيّ مكرم رباح بسبب استعانته بصورة مجازيّة تكشف بؤس أحوالنا الحقيقيّة. ويُستدعى رباح، والحال هذه، إلى التحقيق بوصفه مَن «خرق الإجماع الوطنيّ» حول مقاومة يقتصر الإجماع عليها على من يُجمعون على جماليّات العراضات المسلّحة.

لكنّه، مع هذا، سلوك لا يُستهان به لما يلازمه من إصرار مستمرّ جيلاً بعد جيل على استبدال الحياة الجارية فوق الأرض بالحياة تحتها، حيث أزيز الرصاص ونوم الأطفال مذعورين تحت الأسرّة، فيما يسود التشبّه بنماذج كبلغاريا وألبانيا في السبعينات أو كالحوثيّين اليوم، وهي نماذج نحن متقدّمون ألف سنة ضوئيّة عليها. ويبقى لافتاً ومثيراً أنّ الصفة الوحيدة التي يرونها لائقة ببيروت هي صفة العاصمة المقاوِمة وما تستجرّه مقاومتها من دماء وأشلاء وويل. فإذا صحّ ما يقوله البعض من أنّ بيروت الحريريّة ليست المدينة المثال والنقيض لبيروت المقاوِمة، صحّ ايضاً أنّ أيّة مدينة وأيّة حياة مدينيّة ستكونان مستحيلتين في ظلّ هذه اللاعقلانيّة الجارفة، المتأصّلة والمتمكّنة والعدميّة.

ومن جيل إلى جيل تتغيّر الأفكار وتتحذلق، وقد تحلّ جوديث بتلر محلّ فلاديمير لينين الذي حلّ محلّ جمال عبد الناصر بعدما حلّ الأخير بدوره محلّ عنترة بن شدّاد، إلاّ أنّ صورة السعادة المرتجاة لا تتغيّر: أن نصطحب الفكرة الرائجة معنا إلى الأنفاق والملاجىء فيما تنهار علينا المباني على شكل ركام. وهناك نُنشد «انتصرنا» ونبكي ظلم العالم وكيف منعنا الغرب من أن تكون لدينا مدن.

ونحن، العرب، لدينا تراث عريق في رثاء المدينة، ربّما كان أبرز رموزه ابن الروميّ الذي بكى البصرة يوم أُحرقت. وفي وسعنا دائماً أن نغرف من هذا التقليد ونطمئنّ إلى وجوده بعد أن نقرنه بتجهيل الفاعل مثلما فعلنا بعد تفجير مرفأ بيروت قبل أربعة أعوام. لكنّنا إذ نجهّل الفاعل بهذين الإصرار والتعمّد، نكون نحتفل بالفعل ونعدّه انتصاراً ما دام أنّه أصاب العاصمة في عمودها الفقريّ.

وفي النهاية لا يستطيع أيّ فائض من حسن النوايا أن يطرد الفكرة المرتابة بهذا النهج وبالقيّمين عليه، حيث يغدو التضامن مع قضايا مُحقّة، في الجزائر أو في السويس أو في غزّة، ذرائع لتكسير بلد وتدمير عاصمته. فكما لو أنّ المسألة كراهيةٌ صافية لنموذج طالبَنا العيشُ فيه بما لا نملك، ونحن لا نملك إلاّ العراضة المسلّحة، أو نفور مُستدام من فكرة الدولة التي نشأت على أنقاض إمبراطوريّةٍ تداعت قبل نيّف ومئة عام، ولا يزال الحنين إليها يدغدغ النفوس. فإذا كان الأمر هكذا، فلماذا الوطن الواحد أصلاً؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان لماذا الوطن الواحد أصلاً لبنان لماذا الوطن الواحد أصلاً



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon