توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

40 عاماً من «حزب الله»: مقاومة الشعوب ومقاومة الجماعات

  مصر اليوم -

40 عاماً من «حزب الله» مقاومة الشعوب ومقاومة الجماعات

بقلم - حازم صاغية

احتفالاً بالذكرى السنويّة لولادته، سمّى «حزب الله» السنوات الأربعين من عمره (1982-2022) «الأربعين ربيعاً». وتكريماً للمناسبة هذه، أطلق «سلسلة نشاطات احتفاليّة»، كما تقول دعايته.
والحال، أنّ من ينظر اليوم في أحوال لبنان يصعب عليه أن يصف أيّ شيء بالربيع، أو أن يحتفل بمطلق شيء. حتّى أعياد الميلاد الشخصيّة بات أصحابها الأكثر حساسيّة يستنكفون عن الاحتفال بها.
هذه النظرة السوداء والسوداويّة لا يُمليها الوضع الاقتصاديّ المنهار فحسب، بل تمليها أيضاً المخاوف ذات المصدر الأمنيّ: فاللبنانيّون يعيشون تحت وطأة السؤال اليوميّ عن عمل عسكريّ إسرائيليّ يرجّحه البعض ولا يستبعده بعض آخر.
أين يكمن جذر سوء التفاهم هذا بين «حزب الله» الذي يحتفل بالعرس وباقي اللبنانيّين الماضين في تقبّل التعازي؟
عندما تأسّس الحزب في السفارة الإيرانيّة بدمشق كان لبنان قد خضع للتوّ إلى احتلال إسرائيليّ، ونعلم أنّ القوانين والأخلاق والمصالح، فضلاً عن الكرامة الوطنيّة، تكرّس كلّها حقّ الشعوب في مقاومة الاحتلالات والمحتلّين. مع هذا، يبقى حقّ الجماعات في مقاومة الاحتلالات موضوعاً أكثر إشكالاً وأقلّ بداهة.
ما يردم هذه الهوّة بين الحقّين أمر واحد: أن تتصرّف الجماعات تصرّف من ينوب عن الشعوب، وأن تكون بالتالي فصيلها الصِداميّ التي اختارها سوء حظّها الجغرافيّ للدور هذا.
والتصرّف نيابةً عن الشعوب ليس مجرّد رفع للعلم الوطنيّ أو تلفّظ بعبارات إنشائيّة حول «الدفاع عن لبنان». إنّه يعني بضعة أمور أخرى، ربّما كان أهمّها:
أوّلاً - أن ينخفض تركيز الجماعة المعنيّة على هويّتها الفرعيّة لمصلحة تركيز أعلى على القواسم المشتركة بين جماعات الوطن، أي تماماً عكس ما فعله ويفعله «حزب الله» الماضي في تظهير هويّةٍ فرعيّة بعينها، هويّةٍ متمايزة عن الهويّات الفرعيّة الأخرى في الوطن.
ثانياً - أنّ تمتلك قيادة الطرف المقاوم نوعاً من الإدراك لأهميّة الانتقال من الطور السلبيّ في المقاومة (تحرّرٌ من المحتلّ) إلى طورها الإيجابيّ (تحرٌّر لأجل بناء وطن ودولة).
فالتوقّف عند الطور السلبيّ يحول دون ربط المناطق التي تُحرَّر ببلدها وبسلطته المركزيّة، فيحِلّ محلّ الاحتلال الخارجيّ نوع من الاحتلال الداخليّ بذريعة امتياز المقاومة، وتالياً تفرّدها في حمل السلاح.
ثالثاً - ألّا يكون دور المقاومة في مقاومة المحتلّ سنداً لنفوذ سياسيّ متضخّم تحرزه بعد إنجاز التحرير. نفوذٌ كهذا إذا كان يصعب هضمه في مجتمع متجانس دينيّاً وطائفيّاً، مجتمعٍ تنبع خلافاته من أسباب سياسيّة وآيديولوجيّة، فإنّ تقبّله سيكون مستحيلاً في مجتمع قائم على التعدّد الدينيّ والطائفيّ.
رابعاً - أن تكون للمقاومة نهاية معلومة، تماماً كما أنّ لها بداية معلومة. إنّ ما تُعرف بدايته ولا تُعرف له نهاية يقرّرها إحراز أهداف بعينها، يلغي علّة وجود المقاومة كفعل تحرير للأرض. هكذا تتحوّل أشبه بنظام استبداديّ وخلاصيّ يصف نفسه بالخلود، نظامٍ يبرّر لنفسه التورّط في مغامرات عدوانيّة كالحرب في سوريّا أو التدخّل في بلدان أخرى.
خامساً - أن تكون الصلة بالأطراف الخارجيّة تحالفاً قابلاً من حيث المبدأ للتعديل والانفكاك، وليست ذوباناً في تلك الأطراف يمحو الجسم الصغير في الجسم الأكبر. إنّ مبدأ الذوبان يُغري الجماعات غير المطمئنّة لشعوبها، والمستقوية عليها بالخارج، في حين مبدأ التحالفات القابلة للتغيير هو ما تقدم عليه الشعوب من خلال دولها.
عناصر كهذه، إذا صحّت من حيث المبدأ، فإنّها أكثر صحّة في بلد حسّاس وصعب كلبنان... هذا إذا أريد له فعلاً البقاء وطناً واحداً وجامعاً لمواطنين يتساوون في امتلاك مصادر القوّة والقرار.
أمّا المضيّ على النهج الحاليّ، وهو طبعاً المرجّح، فوصفةٌ لتمكين الاستبداد الداخليّ المصحوب باحتمال الحرب الأهليّة وبالتبعيّة للخارج في انتظار تفكيك الوطن اللبنانيّ بوصفه تجربةً غير قابلة للحياة. حالٌ كهذه، توصلنا إليها المقاومة، كفيلة بإلغاء تفضيل المقاومة على الاحتلال: إنّ أذى الاحتلال لا يصل إلى هذا الحدّ.
لقد كانت الأعوام المنقضية مُرّة بما يكفي، زاد في مرارتها وفي إطالة عمر المرارة إلى الأربعين ثقافةٌ شائعة في المنطقة بالغت في احتفالها بالمقاومة، أيّ مقاومة وكلّ مقاومة. فالحكمة المعمول بها ركّزت على ما «تمثّله» المقاومة، لا على ما «تفعله»، وهذا الفصل بين تمثيل مجيد يُرى مُضخّماً، وفعلٍ رديء لا يُلتَفت إليه، هو من أسباب كوارثنا الكثيرة، بما فيها هذه الكارثة. لقد قالت تلك الحكمة: قاوم إسرائيل وافعل ما تشاء. وهذا الذي قاومَ فعلَ ما يشاء ويفعل...

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

40 عاماً من «حزب الله» مقاومة الشعوب ومقاومة الجماعات 40 عاماً من «حزب الله» مقاومة الشعوب ومقاومة الجماعات



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon