توقيت القاهرة المحلي 01:11:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

45 عاماً على ميلاد مأساة!

  مصر اليوم -

45 عاماً على ميلاد مأساة

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

مع احتفال أنصار الدولة الإيرانيّة بالذكرى الخامسة والأربعين لانتصار ثورتها، لا بأس باسترجاع العناصر التي تتشكّل منها النظريّة المُركّبة للخمينيّة. والراهن أنّ العنوان أعلاه تجنّبَ وصف تلك النظريّة بـ «الإيرانيّة» إذ الصواب يجانب أخذ الإيرانيّين كلّهم بجريرة نظامهم، والشيء نفسه يصحّ في استخدام «الفارسيّة» الذي درّجه صدّام حسين منذ الثمانينات، وانتشر بعد ذاك، تبعاً للحمولة العنصريّة التي بات هذا الاستخدام ينطوي عليه، وهذا فضلاً عن زجّ حضارة عريقة في مسائل السياسة الراهنة. والحال أنّ النظام الخمينيّ نفسه هو الذي قدّم «الإسلاميّة» بوصفها ضدّاً لـ «الفارسيّة» التي شجبها مراراً وأطلق عليها أوصافاً سلبيّة شتّى.

وهذا لا يلغي أنّ دينيّة النظام إنّما تخدم قوميّته ونزوعه الإمبراطوريّ فيما توفّر لسلطته أداة تجديدها وحصرها في أيدٍ مُجرّبة وموثوقة. لكنْ على عكس الموازنة، داخل إيران، بين مقادير من الإسلام ومقادير من القوميّة، تنطوي النظريّةُ الخمينيّة على تقويض الوطنيّة ومبدأ الدولة – الأمّة في جوار إيران. فإذا كانت وظيفة الإسلام في المتروبول خدمةَ القوميّة السلطويّة ودولتها، فوظيفة الدول الوطنيّة، في الأطراف، خدمةُ إسلام لا يزيده تسييسُه البالغ إلاّ غموضاً وضبابيّة وقابليّةً لكلّ استخدام. وتحت وطأة دين مُسخَ صرخةً شعبويّةً، يمضي برنامجُ سحق الوطنيّات والدول وتفتيت مجتمعاتها قُدُماً. وهذا ما نراه في العراق وسوريّا ولبنان واليمن على اختلافٍ بينها لا يتعدّى التفاصيل والعناوين. هكذا وفيما يُصان المتروبول بمنع زجّه في الحروب المباشرة، تُحوَّل الأطراف المُلحَقَة إلى ساحات حرب يتشكّل منها حزام واقٍ من حول المتروبول.

ذاك أنّه تحت غلالة الدين الجامع، تقيم المذاهب والمذهبيّة وتُستحضَران بحدّة غير مسبوقة في تاريخ المنطقة الحديث. فكأنّما المُراد رفع المذهبيّة تلك، بعد تكريمها عبر تسميتها «إسلاماً»، إلى منبعٍ للشرعيّة ومصبٍّ للولاء في آن معاً، وذلك على حساب الوطنيّة ممثّلةً بالدولة – الأمّة. وفي هذه الحدود تُستغلّ ظلامات فعليّة، قديمة أو حديثة، فتُجعَل مدخلاً أوحد إلى مستقبل لا يُرى إلاّ من ثقب الماضي التناحريّ. وعلى النحو هذا يُكتب للمنطقة أن تعيش ما بين حرب أهليّة معلنة وأخرى مستترة، مصحوبتين بما تيسّر وتصاعدَ من تعصّب وتخلّف وفقر ولجوء مليونيّ.

وفي السياق ذاته ينجم طرد الاستقرار عن طرد الدولة والوطنيّة والتقدّم، ويُعلَن التوتّرُ طريقةَ حياة يتولّى مديحُ الموت والشهادة تجميلَها. وأيّ قضيّة أغنى بالحرائق من القضيّة الفلسطينيّة والعدوانيّة الإسرائيليّة، وأشدّ تطلّباً بالتالي للإطفائيّ الذي يوهم بإطفائها، وهذا في انتظار أن يشبّ حريق آخر؟

هكذا كان بالغَ الدلالة ذاك التلازمُ الزمنيّ بين ثورة آية الله الخميني وإنجاز معاهدة كامب ديفيد المصريّة – الإسرائيليّة عام 1979. فكأنّ خطّين متوازيّين ارتسما حينذاك في أفق المنطقة، واحداً يفتح باباً على حلّ، جامعاً بين كونه قابلاً للنقد وكونه قابلاً للتوسيع والتحسين، وآخر يغلق الباب على كلّ حلّ فلا يقترح علينا إلاّ ازدهار حقول القتل في بقاع الحزام الواقي لإيران.

بيد أنّ أخطر تجسيدات هذه النظريّة على المدى الأبعد مَيْلَشَةُ المنطقة. فبعد أن انحصرت المَيْلَشة في لبنان على مدى السبعينات، بعد عبورها السريع في الأردن قبيل حربه عام 1970، إذا بإيران الخمينيّة، مدعومةً بـ «سوريّا الأسد»، ومستفيدةً من الاحتلال الأميركيّ للعراق، تحوّلُ المَيلشَة إلى نظام إقليميّ يرثه جيل عن جيل، وتُسبَغ عليه مواصفات التاريخ النضاليّ للشعوب وتراثات المقاومات. وحين نقول «ميليشيا» لا نكون نتحدّث عن انحلال الدول فحسب، بل يكون المقصود أيضاً انحلال الاقتصاد وانحلال الأخلاق والقيم، ومن ثمّ تسميم المجتمعات على نحو لا تسهل مداواته في أيّ قريب عاجل. وفي هذه الغضون، تُطوى المسائل الاجتماعيّة والمطلبيّة، وحقوق النساء والشبيبة، مثلما تُطوى المعارضات السياسيّة على أنواعها. ذاك أنّ الرفض والإدانة والتخوين تُحيق بكلّ دعوة للإصلاح تمسّ بالنظام الإقليميّ العريض وبطريقته في ترتيب الأولويّات، فضلاً عن طريقته في التعامل معها، وهذا مع العلم بأنّ ما يتصدّر الأولويّاتِ على نحو دائم حروبٌ ومعارك ومواجهات توصف بالمصيريّة. فهذه كلّها مسائل يقرّرها السادة في المتروبول وحدهم، ولا يحقّ لعبيد الأطراف أن يكون لهم رأي فيها، مع أنّ تأثيرها حاسم على حياة أولئك العبيد وموتهم.

وعلى العموم، لسنا في مواجهة النظام الذي أقامته النظريّة الخمينيّة أمام نظام سيّء أو قمعيّ أو رجعيّ، ممّا كان يوصف به نظام الشاه وأنظمة أخرى كثيرة في المنطقة والعالم. بل نحن أمام مأساة نُكب بها الإيرانيّون ونُكبنا معهم، وكان من تجلّيّاتها، ولا يزال، تحوّل إيران استعماراً من دون أيّة مسؤوليّة يتحمّلها المستعمِر تجاه مستعمراته، ما خلا وعد أبنائها بالزوال.

تلك المأساة تحتفل، هذه الأيّام، بالذكرى الخامسة والأربعين لولادتها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

45 عاماً على ميلاد مأساة 45 عاماً على ميلاد مأساة



اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:09 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

مدحت صالح يعلن عن ألبوم جديد وتحضيرات مميزة لحفل رأس السنة
  مصر اليوم - مدحت صالح يعلن عن ألبوم جديد وتحضيرات مميزة لحفل رأس السنة

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 09:24 2023 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى إبراهيم تكشف كيف تظهر بصحة جيدة رغم محاربتها المرض

GMT 11:00 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

أحدث موديلات العبايات الأنيقة والعصرية هذا العام

GMT 08:58 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

روتين ضروري قبل النوم للحفاظ على نضارة البشرة

GMT 07:12 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

مرتضى منصور يعلق على رسالة طارق حامد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon