توقيت القاهرة المحلي 21:39:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

... عن بعض عادات الحروب والنزاعات

  مصر اليوم -

 عن بعض عادات الحروب والنزاعات

بقلم - حازم صاغية

تستحضر أهوال الحرب والموت عادات هي بالأحرى، وتبعاً لتاريخها المديد، تقاليد. فهناك عادةٌ يوصف أصحابها بالطوباويّة والتبشير، إذ يرافق إلحاحَهم النبيل على وقف الموت إهمالُهم الشروط السياسيّة لتحقّق المطلب هذا. وغالباً ما تحول اندفاعة هؤلاء، وهي إنسانيّة ورفيعة، دون التأمّل في الشروط المتوافرة والشروط المضادّة وفي توازنات القوى القائمة. وهناك عادة أخرى يحاول أصحابها الجمع بين مطلب وقف الموت بأسرع ما يمكن والالتفات إلى المتاح السياسيّ وسواه من الاعتبارات بما يسبغ على المطلب إمكانيّة عمليّة. لكنّ هناك عادة ثالثة رديئة هي صاحبة الصوت الأعلى في أزمنة الحروب، مفادها استخدام الحرب للحضّ على مزيد منها، ورفع الألم، الذي يُراد وضع حدّ له، إلى مصافّ أستاذ أعلى يقترح علينا المستقبل.

ومن مزايا تلك العادة المبالَغة في استلهام الماضي، وهو صراعيّ تعريفاً، والحفر الذي لا يتوقّف في الذاكرات بالفعليّ منها والمُتَوهَّم أو المؤسطَر. والحال أنّ الحاضر والمستقبل لا يؤتى إليهما من بوّابة الماضي الدمويّ التي ليست سوى ممرّ إلى قتل أكثر وثارات أكبر، ومن ثمّ إلى تعصّبات هي في حالتنا يهوديّة ومسلمة، إسرائيليّة وعربيّة، تبدأ بالنحر الفرديّ وتنتهي بالانتحار الجماعيّ أو ما يشبهه.

والراهن أنّ دمج التذكّر، وهو دائماً انتقائيّ وقابل للتلاعب، بقدر من النسيان ليس بالأمر السيّئ متى كان المطلوب مغادرة العنف والعداء إلى السلام. لكنْ على العكس تماماً، تروح العادة الرديئة إيّاها تتفنّنُ في وصف العداء والكشف عن أبعاد خبيئة «غير مُنتَبَه إليها» ينطوي عليها النزاع. ونعرف أنّ حمولة الكراهية الكامنة في الصراع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ تنطوي على ما يكفي من سلبيّة وقطيعة، بحيث لا يفيد أحداً تعزيزها بنعوت تزيدها سلبيّةً وقطيعةً، وتؤدّي إلى جعل الصراع غير قابل للحلّ، لا في الغد ولا في ما بعد الغد. فلا الله وعد اليهود بفلسطين، ولا فلسطين مسرح صراع كونيّ ضدّ الإمبرياليّة، وليس مهمّاً ما الذي حصل بين العبرانيّين والآراميّين، وكيف سُبي اليهود إلى بابل وكيف حرّرهم قورش الفارسيّ أو كيف، في المقابل، حرّر صلاح الدين بيت المقدس. وهذه «الإضافات»، أكانت تستنجد بالتاريخ القديم فتحدّثها أو بنظريّات الزمن الحديث، مثل الأفاعي متعدّدة الرؤوس: فهي إن لم تعثر على مرادها في الدين بحثت عنه في الآثار، وإن لم تجده في الأدب وجدته في الاقتصاد، وحين لا يكفيها ما ينفثه السياسيّون الأحياء من كراهية نبشت عداء السياسيّين الراحلين ونفضت عنه الغبار.

ومباشرةً أو مداورة تؤكّد تلك العادة على خرافة سياسيّة مؤدّاها أنّ الحقوق تُعطى كلّها لأصحابها فوراً ومرّة واحدة. فـ»هكذا هكذا وإلاّ فلا لا»، وغالباً لا لا. وأمر تحصيل الحقوق، حتّى لو أقرّت به الأطراف المتنازعة، لا يكون حدثاً بقدر ما يكون عمليّة (process) يصحبها ويتخلّلها الكثير من بناء الثقة المتبادلة، وهي طبعاً مفقودة على نحو متبادل، ومن توليد المصالح وتطوير التعارف والاشتغال المتواصل على بلورة ثقافة من القيم الكونيّة، ثقافةٍ تنمو على نحو تدريجيّ، وبالتدرّج نفسه تتولّى تنظيف الفضاء العامّ من ثقافات الكراهية.

وتحضّ تلك العادة الرديئة على الوقوف مع الطرف الذي يقاتل لمجرّد أنّه يقاتل فضلاً عن كونه «منّا وفينا»، وإلاّ كان العار بالمرصاد لمن لا يمتثل ولمن يحاول أن يضيف فكرة أو سؤالاً إلى ما فكّره الأقدمون وقالوه عن الحق واللاحق وعن الضحيّة والجلاّد. فهذه الكلمات التي لا تتعدّى العشرين هي التي ينبغي لحياتنا وعقولنا أن تدور في رقعتها الضيّقة، أكان عند الفلسطينيّين والعرب أم عند الإسرائيليّين.

وفي ما يخصّ الحرب على غزّة، وما سبقها من حروب في الشرق الأوسط، تتميّز الخرافة إيّاها بأنّها ذات وجهين إسرائيليّ وعربيّ: أمّا الإسرائيليّ منهما فافتراض أنّ الدولة العبريّة مستثناة من ثنائيّة الواجبات والحقوق، ومن الخضوع للقوانين التي يُفترض أن تخضع لها دول العالم. وهذا علماً بأنّه لا المحرقة النازيّة ولا الطابع الأقلّيّ للدولة العبريّة في المنطقة يمنحانها هذا التفويض المطلق الذي يُترجَم حقولَ قتل للمدنيّين والأطفال الفلسطينيّين. وأمّا العربيّ منهما فعدم الانتباه إلى أنّ إلزام إسرائيل بالقوانين لا يثمر ما دامت الأطراف التي تقف في مواجهتها ميليشيات تشاركها عدم التقيّد بالقوانين.

وتذهب الطريقة الرديئة إلى أنّ الحروب لا تُخاض ولا تُكسب إلاّ بالأكثر جنوناً والأكثر تشدّقاً بخرافة ما، سمّها التفوّق الحضاريّ الغربيّ المحمول إسرائيليّاً أو المقاومة الإسلاميّة أو غير ذلك. لكنْ في ظلّ نتنياهو وبن غفير و»حماس» و»الجهاد الإسلاميّ»، نذهب إلى حرب دائمة ونبقى فيها، فإذا شئنا الانتقال إلى سلام دائم وعادل وقابل للتوسّع فهذا ما يستدعي قيادات معتدلة تُخضع تصوّراتها الإيديولوجيّة لمصالح البشر ولشروط حياتهم وإدامتها وتحسينها، وتكون مَرِنة ومنفتحة على العالم الخارجيّ وتأثيراته، تأخذ وتعطي وتساوم وتؤمن بالتسويات. وهذا يتطلّب العقل قبل أيّ شيء آخر.

أمّا التاريخ المنصف الذي يُكتب بعد أحداث دمويّة ضخمة كالتي نعيش فلم يقل إلاّ هذا: لقد كانت لديهم عادات رديئة جدّاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 عن بعض عادات الحروب والنزاعات  عن بعض عادات الحروب والنزاعات



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon