توقيت القاهرة المحلي 11:10:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حرب نتنياهو: خصوصيّات غير خاصّة

  مصر اليوم -

حرب نتنياهو خصوصيّات غير خاصّة

بقلم:حازم صاغية

كثيرون هم السياسيّون الذين تسبّبَ قرارٌ من قراراتهم بحرب، أو تسبّبت بالحرب سياسةٌ اتّبعوها غلّبت اعتباراً أحاديّاً ما على كلّ اعتبار. لكنّ الغالبيّة الساحقة من تلك الحروب، والتي دارت حول مُلكيّة قطعة أرض وثرواتها، أو تحويل نهر وطريق جريانه، أو استقبال سكّان لاجئين...، كان القتال فيها ينتهي بهزيمة عسكريّة لأحد الطرفين، وهذا إن لم ينتهِ بتدخّل خارجيّ، أو بسقوط السياسيّ المتصلّب الذي تسبّب بالحرب واستبدال سياسة حكومته بسياسة أخرى. وبدورها فالهزائم التي من هذا الصنف كثيراً ما فتحت أبواباً للسلام بين متحاربي الأمس، أو لمراجعات تتناول السياسات السابقة لجهة قصور نظرتها أو تصلّب أدائها أو الأمرين.

مع رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو وحلفائه من المهووسين، ليس مفهوم الحرب كذلك. فالحرب، لديه، ليست مجرّد استمرار للسياسة بأشكال أخرى، وفق معادلة كلاوزفيتز، بل هي الحرب بشكل هو أعلى أشكالها وأكثرها جذريّة. ففي حروب كهذه، يقيم فعلٌ مانع للسياسة حاضراً ومستقبلاً، على ما يدلّ التوكيد اليوميّ على استبعاد «اليوم التالي». ونتنياهو لا يعامل غزّة وحدها على هذا النحو، إذ الفلسطينيّون كلّهم لا يُعاش معهم، لا في دولتين ولا في دولة واحدة، إذ هم ليسوا شعباً وليسوا هويّة وطنيّة من أيّ نوع كان. أمّا الصلة بهم فيحكمها الإلغاء، ومن صِيَغه الكثيرة سرقة الأرض المعروفة بالاستيطان، وإنكار كلّ تمثيل سياسيّ عليهم، وهذا فضلاً عن الإبادة نفسها. وفي سياق كهذا يغدو الردّ على عمليّة كـ«7 أكتوبر» من طبيعة ثأريّة كالتي رأينا، لا ترتوي ولا تنضوي تحت سقف أو تقتصر على طرف محدّد أو تأخذ في اعتبارها أحداً.

فالحرب، إذاً، «حرب وجود لا حرب حدود»، أو هي «حرب بقاء أو فناء»، ممّا تزخر به الأدبيّات المتطرّفة أكانت صهيونيّة أو عربيّة. أمّا المعنى الضمنيّ الكامن فأنّها طريقة في الحياة محكومة تعريفاً بأنْ يتوّجها الموت، أي أن تكون إباديّة النوايا إن لم تستطع أن تكون إباديّة الفعل، وذلك استجابةً لدعوة غالباً ما صُوّرت على أنّها مزيج من قداسة الدين ومن وطأة تاريخ قديم مؤسطر.

وحيال معانٍ ماهويّة كهذه، يغدو من سخيف الأمور التحدّث عن إقامة دولة أو طمأنة جماعة أو قطعة أرض أو مجرى نهر، إذ «إمّا نحن أو هم». ومن بين ما يستدعيه ذلك أن لا يؤنسِن العدوُّ عدوَّه، وذلك كي يقتله كما لو كان يمعس حشرة بقدمه، وأن يعامله بوصفه كلّاً واحداً يشبه قطيع الماشية أو سرب الفئران.

لكنْ إذا كان هذا الوعي مُستَمدّاً من مواضٍ قَبَليّة، فالمؤكّد أنّ الزمن الآيديولوجيّ الحديث هو الذي رعى ازدهاره. فالتصفية والاجتثاث والاستئصال مصطلحات لم تُعرف كما عُرفت مع الفاشيّة والستالينيّة وما تفرّع عنهما. ذاك أنّ العدوّ، في عرف تلك التيّارات وأصحابها، لم يصبح عدوّاً بفعل عملٍ أقدم عليه، عملٍ يمكن إجباره على عدم تكراره، أو الحصول منه على اعتذار عنه أو على تعويض عن أضراره، لتعود المياه بعد ذاك إلى مجاريها. فهو، على العكس، إنّما وُلد عدوّاً، فهو عدوّ بسبب ما هو عليه، أي لمجرّد وجوده الذي ينطوي على جوهر يستحيل معه التعايش، وهو سوف يبقى حتّى قيام الساعة هكذا. فإذا كان سلافياً أو يهوديّاً فإنّه عدوّ في نظر النازيّ، والشيء نفسه يصحّ في مَن يكون بورجوازيّاً أو «فلاّحاً غنيّاً» في نظر اللينينيّ والستالينيّ، وفلسطينيّاً في نظر نتنياهو وصحبه، وهذا فضلاً عن ردّ الذات الطاهرة إلى الله وردّ خصومها إلى الشيطان الرجيم، على ما هو دأب الخمينيّين. فوظيفة الالتحاف بهذه «الرسالات» المتعالية تسهيلُ قتل الأعداء وتكثير موتهم، مقابل جعل موتنا قابلاً للتحمّل وسبباً لحصولنا على مكافأة يؤدّيها لنا التاريخ أو الله. لكنْ حتّى في القضيّةٌ المُحقّة التي تكون تتمتّها الإيديولوجيّة فكرةً من ذاك الصنف، فإنّ الانتصار لن يعدو كونه إنشاء استبداد استقلاليّ أو استبداد تحرّريّ يعمّم السجون والزنازين ويحصي الأنفاس ممّا عجّت به حركات التحرّر والاستقلال في «العالم الثالث».

ومع الصعود الشعبويّ الراهن بتنا نرى هذه الظاهرات في سياسيّي المجتمعات الديمقراطيّة، على ما تدلّ، بين أمور كثيرة أخرى، لغة التشهير والقطيعة الشخصيّة. فالصنف المحترم من السياسيّين يتراجع وزن ممثّليه وتتراجع أعدادهم أمام الصنف الآخر الذي بات يحتلّ المسرح.

أمّا التخلّص من الحروب المطلقة فيغدو، إلى حدّ بعيد، منوطاً بانحسار الشعبويّات والحركات الآيديولوجيّة المطلقة، أكانت قوميّة أو دينيّة، يمينيّة أو يساريّة. ذاك أنّ القتل الدائم أشدُّ ما يقيم فيها، وهو بالتأكيد وَعْدُها الأوّل لجمهورها على شكل انتصار، ولخصومها على شكل محق وإبادة. وما نتنياهو ورفاقه سوى فصيل متقدّم في جيش الجريمة المعمّمة هذا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب نتنياهو خصوصيّات غير خاصّة حرب نتنياهو خصوصيّات غير خاصّة



GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 08:18 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 08:15 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 08:12 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

نجوى كرم تُعلن زواجها أثناء تألقها بفستان أبيض طويل على المسرح

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 10:55 2024 الجمعة ,05 تموز / يوليو

ارتفاع كبير في حالات حمى الضنك من حول العالم
  مصر اليوم - ارتفاع كبير في حالات حمى الضنك من حول العالم

GMT 00:24 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

فاكهة شتوية تحميك من مضاعفات السكري

GMT 07:34 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

هيفاء وهبي تظهر بـ"لوك" جديد خلال أغنيتها "توتة"

GMT 21:55 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

أصالة بإطلالة مثيرة في أحدث جلسة تصوير

GMT 20:14 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

الأرصاد الجويّة تحذّر من عاصفة جوية يومي الخميس والجمعة

GMT 16:18 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

آيسر تطلق لاب توب Triton 700 للألعاب بمواصفات مميزة

GMT 17:12 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد الكرة يعتمد الحكم الخامس في مباريات كأس مصر

GMT 16:24 2017 الثلاثاء ,27 حزيران / يونيو

نسرين طافش تنشر صورة لها على "تويتر" بالزي الجزائري

GMT 05:17 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مطلقة ترامب تبرئ مايكل جاكسون من التحرش بالأطفال

GMT 06:37 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طريقة إعداد سلطة الباذنجان بالخضروات بأسلوب سهل

GMT 22:53 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يهزم الإنتاج الحربي بهدفين لهدف

GMT 01:51 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

ساندي تبهر متابعيها من أحدث ظهور بالأصفر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon