توقيت القاهرة المحلي 10:54:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أيّة رسالة عربيّة للأفارقة؟

  مصر اليوم -

أيّة رسالة عربيّة للأفارقة

بقلم - حازم صاغية

حين أسّس ميشيل عفلق «حزب البعث العربيّ»، نسب إلى «الأمّة العربيّة الواحدة» رسالة وصفها بأنّها خالدة. عقول كثيرة حارت في تفسير معنى تلك الرسالة، ولماذا من بين سائر شعوب الأرض سوف تكون للعرب وحدهم رسالة.

     

 

           

 

مؤسّس البعث، على عادته، لم يقدّم إجابات واضحة، لكنّه غالباً ما كان يقرن الرسالة تلك بـ «الانقلاب». وهو لم يقصد بالضرورة الانقلاب العسكريّ، أو أنّ هذا ما قاله، زاعماً أنّ هدفه هو الانقلاب الشامل «في الحياة العربيّة». بيد أنّ العبارة الإنشائيّة والفضفاضة هذه ما لبثت أن وجدت ترجمتها الفعليّة الوحيدة في الانقلاب العسكريّ. فمنذ أواسط الخمسينات والضبّاط البعثيّون في سوريّا هم أنشط الانقلابيّين وأنجحهم، إن في تنفيذ الانقلاب أو في تغيير اسمه وتسميته «ثورة». وفي عام واحد، هو 1963، وبفاصل شهر واحد لا أكثر، استولى ضبّاط حزب البعث، عبر انقلابين عسكريّين، على العراق وسوريّا.

وبالفعل، وكما أظهرت عقود ما بعد الاستقلالات العربيّة، لم تكن الرسالة العتيدة سوى الانقلاب العسكريّ الذي أطاح أنظمة مدنيّة في غير بلد عربيّ. والحال أنّه من بين الأحداث اللعينة الكثيرة التي نزلت بالعالم العربيّ، يبقى هذا الانقلاب ألْعَنَها بإطلاق. فهو الذي كانت له اليد الطولى في تأسيس الكوارث والهزائم اللاحقة وفي إشاعة السلوك والوعي الأمنيّين، كما في تدمير المجتمعات المدنيّة وما كان متوافراً من حرّيّات في السياسة والاجتماع والمهن والثقافة والتعبير.

وكان ما ضاعف قوّةَ السمّ في الانقلاب العسكريّ عاملان، داخليّ وخارجيّ. أمّا الداخليّ فهو البُعد الطائفيّ أو الإثنيّ الضامر الذي أقام في كثير من أعمال الاستيلاء العسكريّ على السلطة التي عرفتها بلدان ذات نسيج اجتماعيّ مُهَلهَل. وأمّا الخارجيّ فهو اقترانه بتمدّد سوفياتيّ بدأ في الخمسينات وتعدّى بلدان «الكتلة الاشتراكيّة» التي كانت قد ولدت قبل عقد واحد. هكذا علّم أبناءُ ستالين الأنظمة الانقلابيّة في العالم العربيّ فنوناً وتقنيّات في الرقابة والقمع، وفي مصادرة الحياتين العامّة والخاصّة، فضلاً عن نشر وعي حربيّ سببه أنّ بلدان الكتلة المذكورة لا تملك سوى السلاح سلعةً للتصدير الخارجيّ.

ولئن صحّ أنّ الأنظمة التي أطيحت لم تكن من الصنف الذي يُدافَع عنه دائماً، صحّ أيضاً أنّها لم تكن من الصنف الذي يسدّ باب المستقبل كلّيّاً ويصادر الحياة العامّة على النحو الذي يفعله النظام العسكريّ – الأمنيّ. إلى ذلك فالتركة الكولونياليّة البشعة، التي استمرّ بعضها فاعلاً، ومعها تنافس الدول الكبرى على مناطق النفوذ، تضامنا مع درجة التطوّر الاجتماعيّ في المستعمرات السابقة، ومع ضعف تقاليدها السياسيّة وكهولتها الثقافيّة، بحيث غدا من الصعب (إلاّ في التحليل التآمريّ) ردّ قصور الأنظمة المدنيّة إلى عامل خارجيّ أوحد.

ورغم حصول ما حصل، لا يزال معظم الفكر السياسيّ العربيّ يتعامل مع الانقلاب العسكريّ بكثير من الودّ، إن لم يكن التمجيد، فيما بعضٌ غير قليل من النقد الذي بات يوجَّه إليه يأتي مشوباً باللطف وبقدر من السخاء وتوفير الأعذار.

واليوم إذ تكرّ سبحة الانقلابات العسكريّة مجدّداً في القارّة الأفريقيّة، فينقلب على نظامه عسكر النيجر بعدما انقلب عسكر مالي وبوركينا فاسو، لا تزال أصوات عربيّة كثيرة تُهدي الأفارقة رسالة الانقلاب العسكريّ. وبدل تنبيههم إلى ما حلّ بنا من جرّاء هذا الانقلاب ذاته، ومناشدتهم أن لا يكرّروا تجربتنا المُرّة التي لم نتعافَ من آثارها حتّى اليوم، نرى بعضنا يحتفل، في 2023، بما سبق أن احتفل به انقلابيّونا قبل عشرات السنوات: كسر الخضوع والتبعيّة للغرب، بناء مستقبل وطنيّ مشرق، إحداث استقلال حقيقيّ، تصفية للطبقة الرجعيّة القديمة...، وغير ذلك من شعارات كثيراً ما اختبرها الواقع فتبدّت ترّهات قاتلة. وبدل تحذير الأفارقة من اصطباغ الانقلاب العسكريّ بمقدّمات إثنيّة وجهويّة مستترة، كما بتمدّد روسيّ ترمز إليه، هذه المرّة، ميليشيا فاغنر، إذا بهذا البعض منّا يهلّل لعلامات الأصالة والتحرّر التي تنطوي عليها المغامرات العسكريّة الأخيرة. أمّا الغرق في ثقافة الدم ومستنقعات الثأر والانتقام من رئيس سابق أو من معارضين للانقلاب فهو أيضاً سبب للاستبشار بمستقبل مضيء ينتظر الأفارقة ويحاكي المستقبل المضيء الذي غنمناه!

إنّ الرسالة الوحيدة التي تستحقّ الاحترام هي بالضبط ما يعاكس رسالة عفلق الشهيرة، أي أن نقول، نحن العرب، لسوانا: تعلّموا ممّا حلّ بنا حين استولت علينا أوهام كبرى كان أهمّها وهم امتلاكنا رسالة محمولة على جناح القوّة والعنف. وكم سيكون مفيداً أن يقال كلام كهذا لسبعين مليون أفريقيّ في البلدان الثلاثة، النيجر ومالي وبوركينا فاسو، يُساقون راهناً من أوضاع سيّئة لكنْ قابلة للتغيير والإصلاح التدريجيّين إلى أوضاع مطلقة السوء ومطلقة الانسداد في الوقت عينه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيّة رسالة عربيّة للأفارقة أيّة رسالة عربيّة للأفارقة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon