توقيت القاهرة المحلي 20:45:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تعيير «الليبراليّين اللبنانيّين» المسموم

  مصر اليوم -

تعيير «الليبراليّين اللبنانيّين» المسموم

بقلم: حازم صاغية

بين وقت وآخر يظهر من يعيّرون «الليبراليّين اللبنانيّين»(؟!) بأنّهم يتحالفون أو يتعاطفون أو ينقادون لقوى غير ليبراليّة، لبنانيّة وغير لبنانيّة.
وإذا تذكّرنا أنَّ المعنى الأوّل لليبراليّة هو إضعاف الدولة وتصغير نطاقها، كان المطلوب من هؤلاء «الليبراليّين» أن يعملوا على إضعاف الدولة اللبنانيّة وتصغيرها، وهو ما يصحّ في الاقتصاد كما في الجيش والقضاء...
بالقياس إلى الوضع اللبنانيّ الراهن، يبدو هذا التعيير أشبه بمهزلة. ذاك أنّ المطلوب من هؤلاء «الليبراليّين» أن يُضعفوا الدولة، البالغة الضعف أصلاً، فيما تقوى الدولة الموازية، ذات القوّة المستفحلة، أي «حزب الله». هكذا فقط يكونون ليبراليّين أصليّين متصالحين مع أفكارهم وذواتهم، بحسب هجّائيهم.
فوق هذا: يُفترض بهؤلاء «الليبراليّين» أن يتعرّوا من كلّ دعم أو تحالف مع مَن هم ليسوا ليبراليّين، أكان في الداخل أو في الخارج، وأن يرفضوا «صراع المحاور» فوق أرضهم، وأن يتبرّأوا كذلك من كلّ علاقة بمَن كانوا ذات يوم ميليشيات مسلّحة. أليست الليبراليّة مناهضة للميليشيات والسلاح؟
استجابة المطالب «البريئة» هذه تعني شيئين عمليّين على الأقلّ: الأوّل، أن ينسى هؤلاء «الليبراليّون» أنّ ثمّة محوراً واحداً يتهدّد الحياة اللبنانيّة اليوم، هو المحور الإيرانيّ وتوابعه، تبعاً لتحكّمه في قضايا السلم والحرب وتسبّبه بعزلة لبنان، وتالياً بحصّة الأسد من كارثته الاقتصاديّة والمعيشيّة الضاربة. أمّا الثاني فأن ينسوا أيضاً أنّ الميليشيا الوحيدة التي لا تزال كذلك، والتي تقوى وتتمدّد، هي «حزب الله».
فقط باتّباعهم هاتين التوصيتين تغدو «ليبراليّتهم» محمودة وصادقة إذ تجعلهم يساوون بين الميليشيات البائدة التي كانتْها أحزاب «الكتائب» و«القوّات اللبنانيّة» و«التقدّميّ الاشتراكيّ» و«أمل» وبين جيش المئة ألف مقاتل الذي حدّثنا عنه مؤخّراً، أو هدّدنا به، أمين عام «حزب الله».
هنا لا بدّ من توضيح: إنّ المعيار اللبنانيّ الأساسيّ الذي يفصل الصديق عن العدوّ في يومنا الراهن هو: من الذي يزجّنا في حرب؟ من الذي تقوم استراتيجيّته على فرضيّة الحرب، إن لم يكن على حتميّتها، عملاً بمبدأ «الدفاع عنّا غصباً عنّا»؟
بطبيعة الحال يُستحسن أن تكون القوى التي لا تنوي زجّنا في حرب، والتي هي الحليف المفترض لـ«الليبراليّين»، مؤيّدة للحريّة والفرديّة ومساواة الجنسين وتقليص الفوارق بين الطبقات ومناهضة العنصريّة وباقي الفضائل المعروفة. لكن إذا لم تكن كذلك فهذا لا يسلبها فضيلة رفضها للحرب المدمّرة للبلد وناسه (والحروب، بالمناسبة، ودائماً، أعتى خصوم الليبراليّة). ذاك أنّ رأس الأخطار الداهمة اليوم ليس تغوّل الدولة على المواطنين وحرّيّاتهم، بل تغوّل الدولة الموازية على الدولة وعلى أكثريّة مواطنيها الساحقة. هنا تحديداً يكمن احتمال جرّنا إلى حرب مميتة لا نُسأل رأياً فيها، بعد جرّنا إلى سلم ظاهريّ قائم على انعدام كامل في المساواة حيال أدوات القوّة.
والحقّ أنّ الليبراليّة، وربّما باستثناء جزئيّ هو رسائل «أب الليبراليّة» جون لوك في «التسامح»، لم تواجه أوضاعاً كوضعنا، أي تهديد بلد في وجوده، فضلاً عن سيادته، وقيام دولة مسلّحة أقوى من دولته التي يُفترض أنّها تمثّل ديمقراطيّاً إرادة شعبه. أمام تحدّيات كهذه لا تقدّم الليبراليّة ولا تؤخّر، هي التي نشأت، في القرن الثامن عشر الأوروبيّ، عن توتّر العلاقة بين الدولة والجماعة من جهة والفرد والحرّيّة من جهة أخرى. وما يصحّ في الليبراليّة يصحّ في الآيديولوجيّات الحديثة جميعاً حين يواجهها وضع إباديّ أو شبه إباديّ: ألم يتأدَّ عن صعود النازيّة في ألمانيا الثلاثينات تبنّي موسكو وشيوعيّي العالم نظريّات الجبهات الوطنية والشعبية مع «بورجوازيين»، أو تصالح ستالين مع كنيسة روسيا إبان الحرب العالميّة الثانية، وماوتسي تونغ مع شانغ كاي شيك لمواجهة الاحتلال اليابانيّ؟
لكنّ «البَلْفة» هنا لا تكتمل ملامحها إلاّ بالتذكير بأنّ المُعيّرين هؤلاء لا يدافعون عن نقاء أو أرثوذكسيّة ليبراليّين، بل يتعاطفون مع «حزب الله» ومع نظام «ولاية الفقيه» ويسعون إلى توفير أفضل الشروط ملاءمةً لهما. إنّ كلّ نفَس يتنفّسونه ينضح بكراهية الليبراليّة وكراهية لبنان في الوقت نفسه. مع هذا يمكن لهؤلاء «الليبراليّين» أن يكونوا عند حسن ظنّهم إذا ما تخلّوا عن كلّ صداقة أو تعاطف وركّزوا على العمل لتصغير الدولة اللبنانيّة وإضعافها!
إنّ تعييراً كهذا أقرب إلى تكتيك حربيّ منافق تسنده ثقافة تمييز بين ما يجوز «لنا»، وهو كلّ شيء، من جمع باكونين بالخميني وماركس بالخامنئي، وما لا يجوز لغير«نا» الممنوعين من كلّ شيء. ذاك «أنّنا» نملك الحقيقة، كلّ الحقيقة، ونملك السلاح، كلّ السلاح، ولا نترك لهم إلاّ الخيانة والتشهير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعيير «الليبراليّين اللبنانيّين» المسموم تعيير «الليبراليّين اللبنانيّين» المسموم



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon