توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مرحلة انتقاليّة مديدة ومؤلمة نحو دول وخرائط أخرى

  مصر اليوم -

مرحلة انتقاليّة مديدة ومؤلمة نحو دول وخرائط أخرى

بقلم:حازم صاغية

قبل أيّام، قالت مديرة المخابرات الوطنيّة الأميركيّة، أفريل هاينز، أمام لجنة في الكونغرس، إنّ الصين «تسعى إلى أن تبني جيشاً قادراً على انتزاع تايوان»، ورأت أنّ الخطر الذي ستبقى تواجهه الجزيرة ما بين يومنا و2030 سيكون «حادّاً».
بغضّ النظر عن مدى صحّة هذا التوقّع، فنحن نشهد اليوم حرب روسيا على أوكرانيا التي لم يتوقّعها إلا قليلون. الحرب هذه، وهي الثانية في غضون سبعة أعوام فقط، ترافقت مع تعديلات جغرافيّة صريحة تطول شرق البلاد وجزيرة القرم. ومن يدري على أي شكل سوف تستقرّ الخريطة الأوكرانيّة بعد أن تسكت المدافع والصواريخ.
إثيوبيا هي الأخرى شهدت منذ أواخر 2020 حرباً شرسة واكبها الاستعراض المفجع، والمألوف في قرن أفريقيا، للموت والجوع والقهر واللجوء والجفاف والتصحّر. اليوم يقال، بكثير من الشكّ المبرَّر وقليل من الضمانات الصلبة، إنّ «المعاهدة الإنسانيّة» التي أعلنتها أديس أبابا في 25 مارس (آذار) الماضي سوف تنهي النزاع. لكنّ طبيعة الحرب، أي كونها بين السلطة المركزيّة وإقليم تيغراي، توحي أنّ توقّف القتال قد يفتح الباب لتعديلات أساسيّة في الخريطة. شيء كهذا لا يُستبعد امتداده إلى الجارة الصوماليّة ذات التقليد العريق في التفتّت والتنازع الأهليّين.
أحوال بلدان عربيّة كثيرة تنمّ عن مسألة خرائطيّة، والبلدان تلك قد لا تخرج من أنفاقها المظلمة، وهذا إذا خرجت، ما لم تُعَدّل خرائطها. سوريا واليمن وليبيا التي شهدت ثورات شعبيّة أُجهضت، تلتها حروب أهليّة وتدخّلات خارجيّة، أمثلة نافرة على ذلك. لكنّ لبنان والعراق، حيث التدخّل الخارجي بالغ الهمّة فيما الإجماع الداخلي شديد الكسل، مثالان ضامران. الدعوات إلى الفيدراليّة واللامركزيّة وسواهما من الصيغ براهين كافية على نقص الكفاءة في الصيغ المعمول بها راهناً.

قد يقول قائل إنّنا نعيش اليوم مرحلة انتقال مديدة ومؤلمة من خرائط إلى أخرى. هذا الانتقال له اسم محدّد: مرور البلدان المذكورة في طور «الساحات» حيث تتقاتل قوى داخليّة وقوى خارجيّة لا حصر لها في وقت واحد: مثلاً، لاحظ مؤخّراً أحد المراقبين أنّه بينما كانت إسرائيل تقصف القنيطرة في الجنوب السوريّ، كانت تركيا تقصف عين العرب في الشمال السوريّ، وإيران تقصف أربيل في الشمال العراقيّ. هكذا تكون مراحل الانتقال القلق، وعلى إيقاع كهذا تعيش «الساحات».
والحال أنّ إعادات النظر بخرائط الدول غالباً ما تلي الحروب الكبرى واشتغال مبضعها في هندسة العالم: بعد الحرب العالميّة الأولى، وكما نعلم جيّداً، انهارت إمبراطوريّات تفرّعت مساحاتها الشاسعة إلى دول جديدة. بعد الحرب العالميّة الثانية، نشأت دول مستقلّة كانت مستعمرات قبلذاك. بعد الحرب الباردة، انهار الاتّحاد السوفياتي ويوغسلافيا الاتّحاديّة وتفسّخا، وعادت تشيكوسلوفاكيا إلى مُكوّنيها التشيكي والسلوفاكيّ، فيما استعادت ألمانيا، في المقابل، وحدتها السابقة على الحرب العالميّة الثانية.
لكنّ انتهاء الحرب الباردة كانت له تأثيرات أخرى في منطقتنا وفي المناطق المشابهة لها، هي التي نلمسها اليوم بقوّة. فالدول التي لم تستطع أن تعزّز وجودها بأي شرعيّة داخليّة تتعدّى الإفادة من توازنات الحرب الباردة واستقطابها، سقطت أو ترنّحت، ولم يكن مفاجئاً أنّ الفترة نفسها هي تلك التي سُكّ فيها تعبير «الدول الفاشلة» الذي تمدّد انتشاره والعمل به على نطاق القارّات جميعاً. لكنّ ما جعل التحدّي أصعب على دول ضعيفة وكيانات يفتك بها خليط من الاستبداد والفقر والتنازع الأهلي أنّ العولمة زادت في إضعاف تلك الأجسام وإضعاف وظائفها. هكذا لم تعد الدولة - الأمّة، التي سادت كونيّاً بين أواسط الأربعينات وأواسط الثمانينات، هي الوحدات «الطبيعيّة» للنظام السياسي – الاقتصاديّ. أمّا التحديث والتنمية المتفرّعة عنه (بما فيه التنمية الاشتراكيّة) فلم تعد الدولة بالضرورة قاطرتهما أو أداتهما.
ذاك أنّ العولمة في إنتاج الثروة لم ترافقها عولمة في توزيع الثروة، ولا عولمة سياسيّة في حاكميّة العالم. هذا ما يوضحه، في أصفى أشكاله، ضعف الأمم المتّحدة الراهن وضعف منظّماتها وأجهزتها.
ولئن كانت النزاعات، إبّان الحرب الباردة، تُحلّ من خلال القوى المحلّيّة المتصارعة في ظلّ إشراف، مباشر أو مداور، من «الجبارين» اللذين يفوّضان الأمم المتّحدة، فخلال التسعينات أجاز مجلس الأمن ما لا يقلّ عن أربعين عمليّة لحفظ السلام في أرجاء المعمورة.
وإلى هذا كلّه، وفي انتظار أن تتبلور مناخات ما بعد الحرب الأوكرانيّة، يفعل فعله تراخي الولايات المتّحدة في الاستجابة لمسؤوليّتها الكونيّة، وتنامي نزعة الانعزال والانسحاب لديها إلا من «مكافحة الإرهاب». وهذا، في أغلب الظنّ، ووفق الممارسة المعهودة للمفهوم المذكور، يضاعف التصدّعات والاختلالات في الدول كما في المجتمعات، ويرفع الأكلاف الإنسانيّة لعمليّات المكافحة التي تطارد النتائج وتفوتها الأسباب.
وفي الحالات كافّة، ومن دون أن نحتسب ملايين الذين هجروا بلدانهم أو هُجّروا منها، يزيد يوماً بيوم عدد المقيمين في بلدانهم ممن يتساءلون: ما اسم الدولة التي سنحمل اسمها يوم غد؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مرحلة انتقاليّة مديدة ومؤلمة نحو دول وخرائط أخرى مرحلة انتقاليّة مديدة ومؤلمة نحو دول وخرائط أخرى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon