توقيت القاهرة المحلي 08:23:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان؟

  مصر اليوم -

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان

بقلم:حازم صاغية

«الحرب الأهليّة في لبنان»... تعبير بات يتكرّر على ألسنة سياسيّين وإعلاميّين لبنانيّين، ويحذّر منه ديبلوماسيّون عرب وأجانب. والعنوان الكبير والخطير هذا لا يحتمل الاستخفاف به، وإن كان أيضاً لا يستدعي التضخيم وتحويله سبباً للتهويل.

فمن جهة، لا يخلو الأمر من عناصر قليلة تبعث على شيء من الاطمئنان، إذ ليس هناك اليوم طرف لبنانيّ يحمل السلاح إلى جانب الإسرائيليّين، وليس هناك مشروع سياسيّ إسرائيليّ للبنان، على ما كانته الحال في 1982 مثلاً. كذلك ما من طرف خارجيّ يحرّض على حرب أهليّة أو يموّلها. ذاك أنّ أخصّائيّي هذه المهمّة ليسوا جاهزين لها الآن: سوريّا الأسديّة مشغولة بمداراة أحوالها العجيبة، والعراق الصدّاميّ وليبيا القذّافيّة صارا من الماضي الميّت. أمّا إيران الخمينيّة فطريق صادراتها الحربيّة إلى لبنان باتت مقطوعة أو، في الحدّ الأدنى، مُراقَبة ومُعاقة.

ويُفترض أن لا يكون في لبنان، بعد الكارثة الحاليّة والمتمادية، مَن هو قادر على خوض حرب أهليّة أو راغب فيها. فإلى العُزّل من خصوم «حزب الله» هناك المُنهَكون من محازبيه، والكلّ، ولو بتفاوت، يستولي عليهم الألم والحزن والإنهاك.

مع هذا، ومن جهة أخرى، يبقى التحفّظ واجباً إذ قد يبدّد الواقعُ الذي لم تنجلِ بعدُ صورته الكاملة التوقّعاتِ المسبقة، وهذا فيما احتمال تطاول حرب إسرائيل و»حزب الله»، ولو اختلفت أشكالها، أكبر من احتمال إنهائها السريع، على ما يبدو. وفي الحالات جميعاً، ينبغي عدم التقليل ممّا قد تسفر عنه اتّجاهات قويّة غير مشجّعة، والمؤسف أنّها قابلة للتنامي.

فبغضّ النظر عن التضامن مع النازحين، بوجهيه الحقيقيّ والفولكلوريّ، هناك بين الطوائف اللبنانيّة، بقواها السياسيّة والحزبيّة ومن دونها، علاقات متوتّرة ودم سيّئ يصبغ الماضي، وهناك حاضر تتنافس فيه نظريّتان للبنان تختلف واحدتهما جذريّاً عن الأخرى. وثمّة محطّات داهمة قابلة أن تتحوّل، في المناخ المتأزّم الراهن، محطّاتِ تفجير، كمثل سؤال الأولويّة بين انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة ووقف إطلاق النار...

ومسألة النزوح والتهجير، وهي هائلة الحجم بكلّ المعاني، تملك طاقة تفجيريّة هائلة أيضاً، خصوصاً في ظلّ ضآلة الموارد وميلها إلى مزيد من التضاؤل، وانكماش قدرة الدولة كصاحبة دور اقتصاديّ وماليّ، وهذا فضلاً عن إمكانات التلاعب الإسرائيليّ بالمخاوف الأمنيّة، وعن قدرة الإسرائيليّين، من خلال الغارات الحربيّة وأفعال العدوان الوحشيّة الأخرى على عموم الطائفة الشيعيّة ومناطقها، على شحذ الحذر المتبادل بين السكّان وتنشيطه.

وهناك السؤال الكبير الذي ينطوي، هو الآخر، على طاقة خرابيّة لا يُستهان بها: هل يقبل «حزب الله» التحوّل إلى حزب سياسيّ منزوع السلاح مثله مثل أيّ حزب سياسيّ آخر؟ وفي ظلّ الميل المرجّح إلى الرفض، لا يُستبعد عن بعض خصومه، بشيء من الخفّة وشيء من الثأريّة، مدّ خصومتهم له لتشمل الطائفة الشيعيّة، ومن ثم انضواء البُعد السياسيّ للصراع في بُعد طائفيّ ساحق وشامل. وهنا تستدعي الأمانة القول إنّ ما تبقّى من تعابير التفاف حول «الحزب» إنّما ترتدّ سلباً على الملتفّين وعلى عموم العلاقات الأهليّة بين الطوائف.

ولسوف تكون كلُّ إطالة زمنيّة للحرب، وكلُّ إنكار للوقائع الجديدة، تقصيراً لطريق الاحتراب وتأزيماً إضافيّاً للتواصل المأزوم أصلاً بين اللبنانيّين، لا سيّما مع تمسّك الناطقين بلسان «حزب الله»، والدائرين في فلكه، بلغة متعجرفة من التهديد والوعيد والتخوين حيال مَن لا يرون رأيهم. وهذا فضلاً عن إشارات تكاثرت مؤخّراً، وبدأت تشي بالميل إلى تشويه صورة الجيش وأيّ دور قد يلعبه في تفادي انفجار النزاع الأهليّ، وهو الطرف الوحيد المؤهّل لذلك.

فوق هذا، هناك حالات ثلاث لزجة تتقاطع عند ترك الأمور في محطّة من الفراغ السياسيّ، يجتمع فيها التعفّن إلى الاحتمال الانفجاريّ:

- انتهازيّة السياسة الإسرائيليّة وسينيكيّتها حيال «اليوم التالي» في لبنان، كما في قطاع غزّة،

- وجبن السياسيّين القيّمين على أمور لبنان ممّن يستبدّ بهم، ولو أنكروا، شعور عميق بضعف شرعيّتهم يعطّل مبادرتهم المستقلّة عن «حزب الله»،

- وعجز المداخلات الديبلوماسيّة الخارجيّة تبعاً لمدى الممالأة لإسرائيل وانتهاكاتها ولانعدام الثقة بظهور تجاوب لبنانيّ حاسم وفعّال معها.

وهذا جميعاً إنّما يحيط به مناخ أعرض وأدعى للقلق يضجّ بتحوّلات كبرى مرشّحة، كما التحوّلات الكبرى دائماً، لأن تحرّض على العنف وتنشّط الاستعدادات الحربيّة:

من جهة، سوف يطرأ تغيير ضخم على توازنات الطوائف وعلاقاتها البينيّة، بعد الإضعاف المتعدّد المستويات الذي أنزلته الحرب بالطائفة الشيعيّة،

ومن جهة أخرى، سوف يتضاعف، مع الحرب الراهنة، تراجع الثقة بمبدأ العيش المشترك بين اللبنانيّين، وهو ما بدأت تعابيره قبل الحرب بالظهور والتكاثر.

وهناك، أخيراً، ما تُنذرنا به التجارب الكثيرة في ماضي لبنان الحديث، وهو أنّ كلّ اندراج عنفيّ ومباشر في حروب ذات أسباب عابرة للحدود الوطنيّة، أسُمّيت قوميّة أو دينيّة أو أيّة تسمية أخرى، ينتهي بنا اندراجاً في حرب أهليّة مدمّرة يكون فيها واحدنا هو عدوّ الآخر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان



GMT 06:32 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزائري خارج الجزائر

GMT 06:30 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الجديد... أي أميركا ننتظر؟

GMT 06:29 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

نصيحة السيستاني الذهبية

GMT 06:28 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب غزة في حفرة الأرنب

GMT 06:26 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

خنادق الآيديولوجيا وأقفاصها

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الساعات الأربع!

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

منطقتنا واليوم التالي

GMT 06:18 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

قراءة فى الملف النووى المصرى

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:37 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً
  مصر اليوم - طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً

GMT 00:20 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة
  مصر اليوم - ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة

GMT 02:38 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أن هناك الكثير من عمليات الغش في فيلادلفيا
  مصر اليوم - ترامب يؤكد أن هناك الكثير من عمليات الغش في فيلادلفيا

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد هنيدي يتراجع عن تقديم عمّ قنديل في رمضان 2025
  مصر اليوم - محمد هنيدي يتراجع عن تقديم عمّ قنديل في رمضان 2025

GMT 15:53 2018 الإثنين ,12 آذار/ مارس

إستياء في المصري بسبب الأهلي والزمالك

GMT 10:53 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على وصفات طبيعية للعناية بالشعر التالف

GMT 02:56 2018 الأربعاء ,04 تموز / يوليو

الفنانة ميرنا وليد تستعد لتقديم عمل كوميدي جديد

GMT 19:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 13:48 2018 السبت ,05 أيار / مايو

سيارة بدون "عجلة قيادة ودواسات" من سمارت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon