توقيت القاهرة المحلي 20:45:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البوتينيّة أعلى مراحل الاستعمار

  مصر اليوم -

البوتينيّة أعلى مراحل الاستعمار

بقلم:حازم صاغية

كلمة «استعمار» لم تعد تنطبق على مكان في العالم مثلما تنطبق على روسيا. إنّها الاستعمار بأكثر معانيه جلافة وبدائيّة: ممنوع أن تكون دولة ما جارةً لروسيا وحرّةً في وقت واحد. جيرة روسيا، حتّى تكون آمنة، تستدعي التخلّي عن السيادة وترك القرارات الكبرى لموسكو، لا للبرلمان الوطنيّ في حال وجوده. ممنوع، بالتالي، أن تكون الدولة المعنيّة جارةً لروسيا وديمقراطيّة تحترم إرادة شعبها وتعمل بموجبها.
نستعرض بسرعة أوضاع البلدان المجاورة وما آلت وتؤول إليه أحوالها بسبب التطبيق الروسيّ لمبدأ «الأقربون أولى بالمعروف».
على حدود روسيا الغربيّة، أي حدود الذعر من الديمقراطيّة، ثلاث دول تمتدّ من جورجيا جنوباً إلى بيلاروسيا شمالاً وبينهما أوكرانيا.
* جورجيا (4 ملايين نسمة)، شُنّت عليها الحرب في 2008 التي افتُتحت بها «الحروب الأوروبيّة» في القرن الحادي والعشرين. الذريعة طردُها أربعة روس متّهمين بالتجسّس لبلدهم. موسكو استفادت أيضاً من الحركات الانفصاليّة في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبيّة لتضييق الخناق على سلطة جورجيا وقرارها. لكنّ السبب الفعليّ للنزاع والحرب أنّ الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي، المنتخب لدورتين (2004 – 2013)، كان متحمّساً للانضمام إلى حلف الناتو. هذا محرّم على الجورجيّين. حتّى الآن لا يزال خُمس بلدهم محتلاًّ.
* أوكرانيا (45 مليوناً)، شُنّت عليها حرب في 2014. ذريعتها تحديد الوضعيّة النهائيّة للقرم ولأجزاء من الدونباس، وهي كلّها معترف بها دوليّاً بوصفها أراضي أوكرانيّة. الروس ضمّوا القرم بالقوّة ثمّ، ومن خلال الأقلّيّة الروسيّة، فصلوا الدونباس عن أوكرانيا. السبب الفعليّ للحرب هو الردّ على الثورة الأوكرانيّة التي أطاحت الديكتاتور الموالي لموسكو فيكتور يانوكوفيتش الذي انتهى لاجئاً في روسيا. أكثريّة سكّان أوكرانيا، من خلال ممثّليهم المنتخبين، متلهّفون للانضمام إلى الناتو. عشرات آلاف الجنود الروس حُشدوا مؤخّراً على الحدود مع أوكرانيا، ما قد يؤدّي إلى إحدى أكبر الأزمات في عالمنا اليوم.
* بيلاروسيا (10 ملايين)، عرفت انتفاضة شعبيّة في 2020 ضدّ «انتخاب» ألكسندر لوكاشنكو رئيساً للمرّة السادسة. لوكاشنكو كان ضابطاً في حرس الحدود السوفياتيّ، وهو يسمّي نفسه متفاخراً «آخر ديكتاتور في أوروبا». نصف العالم، بما فيه جميع الدول الديمقراطيّة، لا يعترف برئاسته، وبعضها يفرض على بلده عقوبات بسبب تزويره الانتخابات. بين الدول التي تعترف به: روسيا والصين وإيران وسوريّا وكوبا وفنزويلاّ.
قبل الانتفاضة كانت علاقات لوكاشنكو بفلاديمير بوتين قد تدهورت لأنّ الأوّل كان يطمح لأن يمنحه الثاني «احتراماً أكبر». الانتفاضة أعادت ترتيب العلاقات وإزالة الشوائب والأدران: لوكاشنكو صار همّه البقاء لا الاحترام، فيما كلفته على بوتين صارت أقلّ كثيراً. موسكو سارعت إلى إنقاذه ماليّاً وعسكريّاً: قوّاتٌ حُشدت على الحدود المشتركة وعمّالٌ روس حلّوا محلّ العمّال المضربين.
حساسيّة الحدود الغربيّة لا تلغي حساسيّة الحدود الأخرى: مؤخّراً، وإلى جنوب روسيا الشرقيّ، تحرّكت كازاخستان (20 مليوناً)، أكبر بلدان آسيا الوسطى. الانتفاضة أشعلها ارتفاع أسعار الوقود لكنّها سريعاً ما تسيّست وطرحت بقوّة مسألة السلطة والاستبداد. ذاك أنّ حاكمها الفعليّ نورسلطان نزاربايف، سبق أن انتقل من قيادة الحزب الشيوعيّ في العهد السوفياتيّ إلى رئاسة الحكومة بعد الاستقلال في 1990. في 2019 وضع في الواجهة دُميته قاسم جومارت توكاييف الذي ما أن واجهته الانتفاضة حتّى طلب من روسيا وبيلاروسيا إرسال جنودهم من أجل «استعادة الاستقرار».
حكمة بوتين هي، إذاً، كيف تدعم الاستبداد وتمنع الشعوب من التحرّر ومن صنع قرارها بنفسها. إنّها توسيع المسافة التي تفصل هذه البلدان عن الديمقراطيّة والتقدّم. أمّا السبب فهو ذاك الهوس الأمنيّ وخوف الحصار المزمن الذي سبق أن عرفه العهدان القيصريّ والشيوعيّ قبل أن ينبعث مجدّداً مع بوتين. الثلاثة طرحوا على أنفسهم المهامّ التي لا يملك بلدهم شروطها ومرتكزاتها الفعليّة فكانت النتيجة نوعاً من الجنون والعُظام اللذين يُلزمان الآخرين بألّا يتقدّموا ولا يتدقرطوا. بوتين يفاجئنا، المرّة بعد الأخرى، حين يدافع عن كلّ ماضٍ روسيّ وكلّ عهد روسيّ، لا همّ أكان رأسماليّاً أم شيوعيّاً. المهمّ، في آخر المطاف، هو استمرار تلك المعادلة: قوّة من دون سند وإضعاف للآخرين بلا حدود.
هكذا كانت روسيا حين «دعمت العرب» في العهد السوفياتيّ ضدّ إسرائيل، وهكذا هي اليوم، في العهد البوتينيّ، حين تقتلهم في سوريّا، وحين تتقاسم بعض الوظائف مع إسرائيل.
لكنْ يبقى من المستغرب نقص الحساسيّة العربيّة حيال روسيا، ودوام الاستعداد لاعتبارها صديقاً وفيّاً. إنّه استغراب لا يبدّده إلاّ تحوّل العداء إلى أميركا والغرب إلى ديانة، واستثمار الأنظمة العسكريّة والأمنيّة عندنا في تلك الديانة الزائفة التي تعود عليها، هي أيضاً، بنفع عميم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البوتينيّة أعلى مراحل الاستعمار البوتينيّة أعلى مراحل الاستعمار



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon