توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إنّه نهج وليس «حادثاً»...

  مصر اليوم -

إنّه نهج وليس «حادثاً»

بقلم:حازم صاغية

ذاك المشهد الذي رأيناه مؤخّراً، في مخيّم برج الشماليّ، قرب مدينة صور في جنوب لبنان، سبق أن شاهدناه مرّات عديدة من قبل. إنّه مسرحيّة من ثلاثة فصول متتابعة:
الفصل الأوّل: المأساة. في المخيّم المذكور، حيث يعيش عشرون ألف نسمة، يطرأ انفجار في مستودع أسلحة وذخائر تابع لـ «حركة حماس». الرواية الأكثر انتشاراً تقول إنّ الانفجار نجم عن حريق شبّ في مسجد الصحابيّ أُبيّ بن كعب الواقع وسط المخيّم. الحصيلة، وإن لم تتأكّد الأرقام بعد، قتيلان وعدد (؟) من الجرحى والمصابين.
الفصل الثاني: الكذبة. يصدر بيان لـ «حركة حماس» يقول بالحرف: «بعد الوقوف على ملابسات الحادث، والاستماع لشهود العيان، تبيّن لنا أنّه ناتج عن تماسّ كهربائيّ في مخزن يحوي كميّة من أسطوانات الأوكسجين والغاز المخصّصة لمرضى كورونا، وكميّة من المنظّفات والمطهّرات». أضاف البيان أنّ تلك المستلزمات «كانت مخصّصة للتوزيع ضمن الجهود الإغاثيّة...».
الفصل الثالث: اشتباكات الفصائل. إبّان تشييع حمزة شاهين، أحد الذين قضوا في الانفجار، يندلع اشتباك بين مسلّحين من حركتي «حماس» و«فتح» الفلسطينيّتين يتأدّى عنه سقوط أربعة قتلى وثمانية جرحى.
مخازن السلاح والرقم التصاعديّ للقتلى (من 2 إلى 4) واحتقار عقول الناس، وفي عدادهم أهل الضحايا، تشير مرّة أخرى إلى النهج الذي يتحكّم بوعي «حماس»، وما يشابهها من تنظيمات، في إدارتها الصراعَ مع إسرائيل: المهمّ أدوات القوّة. البشر تفصيل. قداسة المسجد أيضاً تفصيل. لبنان نفسه تفصيل، استباحته واستباحة البشر واستباحة المسجد جائزة دائماً في سبيل «القضيّة».
نحن إذاً أمام تجريب جديد للمعادلة إيّاها التي تضع السلاح في مكان والسكّان (ومعهم الممتلكات والمعاني والرموز والمقدّسات) في مكان آخر.
سلاح «حزب الله»، الذي يرفضه أربعة أخماس اللبنانيّين على الأقلّ، مدرسة نموذجيّة في تلقين ذاك النهج إيّاه: المهمّ السلاح، لا ما يراه الناس ولا الأضرار التي تقع عليهم من جرّائه.
والحال أنّ جريمة تفجير مرفأ بيروت، صيف العام الماضي، افتتحت طوراً متقدّماً جدّاً في تطبيق هذا النهج الذي تدين به «حماس» و«حزب الله» والأطراف الممانعة الأخرى: تخزين نترات الأمونيوم الذي يستحيل حصوله، ويستحيل فهمه، خارج الزجّ بلبنان في صراعات مسلّحة لا يحقّ للبنانيّين التدخّل فيها (هذا قبل أن يتّضح أنّ التحقيق في أمرها هو أيضاً ممّا لا يُستحسن التدخّل فيه).
تعفّن القضايا هو بالضبط هذا: أن ينعدم كلّ جسر بين السكّان والسلاح، وأن تغدو قضايا السلاح شيئاً لا يحتاج إلى البشر، أي شيئاً خالياً من كلّ مضمون نبيل، هذا حتّى لا نصفه بالتقدّميّ أو بالتحرّريّ. مثل هذا السلاح قابل، في أيّة لحظة، إلى استهداف البشر أنفسهم بوصفهم الفائض الذي يمكن الاستغناء عنه: على مدى السنوات القليلة الماضية، شاهدنا هذا النهج في أعلى محطّاته التطبيقيّة، أي في تطبيقه السوريّ الفظيع: بقاء النظام ومواجهة «الحرب على سوريّا» بقوّة السلاح الكيماويّ والبراميل وما ينجم عنها من قتل وتهجير واسع للسكّان السوريّين.
هنا لا بأس بتذكير تلك القوى التي تتعيّش على قضيّة عنفيّة ما بما تسمّيه اللاتينيّة Jus Ad Bellum أي المبادئ والمعايير التي تجعل حرباً ما حرباً عادلة: إنّها امتلاك قضيّة مُحقّة، واعتماد الحرب كآخر الحلول، وإعلانها من قبل سلطة مناسبة (أو سليمة)، وامتلاك المحاربين نوايا جيّدة، ووجود فرص معقولة للفوز فيها، وأن تكون نهاية الحرب متجانسة مع الوسائل المستخدمة فيها.
هذه شروط يكاد لا ينطبق شيء منها على قوانا الحربيّة التي تفجّر البشر، بشرها، ثمّ تكذب عليهم، كما تستبيح كلّ ما يقع تحت يدها أو ما يتماسّ مع تلك اليد.
قد يقال أنّ الحروب التي تنطبق عليها المعايير المذكورة أعلاه قليلة جدّاً. هذا صحيح، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ المسافة التي تفصل عن تلك المعايير نادراً ما تصل إلى الدرجة التي نشهدها اليوم في منطقتنا. لهذا يصحّ وصف هذه الحقبة التي نعيش بالتعفّن: ما هو مُحقّ وعادل في قضايا المحاربين هو ما قضمه ويقضمه غير المُحقّ وغير العادل في تلك القضايا.
إنّ من عاش في بيروت، عشيّة حرب 1982، يعرف ما الذي يعنيه التعفّن. النهج نفسه، وعلى نطاق أوسع، يضرب مجدّداً. اليوم، فيما تزدهر أحاديث الحروب في المنطقة، يُخشى أن نكون عشيّة عود على بدء!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنّه نهج وليس «حادثاً» إنّه نهج وليس «حادثاً»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon