توقيت القاهرة المحلي 20:00:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

النزاع الأساسي في لبنان: زجّنا في الحرب

  مصر اليوم -

النزاع الأساسي في لبنان زجّنا في الحرب

بقلم:حازم صاغية

بين التناقضات الكثيرة التي يضجّ بها لبنان، السياسيّة منها والاقتصاديّة والثقافيّة، هناك تناقض واحد أبعد غوراً من سواه، يؤثّر في باقي التناقضات أكثر ممّا تؤثّر فيه. إنّه الموقف من الحرب: هل ينبغي أن نُزجّ في حرب أم لا؟ وبالتالي، أيّ نظام للداخل وأيّة علاقة مع الخارج يخدمان الغرض؟
المُصابون بعشق الحرب تغيّرت أسماؤهم وتغيّرت أحزابهم، لكنّ المقدّمات التي يبنون عليها لم تتغيّر: عبادة القوّة وكراهية البلد الضعيف الذي لا يحكمه جيش ولا مخابرات. إذاً، ومن أجل أن يقوى ويصبح كالأنظمة الاستبداديّة المجاورة، لا بدّ من زجّه في حرب. ولأنّ الكرامة لا تُشتقّ إلاّ من القوّة فإنّه بلد بلا كرامة، والحرب وحدها تُكسبه الكرامة. ثمّ، ما دام جيشه قليل الحربيّة، كان لا بدّ من كسره والاستنجاد بطرف مسلّح ما لأداء المهمّة الجليلة. فإذا ترتّب على الحرب احتلال للأرض كُلّف ذاك الطرف بتحريرها. هذا نصر على نصر: إنّه يضمن لنا الفوز بحرب المائة عام، وربّما الألف عام. إنّه يجعلنا شعباً من الشهداء المؤجّلين.
في هذا شيء يشبه العبارة الشهيرة عن قتل الفتاة صوناً لعفافها.
المصادر التي تأثّرت وتتأثّر بها النزعة الحربيّة مصادر حربيّة هي الأخرى. هكذا كانت الحال دائماً: إنّها أنظمة ومجتمعات لم تُعرف بغير قوّة العقيدة وقوّة السلاح ثمّ سرعة الانهيار والموت فيما هي تتحدّث عن انتصاراتها. ما حلّ بالفاشيّة ثمّ بالمنظومة الاشتراكيّة مثلٌ معبّر.
وقد تدرّج عشق الحرب من المداوَرَة إلى المباشَرَة: قبل ظهور المقاومة الفلسطينيّة، كان يُفترض بلبنان الوقوف مع جمال عبد الناصر لأنّه، كما تذهب الخرافة، يؤسّس لقوّة العرب وكرامتهم.
وحين صَنّفت القممُ العربيّة لبنان «بلد مسانَدة»، لا «بلد مواجهة»، احتجّ الحربيّون بيننا: لكنّ بلدنا مجاور لفلسطين المحتلّة فلماذا يكون بلد مساندة؟ ثمّ حين انهزم عبد الناصر في 1967، تضاعفت المرارة: لماذا لم ينهزم لبنان أيضاً؟ لماذا لم يحارب وينهزم بما يجعله يستحقّ عروبته وكرامته؟
مع المقاومة الفلسطينيّة تحقّق الحلم. إنّها «استراتيجيّة التوريط». مع «حزب الله» غمرنا التوريط بوصفنا التوّاقين لأن يتورّطوا.
لا شكّ في أنّ منازعات الطوائف وتفاوت علاقاتها بدولة لبنان مصدرٌ بعيد لتلك المشاعر. فلسطين كانت ذريعة ولا تزال. إلى هذا انضافت مساهمات الأنظمة العسكريّة في الجوار والتي أرادتنا اسفنجة تمتصّ تناقضاتها فأرسلت إلينا السلاح بسخاء، وسعت إلى إغلاق النافذة اللبنانيّة على درجة بعيدة نسبيّاً من الحرّيّة. صحيح أنّ قصور السلطة اللبنانيّة وفئويّتها وضيق أفقها الطائفيّ كمّلت المهمّة، لكنّ الردّ نادراً ما كان إصلاحيّاً يحكمه التفاعل مع الداخل اللبنانيّ. إنّه نادراً ما كان سياسيّاً بحتاً.
فالمعارضة الحربيّة انطلقت أصلاً من تراكم تاريخيّ ينطق بلسانين لا ينسجمان: البلد، من جهة، مفتعل وفائض عن الحاجة، فضلاً عن كونه ضعيفاً وعديم الكرامة، وهو، من جهة أخرى، ينبغي إصلاحه وتحديثه والتخلّص ممّا هو طائفيّ ومتخلّف فيه. «الحركة الوطنيّة» اللبنانيّة كانت أعلى وآخر تعابير هذا الازدواج اللغويّ والمفهوميّ الذي يجمع بين الإفناء والإصلاح.
صحيح أنّ الذين كانت لديهم مشاريع سياسيّة تتفاعل مع الواقع اللبنانيّ، وبغضّ النظر عن الرأي بها، غادروا الوعي السلاحيّ. بيد أنّ اللسان ظلّ ثقيلاً والهمّة بطيئة: كمال جنبلاط طالب بالإصلاح رافعاً البندقيّة. وهو لئن استاء من شقّ الجيش اللبنانيّ وإنشاء «فتح» «جيشَ لبنان العربيّ»، إلاّ أنّه وفّر الغطاء السياسيّ للمنظّمات المسلّحة الفلسطينيّة واللبنانيّة. موسى الصدر أيضاً بدأ إصلاحيّاً، همّه إنقاذ الجنوب من الحرب وانتهى مسلّحاً. رفيق الحريري اضطُرّ إلى الاستظلال بالبندقيّة السوريّة والتعايش مع سلاح «حزب الله».
وجود مشروع لبنانيّ لدى الزعماء الثلاثة كان يُبعدهم عن السلاح، لكنّ ضعف هذا المشروع كان يضعف مناعتهم حيال السلاح. جنبلاط والحريري قُتلا بيد سلاح حربيّ وتحريريّ. الصدر خطفه سلاح حربيّ وتحريريّ حليف.
شيء كهذا نجده في الوسط اليساريّ: الحزب الشيوعيّ، لأنّه ذو وزن وتاريخ عريق، كان أكثر تهيّباً لزجّ لبنان في الحروب من التنظيمات الصغرى على يساره والتي تستمدّ معناها الأوحد من صلتها بالتنظيمات الفلسطينيّة المسلّحة. كثيرون ممّن كانوا ينشقّون عن تلك التنظيمات اللبنانيّة كانوا يتوجّهون مباشرة إلى «فتح». لا مبرّر إذاً للمرور في محطّة لبنانيّة. الحزب الشيوعيّ انتقل، ضعيفاً مفكّكاً، إلى الموقع الذي كانت تحتلّه التنظيمات.
«حزب الله» هو الاستثناء الوحيد في التاريخ اللبنانيّ الحديث، ومن هنا خطورته: إنّه حزب وازن، وكلّما زاد وزنه زادت حربيّته. هذا حتّى الآن!
لكنّ المشكلة، في النهاية، أنّ بديل النموذج اللبنانيّ لم يولد لأنّه ببساطة لم يُفكَّر ببديل له ما خلا زجّه في الحرب: منذ الدولة العربيّة في دمشق بعد الحرب العالميّة الأولى حتّى اليوم لم تتغيّر المعادلة: إمّا الفوضى والساحة السائبة أو التحالفات المسمومة كالتي ربطت الحريري بـ «حزب الله» وبالأمن السوريّ خلال 1989 - 2005.
هذا العجز عن توليد حاكميّة لبنانيّة مستقرّة كان يزيد الكراهية للبنان وسلمه واستقراره. إنّه عصيّ على السلاح. عصيّ علينا. ولأنّه كذلك لا بدّ من تخليعه بوضعه في مواجهة العالم ومواجهة الجوار الذي لا تقوم مصالح لبنان إلاّ على حسن العلاقة به: حرب المقاومة الفلسطينيّة من لبنان حطّمت اتّفاق الهدنة. حربيّة «حزب الله» اليوم تحدٍّ للقرار الأمميّ 1701. العلاقة الحميمة بإيران علاقة رديئة بالعالم العربيّ...
ومن بلد مسالم يتعاطف مع القضيّة الفلسطينيّة ويدعمها سياسيّاً ودبلوماسيّاً وإعلاميّاً، نتحوّل إلى إسبارطة تعتدي على السوريّين وشعوب أخرى باسم فلسطين. نتحوّل أيضاً من بلد تعاقديّ الصيغة إلى بلد استبداديّ تؤخذ الأكثريّة الساحقة من شعبه رهينة إلى مسلخ الحرب، رهينةً مفقرة وجائعة وخائفة. أمّا العزاء الوحيد فنصيحة شهيرة من أبيقور ترجع إلى ثلاثة وعشرين قرناً: اطمئنّوا. لا تخافوا الموت. فحين تكونون أحياءً يكون الموت غائباً، وحين يحضر الموت تكونون قد غبتم أنتم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النزاع الأساسي في لبنان زجّنا في الحرب النزاع الأساسي في لبنان زجّنا في الحرب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon