توقيت القاهرة المحلي 22:56:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الانتخابات شيء والسلاح والحقائق المطلقة شيء آخر

  مصر اليوم -

الانتخابات شيء والسلاح والحقائق المطلقة شيء آخر

بقلم:حازم صاغية

كثيراً ما انشغل الفكر السياسيّ بالسؤال: هل ينبغي أن يُتاح العمل الديمقراطيّ لطرف غير ديمقراطيّ؟
ما يواجه بلداناً كالعراق ولبنان اليوم أشدّ فداحة: هل ينبغي أن يُتاح العمل الديمقراطيّ لطرف يحمل سلاحاً ويستطيع بالقوّة أن يفرض قراره؟
لنقل، بدايةً، إنّ كلمة «ينبغي» هنا قليلة المعنى، لأنّ وجود السلاح هو الذي يحدّد ما الذي «ينبغي» أو «لا ينبغي». مَن يرعون العمليّة الديمقراطيّة ويتقيّدون بقواعدها لا يملكون حيال ذلك ما يفعلونه.
في أكتوبر (تشرين الأوّل) الماضي، وكما نعلم جميعاً، أجريت انتخابات في العراق جاءت نتيجتها في غير صالح القوى المسلّحة الموالية لإيران. أعمال الشغب الواسع انتشرت انتشار العراضات المسلّحة احتجاجاً على نتائج الانتخابات التي اتّهمها الراسبون فيها بالتزوير. بعدذاك صدر حكم المفوضيّة العليا المستقلّة للانتخابات التي درست الطعون المقدّمة إليها. النتائج لم تتغيّر إلاّ قليلاً جدّاً.
هكذا انتقل الراسبون إلى استهداف بعض الكتل النيابيّة التي فازت، أي «تقدّم» و«عزم» و«الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ»: قنبلة يدويّة على مقرّ الحزب الأخير وقنبلتان على مصرفين في بغداد يملكهما كرد. قنابل أخرى على مقارّ «تقدّم» و«عزم» في العاصمة وعبوة ناسفة على منزل ومكتب النائب عبد الكريم عبطان المنتمي إلى «تقدّم».
هذا حتّى الآن. الآتي قد يكون أعظم.
اللبنانيّون الذين قد (؟) يُجرون انتخاباتهم في مايو (أيّار) المقبل، لديهم ما يتذكّرونه وهم يسمعون أخبار العراق: الاغتيالات التي استهدفت نوّاب تكتّل 14 آذار، بعد اغتيال رفيق الحريري في 2005، وذلك لإنقاص أكثريّتهم النيابيّة.
حسن النوايا بـ «الأخوة» في الوطنين اللبنانيّ والعراقيّ لا يمنع من القول إنّهم قليلو الاحترام للعمليّة الديمقراطيّة التي يشاركون فيها، وللبرلمان الذي يتمثّلون فيه.
وجهة نظرهم، هنا، بسيطة: حين نخسر الانتخابات لا نعمل بموجب نتائجها، بل نحتجّ عليها بالقوّة التي نملكها فنقوّض شرعيّتها، أمّا حين نربحها فنجعل التفويض الانتخابيّ الذي نحظى به مطلقاً، لا يحدّه حدّ.
بالطبع فإنّ «حزب الله» اللبنانيّ و«الحشد الشعبيّ» في العراق ليسا مَن أسّس هذه المدرسة، وإن أصبحا من أنجب خرّيجيها. فكما هو معروف يقوم النظام الإيرانيّ، وهو مصدر الاستلهام المباشر للطرفين، على نظام غريب في احتياله على الديمقراطيّة: الوليّ الفقيه غير منتخب، علماً أنّه الشخص الأقوى في النظام: إنّه قائد الجيش والقوى الأمنيّة، وهو مَن يعيّن رئيس السلطة القضائيّة، ونصفَ أعضاء مجلس صيانة الدستور، وخطباءَ المساجد، ورؤساءَ أجهزة الإعلام وشبكاته، كما تشكّل مؤسّساته الرعويّة، التي تبلغ ميزانيّتها عدّة بلايين من الدولارات، جزءاً مرموقاً من الاقتصاد الإيرانيّ.
لكنْ، في المقابل، فإنّ رئيس الجمهوريّة والبرلمان منتخبان. أمّا كيف يكون الانتخاب، فقصّة أخرى: في انتخابات 2009 اعتُقل الفائزون الذين هم من أهل النظام نفسه (مير حسين موسوي ومهدي كرّوبي) إنّما متميّزون قليلاً، وفي انتخابات 2020 لم يُسمح لأكثر من 7000 مرشّح «إصلاحيّ» و«معتدل» بالترشّح. هكذا حقّق المحافظون انتصارات باهرة لم يكن ممكناً ألاّ يحقّقوها.
لكنْ ربّما صحّ القول إنّ التوتاليتاريّات الأوروبيّة، بقادتها ومثقّفيها، ومن مقدّمات مختلفة، هي التي أسّست لاحتقار الديمقراطيّة والبرلمان: هتلر، الذي وصل إلى السلطة في 1933 عبر الانتخابات، عملاً بمبدئه «تدمير الديمقراطيّة بسلاح الديمقراطيّة»، اعتبر أنّ الديمقراطيّة هي «الممرّ الأبله والقذر للبلشفيّة».
وبدوره رأى الزعيم الفاشيّ الإيطاليّ موسوليني أنّ «الشعب لا يعرف ماذا يريد. إنّه لا يعرف ما هو الأفضل له (...) الديمقراطيّة جميلة في النظريّة لكنّها جنون في الممارسة»، فيما الصراع بين الفاشيّة والديمقراطيّة «لا يسمح بتسويات، فإمّا نحن أو هم».
في 1924 نال الحزب الفاشيّ الإيطاليّ وحلفاؤه الأكثريّة في انتخابات عرفت الكثير من التهويل والتعدّيات. لكنّ هذه الانتخابات، التي كانت رافعته إلى السلطة، كانت آخر انتخابات تُجرى حتّى 1946 بعد تحرير إيطاليا. الوسيلة المفضّلة عند موسوليني كانت الانقلاب الذي نفّذه الفاشيّون في 1922 وسمّوه «المسيرة إلى روما». بعد عام واحد كانت محاولة هتلر الانقلابيّة في ميونيخ التي كان مصيرها الفشل، على عكس سابقتها الإيطاليّة. هتلر انتهى سجيناً بعد تلك المغامرة.
قبلهما، كان الزعيم البلشفيّ الروسيّ لينين، المُتيّم بـ «ديكتاتوريّة البروليتاريا»، جزم بأنّ «الديمقراطيّة دولة تُقرّ بإخضاع الأقلّيّة للأغلبيّة، أي أنّها منظّمة للاستخدام المنهجيّ للعنف من قبل طبقة ضدّ طبقة». وكان من أوائل الأفعال التي أقدم عليها بُعيد استيلائه على السلطة حلّ الجمعيّة التأسيسيّة التي كان أشدّ المتحمّسين لإنشائها. وحتّى اليوم لا يزال اللينينيّون كلّما نطقوا شهّروا بالألمانيّ إدوارد برنستين لأنّه قال بإمكان إحداث التغيير عبر البرلمان والانتخابات.
فعند التوتاليتاريّين، قد تكون الانتخابات مفيدة كفرصة لتعبئة المؤيّدين، وللتحريض على الخصوم، ولامتلاك منابر أوسع نطاقاً تتيحها المناسبة، ولأغراض أخرى كثيرة ما عدا كونها وسيلة للتغيير.
فهي نشاط مدنيّ وسياسيّ، وهم عسكريّو العقليّة يرون في العنف طريقهم إلى السلطة، وهي مناسبة لاكتشاف الحقيقة بمعناها النسبيّ، وهم يعرفون الحقّ مسبقاً وفي معزل عن رأي الناس، وهي تعريفاً تقرّ بالآخر والمختلف شريكاً في هذه اللعبة، وهم يتحكّمون بها للاستئثار بالسلطة وتصنيف الآخر عدوّاً، وهي تفترض أنّ السياسة تنبثق منها، وهم يعتبرون أنّ المعركة السياسيّة الفعليّة، وهي بالأحرى حربيّة، تقيم في مكان آخر.
وفي لبنان والعراق، خيضت انتخابات وقد تخاض أخرى مع قوى حربيّة كهذه، قوى تقول إنّها ديمقراطيّة ولا تحتقر شيئاً كما تحتقر الديمقراطيّة. وربّما كان مفهوماً التظاهر بأنّنا نصدّق. المهمّ أن لا نصدّق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتخابات شيء والسلاح والحقائق المطلقة شيء آخر الانتخابات شيء والسلاح والحقائق المطلقة شيء آخر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon