توقيت القاهرة المحلي 04:26:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سرّ هذا الحقد على «17 تشرين»؟

  مصر اليوم -

سرّ هذا الحقد على «17 تشرين»

حازم صاغية
بقلم:حازم صاغية

ثورة «17 تشرين» اللبنانيّة لم تنتصر، ولم تستطع وقف الوجهة السائدة في الحكم أو الوجهة المتعاظمة في الانهيار، وهي لم توصل إلى البرلمان كتلة نيابيّة جبارة تقلب المعطيات المألوفة. ثم إنها، في الحساب الأخير، انقضى عليها نيّف وثلاث سنوات. لماذا إذاً هذا الحقد الذي أبداه حيالها الأمين العامّ لـ«حزب الله» في خطابه الأخير؟
السبب ليس بسيطاً ولا تفصيليّاً. فللمرّة الأولى، رأينا حسن نصر الله يتحدّث عن الثورة بصراحة فجّة مقرونة بالتفاخر: إنّها عمليّة فوضى وتخريب زرعتها الولايات المتّحدة في لبنان، أمّا هو وحزبه فكانا على رأس من تصدّوا لها وقمعوها.
لماذا أصدر نصر الله هذا الحكم المتأخّر، والذي يبدو لوهلة كأنّه تبرّعَ به ولم يكن يستدعيه أي سبب موجب؟
أغلب الظنّ أنّ الحزب ولفيفه يعملان على تحويل هزيمة «17 تشرين» إلى محطّة تأسيسية كبرى للبنان «الجديد»، على الطريقة التي رُفع فيها سحق ثورة 1968 في تشيكوسلوفاكيا السابقة إلى محطّة تأسيسية كبرى لتلك الدولة الشيوعيّة في طورها الثاني. أمّا الذين أنزلوا الهزيمة بـ«17 تشرين» فهم مخلّصو الشعب الذين أنقذوه من الوقوع في براثن المؤامرة. هكذا يضاف وسام جديد إلى الأوسمة التي ترصّع صدر «حزب الله»: التحرير، المقاومة، مكافحة الإرهاب، الترسيم البحريّ، الكرامة... إلخ.
انتخابات رئاسة الجمهوريّة تزيد في الإلحاح على هذه المهمّة. ذاك أنّ من يملك حصّة الأسد في إنقاذنا من المؤامرة، ينبغي أن تكون له حصّة الأسد في اختيار الرئيس الجديد للجمهوريّة.
هذا ما قاله نصر الله بطريقة مخفّفة نسبيّاً، حين تحدّث عن الرئيس الذي لا يطعن المقاومة في ظهرها، وذكّرنا بالتجربتين «الناجحتين» لإميل لحّود وميشال عون، تاركاً المهمّة الجلفة لرئيس كتلته البرلمانيّة محمد رعد: «في مواجهة الاستحقاق الرئاسي نعرف من نريد ونتحرّك من أجل أن يأتي إلى الرئاسة من نريد». أمّا «من نريد» فهو «الرئيس اللائق بشعبنا المقاوم».
واضح مما سبق أنّ «حزب الله»، المثقل بـ«الانتصارات» وآخرها اتفاق الترسيم الحدوديّ، لا يريد أن يساوم أحداً. إنّه يريد أن يفرض «الرئيس اللائق بشعبنا المقاوم»، مُراهناً على يأس الآخرين وتعبهم في تكرارٍ لما حصل عند الاتفاق على ترئيس ميشال عون ذات يوم مشؤوم من عام 2016.
هذا هو بعض ما ينذرنا به خطاب التشهير بـ«17 تشرين»: إنّ الذين دافعوا عن النظام وضمنوا استمراره هم الذين سيصبحون الصانع الحصري لملوك هذا النظام.
لكنْ إذا كان الدفاع عن ذاك النظام هو السبب العملي المباشر للكثير مما قيل ونُفّذ وهُدّد به، فإنّ لذلك خلفيّة تفسّر السبب العميق للودّ المفقود بين مقاومة «حزب الله» وثورة تشرين. تلك الخلفيّة، التي ربّما جاز وصفها بالمنطلقات النظريّة لموقف الحزب، تقوم على التالي:
- مقاومة «حزب الله» عمل عنفي متواصل، السلاح قضيّته وغايته وأداته. ثورة «17 تشرين» قدّمت نفسها عملاً مدنيّاً وسلميّاً وإصلاحياً.
- مقاومة «حزب الله» تعبير عن تسلّح جماعة أهليّة في مواجهة جماعات أهليّة أخرى. ثورة «17 تشرين» طمحت إلى تأسيس حركة شعبيّة ووطنيّة عابرة للطوائف والجماعات.
- مقاومة «حزب الله» تقدّم نفسها بوصفها تستهدف بالأساس عدوّاً أجنبيّاً، غالباً ما تُستعمل عداوته، في لبنان وفي سواه، لتكريس وضع قائم. ثورة «17 تشرين» وُلدت ردّاً على طريقة داخليّة في الحكم ونهج صارخ في الفساد.
- مقاومة «حزب الله» تُضعف الدولة بوصفها الطرف الذي يصنع قراري الحرب والسلم. ثورة «17 تشرين» تقوّي الدولة من خلال تطوير الديمقراطيّة فيها وتوكيد قيم الشفافيّة والمساءلة.
- مقاومة «حزب الله» تُحكم ربط لبنان بالسلطتين الإيرانيّة والسورية. ثورة «17 تشرين» تحاصر فكرة تحويل البلد إلى «ساحة» للصراعات الإقليميّة.
- مقاومة «حزب الله» تعمل على تحكيم الآيديولوجيا بالقرار السياسيّ، فيما ثورة «17 تشرين» سعت إلى تحويل لبنان بلداً عادياً تأتمر سياساته بآمر مصالحه.
هذان، في آخر المطاف، ضدّان لا يلتقيان. أحدهما يريد إبقاء الأمور على حالها، وحراسة هذه الحال بالسلاح، ومن هنا فهو يستحقّ وصفه الدقيق بالدفاع عن الوضع القائم الذي «يحمي ظهر المقاومة». الآخر يريد تغيير الأمور بحيث تنتفي إمكانيّة الدفاع عن الوضع القائم، الفاسد والكارثيّ، بحجّة مكافحة العدوّ.
هاتان النظريّتان سبق أن اصطدمتا في 2005 فكان الردّ على صعود الأجندة الوطنيّة الجديدة، بعد مقتل رفيق الحريري، إثارة حرب 2006 وإعادة شحن الأجواء وتعبئتها بالأجندة القديمة إيّاها.
وهما اصطدمتا في سوريّا، فتوجّه مقاتلو «حزب الله» لقمع الطلب على الحرّيّة والتغيير والكرامة الإنسانيّة، ولتثبيت بشّار الأسد ونظامه.
إنّه الصدام الدائم، المقيم في أصل الأشياء، والذي يصعد ويهبط لكنّه لا يتوقّف إلاّ بالهزيمة الماحقة لواحد من طرفيه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سرّ هذا الحقد على «17 تشرين» سرّ هذا الحقد على «17 تشرين»



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:22 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة
  مصر اليوم - أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة

GMT 03:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا
  مصر اليوم - ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا

GMT 04:21 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الجيش الإسرائيلي يكشف تفاصيل مقتل 4 جنود في مخيم جباليا
  مصر اليوم - الجيش الإسرائيلي يكشف تفاصيل مقتل 4 جنود في مخيم جباليا

GMT 19:05 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية
  مصر اليوم - حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية

GMT 10:37 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

تعرف على من هو أحمد مناع أمين مجلس النواب 2021

GMT 06:45 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

أبرز فوائد فيتامين " أ " على صحة الجسم والمناعة

GMT 09:47 2020 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

عبد المهدي يتخلى عن معظم مهامه الرسمية

GMT 04:22 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ريم مصطفى تؤكد أن مسلسل "شديد الخطورة" تجربة مختلفة

GMT 07:44 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

سامي مغاوري يتحدى ابنه في "واحد من الناس" مع عمرو الليثي

GMT 21:05 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مصرية تطلب الخلع من زوجها وتتفاجئ من رد فعله

GMT 18:29 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شخص وإصابة اثنين فى حادث تصادم بالدقهلية

GMT 19:21 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

بوسى برفقة حلا شيحة فى أغرب إطلالة لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon