توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

... عن موت اللبنانيّين من أجل أن ينزل الإسرائيليّون إلى الملاجئ

  مصر اليوم -

 عن موت اللبنانيّين من أجل أن ينزل الإسرائيليّون إلى الملاجئ

بقلم : حازم صاغية

بشيء من الاختزال الذي يحاول أن لا يسيء إلى المعنى، يمكن وصف إحدى أبرز مآسينا بأنّها تناقُض الواقع والشعار، أو كذب الثاني على الأوّل: الواقع يصغر والشعار يكبر، وكلّما صغر الواقع وأصابه التشرذم، كبر الشعار وصفّح نفسه بزعم التوافق والإجماع عليه.
المعادلة تكاد لا تخطئ.
لنأخذ مثلاً معبّراً من لبنان: حين انفجرت العلاقة بين المسلمين والمسيحيّين، كانت تُطرح في المناخ نفسه شعارات من قبيل إقامة الوحدة العربيّة أو بناء الاشتراكيّة... هذا ما كانه الأمر في الستينيّات والسبعينيّات. وحين انفجرت العلاقة بين السنّة والشيعة، فضلاً عن المسيحيّين والمسلمين، وهي حالنا اليوم، ازداد الإصرار على تحرير فلسطين والصلاة في المسجد الأقصى.
ما من ربط على الإطلاق بين انكماش القدرات حتّى التلاشي، تبعاً لتناقضاتنا الذاتيّة، والمهامّ التي تُطرح على النفس والغير، صدقاً كان ذلك أو كذباً، ممّا يتطلّب أعظم القدرات. التغطية على الفارق الهائل تتكفّل به عناوين رخيصة يصار إلى نفخها، من نوع «نهاية زمن الهزائم» أو «منع إسرائيل من تعديل قوانين الاشتباك»... من يقتنعون بهذه العناوين هم المقتنعون سلفاً بكلّ ما يُلَقّنُونه.
يفاقم مأسويّةَ المأساة أنّ الشيء الوحيد الذي يتحقّق من الشعارات المطروحة أنّ نزاعاتنا الداخليّة تتزايد، والمخاوف المتبادلة بين جماعاتنا تغدو أشدّ رسوخاً وتصلّباً. مردّ ذلك ببساطة إلى أنّ الشعارات، إذ تقع على انقسام أهليّ، لا تفعل ما يُقال أنّها تفعله من تضامن وتجاوز لـ«أحقاد الماضي» بالقياس إلى مواجهة «العدوّ المصيريّ». هذا شعار سِقيم. إنّها تضيف الحطب إلى نار الانقسام الأهليّ.
الأكثر تعقّلاً وتجربةً بيننا والأشدّ إدراكاً لواقع الحال، ممّن يطالبوننا بطيّ الشعارات الفخمة والانكباب المتواضع على التقريب بين جماعاتنا المتخاصمة، يصبحون موضوعاً للتشهير. يقال عنهم، بألسنة شديدة الطلاقة، أنّهم خونة وجواسيس في أسوأ الأحوال، وأنّهم، في أحسنها، مستشرقون، والمستشرقون طبعاً لا يفهموننا. وإذ نبحث عن أسرّة نختبئ تحتها كي يتجنّب واحدُنا رصاص الطائفة الأخرى، نعلن أنّنا شعب مُجمِع على تلك القضايا السامية، لا طوائف متنازعة. وكما في اللوحات الكوريّة الشماليّة الزاهية، نقول إنّنا صفّ متراصّ في طريق صاعد إلى المجد.
هكذا، وفي موضوع إسرائيل مثلاً، يُشهَّر بالحدّ الممكن من التضامن مع القضيّة الفلسطينيّة في المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والإعلاميّة، ويُطلَب الحدّ المستحيل: «إنّها حرب وجود لا حرب حدود. إمّا البقاء أو الفناء».
لكنْ فضلاً عن المطالبة ببذل التضحيات التي لا يقوى البشر عليها، ولا يريدون بذلها أصلاً، لا يلبث أن يتبيّن أنّ الأمر ليس على هذه البراءة، وأنّ وراء الشعار ما وراءه. فهناك أغراض طائفيّة وراء شعار كهذا، أغراضٌ يتأدّى عنها تسليح طائفة من الطوائف وتقويتها على طوائف أخرى مذعورة من قوّتها. وهناك أيضاً مطامح إقليميّة تريد أن تجعل الشعار مدخلاً إلى نفوذ يخشاه كثيرون من أبناء البلد الذي تتطاير فيه الشعارات.
اليوم، وكما دلّت حادثة قرية شويّا في منطقة حاصبيّا الجنوبيّة، ورفض الأهالي تثبيت «حزب الله» راجمات صواريخه بين بيوتهم، يظهر كم أنّ الحدّ المستحيل من المطالب مستحيل فعلاً، لا يفعل سوى تعزيز الخصومة بين الطائفتين الشيعيّة والدرزيّة. وهو تكرار، ولو على نطاق أضيق حتّى الآن، لِما كان يحصل بين أواخر الستينيّات وأوائل الثمانينيّات بين المقاومة الفلسطينيّة عهدذاك وسكّان الجنوب اللبنانيّ. ذاك أنّ إطلاق الصواريخ من بين بيوت الأهالي واستدعاء ردود إسرائيليّة مدمّرة على السكّان طعنا العلاقة الفلسطينيّة – الجنوبيّة في صميمها. وكما نذكر جميعاً، ترافق الأمر مع اشتباكات مسلّحة شهيرة، لا سيّما بعد تأسيس «حركة أمل» التي نشأت ذراعاً للشيعة الجنوبيّين.
آنذاك، كما الآن، لا يحتاج المعترضون على إطعامهم للموت إلى أفكار «ضالّة»، ولا إلى تمويل «أميركيّ»، أو دعاية «صهيونيّة» أو «جيش لحد»، كي يدافعوا عن حياتهم. وهذا الحافز القويّ يزيده قوّةً كونُ الطرف المسلّح ينتمي إلى طائفة أخرى أو جماعة أخرى، على ما كانت الحال ما بين الستينيّات والثمانينيّات، وعلى ما هي اليوم. فكيف حين يكون «النصر» الوحيد الممكن، والذي يُفترض بالسكّان المدنيّين أن يقدّموا جثثهم على مذبحه، نزول الإسرائيليّين إلى الملاجئ في منطقة الجليل، أو سماع صفّارات إنذار في هذه البلدة أو تلك من إسرائيل!
هكذا ننتهي إلى المعادلة التالية: كلّما طالب «حزب الله» شعبه بهذا النوع من «التضحية»، اتّسعت رقعة الكراهية للحزب، طائفة بعد طائفة ومنطقة بعد منطقة، واتّسعت أيضاً رقعة النفور من تلك القضيّة التي يقول الحزب إنّه يمثّلها.
التواضع كان يقتضي، بدل هذا كلّه، الانكباب على حلّ مشاكل «الماء والكلأ»، كتلك التي عاشتها قبل أيّام منطقة خلدة، جنوب بيروت، على شكل اشتباكات بين «حزب الله» و«العشائر العربيّة». سياسة كهذه تجعل الشعار يعتدل ويتوقّف عن مخادعة الواقع. إنزال الإسرائيليّين إلى الملاجئ ليس عزاءً عن موت اللبنانيّين وذلّهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 عن موت اللبنانيّين من أجل أن ينزل الإسرائيليّون إلى الملاجئ  عن موت اللبنانيّين من أجل أن ينزل الإسرائيليّون إلى الملاجئ



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon