توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان: المشكلة هي الوظيفة!

  مصر اليوم -

لبنان المشكلة هي الوظيفة

بقلم : حازم صاغية

مع التوتّر اللبنانيّ الذي ظهر في 1969، ليسطع في 1973 ثمّ على نحو أكبر في 1975، برزت نظريّة تقول إنّ مصدر الأزمة يكمن في 1966. لماذا؟ لأنّ انهيار بنك إنترا عامذاك دلّ على اختناق الرأسماليّة اللبنانيّة ولم يترك من المخارج إلاّ الانفجار. تفسير الحرب اللاحقة بانهيار بنك إنترا، وهو ما توصّل إليه بعض اليسار اللبنانيّ قبل أن يطويه النسيان، لم يكن بريئاً. هدفه كان حجب الأنظار عن السبب الفعليّ الذي هو السلاح الفلسطينيّ واللبنانيّ.
هذا لا يعني إطلاقاً أنّ الاقتصاد اللبنانيّ سليم ومعافى، ناهيك عن أن يكون عادلاً في توزيعه، وهو بالطبع لا يبرّئ قطاعه المصرفيّ خصوصاً من نهب اللبنانيّين. لكنّه، مع ذلك، يحاول توزيع المسؤوليّات بشيء من العدل، كما يحاول الحدّ من مفاعيل الخداع الذي يستخدم «التحليل» من أجل تحويل الأنظار عن المسؤول الرقم واحد.
توضيحاً للصورة، لا بأس بطرح سؤالين:
لنفترض أنّ اقتصادنا يمنح الغلبة للإنتاج على الاستهلاك والخدمات، هل كانت الأمور لتتغيّر كثيراً في ظلّ إدارة الظهر العربيّة والغربيّة ردّاً على الخيارات السياسيّة المعتمَدة في لبنان؟
في المقابل، هل كان مُحتّماً أن تنتهي الأمور إلى الكارثة التي انتهت إليها فيما لو أُرفق هذا الاقتصاد الرديء إيّاه باهتمام ورعاية عربيّين ودوليّين؟
الإجابة عن السؤالين قد تساهم في تصويب النظر وتسليط الضوء على السبب الأوّل، وإن لم يكن السبب الأوحد، وراء المأساة. إنّه حصراً وتعريفاً سبب سياسيّ يمكن وصفه بالنجاح في تغيير وظيفة لبنان.
فلبنان، وإلى حدّ بعيد، كان بلداً – وظيفةً، وفحوى الوظيفة تقديم نموذج مختلف عن الأنظمة العسكريّة والأنظمة الدينيّة أو شبه الدينيّة، نموذجٍ يستطيع أن يتفاعل مع الحداثة ويتيح فرصة معقولة للعمل الحزبيّ والنقابيّ وللحرّيّات الإعلاميّة، وأن يكون تالياً على علاقة جيّدة مع العالم العربيّ كما مع بلدان الغرب. مثل هذه العلاقة كانت، ولا تزال، حاجة اقتصاديّة، لكنّها أيضاً حاجة سياسيّة وثقافيّة وتعليميّة. تشوّهات ونواقص كثيرة كانت تسم هذه الوظيفة وأداءها، لكنّها تبقى أفضل ما عرفناه حتّى الآن. التفاوت بين اللبنانيّين في مسافتهم عن السلطة والثروة، وكذلك منازعات الطوائف، لم تكن تفيض عن ضفاف تلك الوظيفة. معارضو «الهيمنة المارونيّة» من المسلمين التقليديّين لم يكونوا أقلّ تمسّكاً بها، وإن اعترضوا، بين فينة وأخرى، على مقاديرها، أو على طرق اشتغالها، أو على ما اعتبروه انحيازاً في تطبيقها. أمّا التجاوب مع هذه التحفّظات فظلّ ممكناً: أوضح تعابيره حملته الشهابيّة في أواخر الخمسينيّات، ثمّ «اتّفاق الطائف» أواخر الثمانينيّات. في الحالتين، كان التوافق العربيّ – الغربيّ ضامناً للصيغتين.
الانقلاب على تلك الوظيفة وتبنّي وظيفة أخرى، مدارُها المقاومة، اتّخذ طريقاً طويلاً ومتعرّجاً. في البداية كان التشهير بلبنان: إنّه «كرتونيّ» و«نتاج تجزئة»، ازدهاره هو ازدهار الفندق والكاباريه، وديمقراطيّته مسخ غربيّ، وأرزته قرنبيطة. وفي الستينيّات، وجد الهجاء تجسيده الحيّ في المقاومة الفلسطينيّة التي طرحت تحويل لبنان «جسراً لتحرير فلسطين». لكنّ الارتباط العربيّ العميق لتلك المقاومة، وسعيها إلى إحراز اعتراف العالم الغربيّ، لجَمَا الرغبة في الانقلاب على وظيفة لبنان. إلى ذلك، كانت فلسطينيّة المقاومة مانعاً آخر، بينما كان حلفاؤها اللبنانيّون أضعف من أن ينفّذوا الانقلاب. المهمّة تولّتها الوصاية السوريّة على نحو أكفأ: تطبيق اتّفاق الطائف بما يحابي «حزب الله» وسلاحه، التفريغ المتواصل للمؤسّسات اللبنانيّة، تدمير العمود الفقريّ التقليديّ، المسيحيّ والجبل لبنانيّ، للكيان، والعمل على توسيع قاعدة مسيحيّة يستند إليها الوضع الجديد. مرارات حرب الجبل والابتزاز بـ «العمالة لإسرائيل» سهّلا هذه المهمّة. التحوّلات السكّانيّة دعمت هذا التوجّه...
هكذا قُطع شوط بعيد على طريق تغيير الوظيفة. مع «حزب الله» حصلت النقلة النوعيّة. فالحزب يستحوذ على القضيّة السحريّة التي تشلّ كلّ نقاش، وهي مقاتلة إسرائيل، لكنّه، على عكس المقاتلين الفلسطينيّين، لبنانيّ الجنسيّة، وعلى عكس القوميّين السوريّين والشيوعيّين والبعثيّين، يملك تمثيلاً سياسيّاً وبرلمانيّاً لم يسبق أن حظي به طرف راديكاليّ مناهض لوظيفة لبنان التقليديّة. فوق هذا، تدعم «حزبَ الله»، بالمال والسلاح، دولة غنيّة وقويّة هي إيران. مقتل رفيق الحريري في 2005 أزاح من طريقه السلطة الفرعيّة التي توازن سلطته. انسحاب الجيش السوريّ من لبنان جعله المتعهّد الأوّل والأخير للوظيفة الجديدة. تحالفه مع العونيّين وفّر له الغطاء المسيحيّ. نجاحه في مأسسة النظريّة الخرقاء «شعب وجيش ومقاومة» كرّس حقيقة أنّ الدولة هي بالضبط استحالة الدولة. كلّ شيء بات ممكناً.
مع صعود الوظيفة الجديدة، ولّى لبنان القديم «الرجعيّ» و«العميل». انتصر، في المقابل، لبنان المقاومة والتحرّر الوطنيّ، وبانتصاره انتصرت القطيعة مع العالمين العربيّ والغربيّ، وأصبحنا ممرّاً لعبور الحدود جنوباً وشرقاً، وفردوساً لتخزين نِترات الأمونيوم والبنزين المهرّب، ولاشتباكات الجماعات والعشائر، وللجوع والمرض والتسوّل. أصحاب الكفاءات من كلّ صنف شرعوا يغادرون مثلما فعلوا في بلدان مجاورة استولى عليها ناطقون بلسان المقاومة والتحرّر الوطنيّ. عندنا، الشهداء وحدهم يتناسلون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان المشكلة هي الوظيفة لبنان المشكلة هي الوظيفة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon