توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فناء السياسة المحتمل...

  مصر اليوم -

فناء السياسة المحتمل

بقلم:حازم صاغية

سنة مرّت على اليومين الملعونين، ولم تُسمع مراجعة وحيدة جدّيّة وعميقة لما حصل. أين أخطأ القيّمون على العمليّتين؟ هل كان بالإمكان تفاديهما؟ ما العمل بعدهما؟ أي سبيل للتراجع ووقف الكارثة عند الحدّ الذي بلغته؟ وصمت كهذا من صفات الجثث.لكنّ ما هو أسوأ، أسوأ حتّى من المثقّفين، أنّ «حماس» و»حزب الله» لا يزالان يؤكّدان على الانتصار ويتشدّقان بالمضيّ في القتال. وحين بدا الثاني على شيء من الاستعداد للتعامل مع الواقع والمأساة، زارنا الوزير الإيرانيّ مبشّراً بأنّه ليس في الإمكان أحسن ممّا كان.

والحال أنّ السياسة، والفلسطينيّون واللبنانيّون في أمسّ الحاجة إليها، من أبرز ضحايا السنة المنصرمة.

فإسرائيل اختارت في ردّها عقيدةَ القوّة الصافية، أو دِيْن القوّة النافي للسياسة، قتلاً لا يميّز وتهديماً وتهجيراً. وبزعامة نتانياهو، وشراكة الأحزاب الدينيّة، بات «اليوم التالي» موضوعاً محرّماً، مثله مثل «الدولة الفلسطينيّة»، فيما الرأي العامّ الإسرائيليّ، الذي أشعرته العمليّتان بعدم الأمان، يؤيّد هذه التوجّهات ويدعو إلى مزيد منها.

هكذا عثرت على تتويجها مسيرة التقهقر التي بدأت في أواسط التسعينات، ارتداداً عن مشروع السلام الذي أطلقته أوسلو، وتوافق الطرفان النقيضان، اليمين القوميّ والدينيّ في إسرائيل، والمعسكر الأمنيّ والإسلاميّ في المشرق العربيّ وإيران، على قتله.

لكنْ فوق هذا، بات الاستيطان اليهوديّ في الضفّة الغربيّة والقدس من تعابير الاستفحال الإسرائيليّ المانع للسياسة. والآن، وفي المستقبل المنظور، سوف تثقل على صدر تلك السياسة زعامةُ نتانياهو التي كُتبت لها حياة جديدة، وأعمال الاستيطان، بالمتحقّق منها والمحتمل، ناهيك عن تأثيرات الحالة الحربيّة الدائرة اليوم ومفاعيلها النفسيّة على جانبي الصراع. وهذا فضلاً عمّا قد تستقرّ عليه أوضاع غزّة وجنوب لبنان ممّا يُستبعد أن يهدّئ المخاوف ويعزّز رهان المراهنين على السياسة.

أمّا عندنا، خصوصاً في غزّة ولبنان، فتترافق الآلام العظيمة مع فُرص ليس واضحاً كيف سيجري التعامل معها، وشواهد التاريخ تدعم التحفّظ. صحيح أنّ الإمبراطوريّة الإيرانيّة التي تنصحنا بالموت تعاني تصدّعاً بات معلناً، ومع الضربات التي نزلت بقوى الممانعة، تترنّح نظريّات الحلّ العنفيّ للصراع، بمقاومة أو بسواها. لكنّ هذا الصنف من الضربات تعاقب منذ 1967، فطال الأنظمة والمنظّمات التي رفضت الحلول التسوويّة واعتنقت، صادقةً أو كاذبة، دعوات «التحرير الكامل». ففي السنة المذكورة كانت النكسة التي ألمّت بالناصريّة والبعث، وفي 1973 ألمّت نكسة أخرى بفكرة إفضاء الحروب إلى «تحرير كامل» وليس إلى سياسة. وإذ اختار أنور السادات السياسة، اختار حافظ الأسد لفظيّة «التحرير الكامل»، جاعلاً منطقة المشرق مشاعاً للحروب الأهليّة وتسلّط الميليشيات. بعد ذاك، وفي 1982، هُزمت فكرة المقاومة المسلّحة من خارج فلسطين، وفي 2003 ابتدأ، مع سقوط صدّام حسين، التجرّؤ على الأنظمة الأمنيّة والعسكريّة، وعلى متاجرتها بدعوات «التحرير الكامل» وشقيقاتها.

لكنْ في هذه الغضون، كان يتنامى السعي الإيرانيّ لوراثة الموتى وإماتة الأحياء. فهو استثمر في انهيار النظام الصدّاميّ استثماره في إخفاقات منظّمة التحرير، وفي مَيْلَشَة المنطقة بلداً بلداً. وكان طبيعيّاً أن يتلازم سعيه هذا، وبشراكة النظام السوريّ، مع إحباط كلّ محاولة سلميّة، فلسطينيّة كانت أو أردنيّة أو لبنانيّة، مع المضيّ في أبلسة السلام المصريّ الإسرائيليّ الذي أرجع إلى مصر أرضها المحتلّة.

لكنّ إيران، على ما يبدو، قضمت أكثر ممّا تستطيع هضمه، وهكذا نراها اليوم تستفرغه ويستفرغها، ما يخلق احتمالاً نظريّاً في الانتقال إلى حقبة ما بعد الراديكاليّات الهائجة على أنواعها.

بيد أنّ الإفادة من تلك الفرصة وتحويل النظريّ إلى فعليّ يبقيان أمراً مشكوكاً فيه، خصوصاً إذا استمرّ نتانياهو في تعنّته حيال الدولة الفلسطينيّة، وتسهيله مهمّة الاستيطان، وحديثه عن «تغيير المنطقة» بوصفه علاجاً عقابيّاً. وهذا جميعاً يغذّي أوهام المضيّ في العنف والقتال ولو انتحاراً.

وحتّى لو انتهينا إلى وضع إيرانيّ عاجز عن جرّنا مجدّداً إلى الكارثة، تبقى نُذر الخراب ناشطة وديناميّة في مستويات عدّة من حياتنا. فالوضع الأهليّ المتعفّن في كافّة بقاع المشرق، والذي زادته الميليشيات تعفّناً، قابل للانفجار أضعاف قابليّته للتماسك والتضامن في مواجهة طرف خارجيّ. يزيد في احتمال كهذا ما أضافته حربا غزّة ولبنان، بعد الحرب السوريّة، من تهجير واسع تتعدّى آثاره الديموغرافيا والجغرافيا إلى الرابطة الوطنيّة نفسها وما تستدعيه من أدوات في التداول السياسيّ. وفي ظلّ الموارد الاقتصاديّة الشحيحة، وبالتالي تفاقم المعاناة التي تضرب الضحايا وتسدّ آفاقهم، يُخشى أن تجد النزاعات الأهليّة ما يشحذ شفرتها. هكذا تنمو على هوامش التهجير، خصوصاً إذا طال أمده، حالات رثّة، شبه ميليشيويّة وشبه مافيويّة.

وقبل هذا كلّه وبعده، لا يزال البحث عن سلطة قادرة، في لبنان أو في فلسطين، إمساكاً بالريح. فما من طرف يستطيع أن يملك القرار، عازلاً النفوذ الإيرانيّ وموحِّداً الشعب وراءه ومفاوضاً باسمه العالم. والسياسة، والحال هذه، تبدو مطروحة على الأرض ينتظر من يلتقطها، بحسب تشبيه شهير لسياسيّ روسيّ راحل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فناء السياسة المحتمل فناء السياسة المحتمل



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon