توقيت القاهرة المحلي 23:16:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل أنت تقسيميّ؟ هل أنت انفصاليّ أو انعزاليّ؟

  مصر اليوم -

هل أنت تقسيميّ هل أنت انفصاليّ أو انعزاليّ

بقلم:حازم صاغية

كلّما احتدم خلاف بين طرف عربي في العراق وطرف كرديّ، شهر الأوّل التهمة الجاهزة في وجه الثاني: أنت انفصاليّ. مسعود البارزاني، وقبله والده الراحل الملاّ مصطفى، كسرا الأرقام القياسيّة في التعرّض لهذه التهمة.
المسيحيّون في لبنان تنتظرهم أيضاً تهمة جاهزة تُستخدم كلّما وقفوا ضدّ طرف راديكالي في المنطقة: أنتم انعزاليّون وتقسيميّون. يكفي مدّ اليد إلى خزنة الشتائم العتيقة واستلال الشتيمة التي تمتدّ صلاحيّتها من الراحلَين إميل إدّه وأغناطيوس مبارك إلى سمير جعجع.
وبالطبع، فالانفصاليّة والتقسيميّة والانعزاليّة عناوين للتحالف مع إسرائيل، إن لم يكن في الحاضر فحتماً في المستقبل، وإن لم يكن في الواقع فحُكماً في النيات.
بالطبع، هذا التقييم لا يعدّله إطلاقاً أن يكون الطرف «الانعزاليّ» و«الانفصاليّ» على علاقة وثيقة بالكثير من الدول العربيّة. ذاك أنّ ما يعرّف «الانعزاليّة» و«الانفصاليّة» اليوم هي العلاقة بإيران، لا بالعرب.
الآن، موسم التشهير خصب، يزيد في تخصيبه أنّ إيران وتابعيها هم الذين يرون في سياسيي لبنان «الانعزاليين»، وفي زملائهم «الانفصاليين» في العراق، عقبات في وجه نفوذهم. إذاً فلتلمع السكاكين ولتكثر الطعنات. ذاك أنّ التحالف الإيراني هو الذي يملك أكبر مصانع التسميات والألقاب، والقاعدة التي لا تخطئ تقول إنّ الأكثر أدلجة هو دائماً الأطول لساناً.
نتذكّر، بالمناسبة، أنّ «الانفصاليّة» كتهمة قاتلة كانت قد استُخدمت على أوسع نطاق أوائل الستينات، حين انفصلت سوريّا عن «الجمهوريّة العربيّة المتّحدة» التي جمعتها بمصر منذ 1958. السوريّون، بأكثريّتهم الساحقة يومذاك، رأوا أنّ الوحدة التي قامت، بطلب من بعض ضبّاطهم، فرضت عليهم نظاماً لا يطيقونه. حرّيّاتهم قُلّصت كثيراً واقتصادهم تمّ اعتصاره واستتباعه. هكذا تولّى بعضٌ آخر من ضبّاطهم كسر تلك الوحدة الالتحاقيّة كما لو أنّهم يعتذرون عمّا فعله الضبّاط الآخرون قبل أعوام ثلاثة. لكنْ بما أنّ جمال عبد الناصر كان ممثّل الراديكاليّة العربيّة يومذاك، وكان، بخطاباته وإعلامه، شيخ صنّاع التسميات والألقاب، بات ملايين السوريين انفصاليين ملعونين.
مروّجو تلك التسمية لم يستوقفهم بتاتاً ما يريده السوريّون لأنفسهم، وما يعانونه ويحاولون التخلّص منه.
فإذا كان شعب، يقارب يومذاك الخمسة ملايين، وأكثريّته عربيّة ومسلمة سنّيّة، معرّضاً لأن يوصف بالانفصاليّة، فما الرادع دون استخدام أوصاف كهذه بحقّ أكراد العراق، وهم غير عرب، أو مسيحيي لبنان، وهم غير مسلمين، أو أي أقلّيّة، دينيّة أو إثنيّة، أخرى؟
والحال أنّ العام 1963 السوريّ، الذي كان عام «الردّ على الانفصال» بوصول حزب البعث إلى السلطة، كان محطّة بارزة على هذا الصعيد: فالحزب المذكور الذي كان من المعترضين القلائل على الانفصال (رغم موافقته عليه في البداية)، جرّد حملة عسكريّة ضدّ كُرد العراق، أو «الانفصاليين البارازانيين العصاة». يومها كان بعثا سوريّا والعراق لا يزالان حزباً واحداً، فأنجد الفرعُ السوري الفرعَ العراقي في حملته على الشمال. بعد ذاك تحوّل البعث السوري إيّاه إلى رائد في استخدام صفة «الانعزاليّة اللبنانيّة» وفي إخضاع اللبنانيين، «انعزاليين» كانوا أو غير انعزاليين، وابتزازهم بالتسمية الملعونة.
واقع الأمر أنّ مشكلة هذه الثقافة السياسيّة متعدّدة الأوجه: فعندها، وكما تشي -خصوصاً- تجربتا البعثين في سوريّا والعراق، تقيم عبادة الوحدة في جوار تصديعها: النظام يمعن في تفتيت المجتمع، وفي إعلاء بعضه وتمييزه مقابل خفض بعضه الآخر على قاعدة طائفيّة أو إثنيّة. فإذا عبّر المُستبعَد عن رغبته في وقف استبعاده، غدا هو التجزيئي وهو الانفصاليّ... والمبدأ المعمول به أن مخرّب الوحدة هو من يصرخ من الضرب لا مَن يضرب. إنّه من يردّ على الفعل ويسمّيه باسمه، وليس من يفعل الفعل ويموّهه بأسماء أخرى.
وهذا جميعاً تسنده ثقافة عديمة الحسّ بالديمقراطيّة، لا تعبأ بالطرف الأصغر أو الأضعف، ولا بهمومه أو تكوينه الثقافي الخاصّ. هكذا تغيب أسئلة بدهيّة يغدو طرحها هو الخيانة بعينها: فالخيانة، وفق هذه النظرة الحولاء، هي ألا يتحمّس الكرد العراقيّون لـ«عروبة العراق»، وألا يتحمّس مسيحيّو لبنان للتضحية ببلدهم من أجل قتال إسرائيل. أمّا أن يفصم السوريّون عُرى الوحدة العربيّة المجيدة التي قضمت حرّيّاتهم واقتصادهم فجريمة يندى لها الجبين!
ومرّة أخرى إذاً نرى الآيديولوجيا تُستخدم ضدّ الحرّيّة والإرادة –الآيديولوجيا التي يزعم أصحابها لأنفسهم امتلاك الحقّ والحقيقة، ولا يقبلون أي وجهة نظر أخرى، أو امتحان صوابهم المزعوم على تجريب الحياة.
ومعضلة هذا الطرف المتّهِم أنّه مأزوم، أحد منابع أزمته أنّه يريد التوحيد لغةً فيما يفتّت بالاستبداد ما تبقّى من وحدة. ولأنّه كذلك تغدو المنطقة مساحة جغرافيّة لا تُطاق، أو مَركباً يغرق ويفرّ منه مَن يستطيع الفرار. هكذا يغدو السؤال السليم والعادل في منطقتنا ليس: لماذا تريد أن تنفصل أو تنعزل أو تقسّم؟ السؤال السليم والعادل يغدو: لماذا تريد أن تبقى متّحداً؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل أنت تقسيميّ هل أنت انفصاليّ أو انعزاليّ هل أنت تقسيميّ هل أنت انفصاليّ أو انعزاليّ



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 18:02 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
  مصر اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم الدشاش

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 06:04 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 14:18 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

من أي معدن سُكب هذا الدحدوح!

GMT 21:19 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تربح 7.4 مليارات جنيه ومؤشرها الرئيس يقفز 1.26%

GMT 21:48 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon