توقيت القاهرة المحلي 18:47:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بين فشل أميركا وفشل أفغانستان وفشلنا!

  مصر اليوم -

بين فشل أميركا وفشل أفغانستان وفشلنا

بقلم: حازم صاغية

لو كنت ممانعاً لواجهني الانسحاب الأميركيّ من أفغانستان بمعضلتين:

الأولى تأخذ شكل الحيرة: من جهة، سيكون مُغرياً لي الحديث عن هزيمة أميركيّة مطنطنة تكرّر الهزيمة الفيتناميّة أواسط السبعينيّات. سيكون مغرياً أن أقول: «خرجت أميركا تجرجر أذيال الهزيمة»، أو «تمّ تمريغ رأس الإمبراطوريّة في الوحل»... عبارات تملأ الرأس وينتفخ لها الصدر!
من جهة أخرى، سيكون مُغرياً بالقدر نفسه أن أؤكّد أنّ أميركا افتعلت هذه الهزيمة كي تُضرّ بإيران والصين وروسيا. المُغري هنا توكيدُ صورتها «الشيطانيّة» بوصفها مصنعاً للمآكد والشرور.
الممانع النمطيّ لم تأخذه الحيرة. حلَّ المعضلة بأن روى «التحليلين» المتضاربين معاً: أميركا انهزمت لأنّها ضعيفة، وأميركا هزمت نفسها لأنّها شرّيرة.
المعضلة الثانية أنّ من يهزم أميركا يُفترض به أن يكون، وفق التصانيف الجاهزة، «حركة تحرّر وطنيّ». «طالبان» هي ما يصعب على يساريّ أو ماركسيّ أو قوميّ يصف نفسه بالعلمانيّة أن ينعتها بهذا النعت. ما العمل إذاً؟ نمتدح الهزيمة التي أُنزلت بأميركا وننسبها إلى «الشعوب» الغامضة، فيما نحيط بالكتمان الطرف المحدّد الذي أنزلها بها. يُترك للإسلاميّ الراديكاليّ، السنّيّ لا الشيعيّ، أن يحتكر قول العبارة كاملةً: المجد لهزيمة أميركا على يد طالبان.
هذا، على أيّ حال، ليس موضوعنا. فشل أميركا، بجميع التباساته وتعقيداته، وبتضارب تأويلاته واحتمالاته المستقبليّة، سيكون مادّة تعيش عليها طويلاً الجغرافيا السياسيّة وتستهلكها التحليلات الاستراتيجيّة. هذا بالطبع لا يقلّل بتاتاً من ضخامة الحدث الأفغانيّ أميركيّاً ودوليّاً، إلاّ أنّه يطرح علينا عنواناً أشدّ إلحاحاً، أو أقلّه، أشدّ مباشرةً. إنّه أفغانستان الطالبانيّة.
فعلى رغم ما يقال اليوم عن «مراجعاتها» و«تحوّلاتها»، وما يقوله قادة طالبان عن «تغيّرهم»، فإنّ السجلّ المعروف لا يحمل على الثقة بمستقبل أفغانيّ في ظلّ طالبان. الكثير الكثير ينبغي فعله قبل الاطمئنان إلى أمور ستّة على الأقلّ:

    أنّ ذاك البلد لن يُزجّ في مهبّ الفوضى الأهليّة والدمويّة ما بين إثنيّاته، وربّما داخل إثنيّاته نفسها. ما يُنقل عن وادي بنجشير يعزّز هذا التقدير.
    وأنّ علاقات أفغانستان مع جيرانها لن تكون بالغة التوتّر، وستكون منزّهةً عن الحروب التي تكمّل وتؤجّج النزاعات الأهليّة.
    وأنّ أوضاع النساء والفتيات فيها لن تتردّى، وأشكال العقاب لن يُعمَل بها مجدّداً.
    وأنّ النظام الذي سيقوم، إذا تمّ تجنّب الحرب الأهليّة، لن يكون (كما كان حتّى 2001) سجناً كبيراً لعموم الأفغان.
    – وأنّ النازحين واللاجئين الذين هم اليوم سُدس مجموع السكّان لن تتزايد أعدادهم ولن يشكّلوا سبباً آخر لتسعير العنف والحروب في الداخل ومع الخارج. آلاف الذين يتدافعون اليوم، محاولين الهجرة أو الفرار، إيحاء مبكر بذلك.
    وأنّ صورة الإسلام في العالم، والأهمّ ما ينجم عن ذلك في ما خصّ أوضاع المسلمين في الغرب، لن يصبحا أسوأ حالاً، بفضل طالبان، وأنّ رايات «صراع الحضارات» لن تزداد ارتفاعاً وخفقاً، ومعها نظريّات «الاستثناء الإسلاميّ»، فضلاً عن «الاستثناء العربيّ».
    هذا كلّه من دون، وربّما من قبل، أن تنبعث من أفغانستان «طليعة» أخرى كـ«القاعدة» وترتكب ما سبق أن ارتُكب في نيويورك وواشنطن. هذا قد لا يحدث حرصاً من النظام على بقائه وعدم تكرار إطاحته، كما في 2001، لكنّه أيضاً قد يحدث، بسبب الطبيعة الآيديولوجيّة لطالبان، وربّما المنافسات بين جماعات وأجنحة إسلاميّة مزايدة في تشدّدها.
    ندع ذلك جانباً لنلاحظ ما يصعب أن لا يُلاحَظ. فرغم «التطمينات»، وهي على الأغلب ما يتطلّبه الاستقرار في السلطة، ترتسم بعض القضايا التي أثارها الانتصار الطالبانيّ الأخير ممّا يعنينا كعرب على نحو مباشر:
    أوّلاً، تعلن عودة طالبان إلى كابُل أنّ الأمل بأفغانستان، وحتّى إشعار آخر، أمل ضعيف وضئيل، ويعلن الاحتفال العربيّ بتلك العودة أنّ البؤر الأفغانيّة في مجتمعاتنا ليست قليلة أو ضعيفة. نردّ ذلك إلى القهر والفقر والإحباط إلخ... هذا صحيح، لكنّ النتيجة الكارثيّة واحدة.
    ثانياً، ترسم تلك العودة احتمال انسداد كبير: لا التغيير ممكن من الخارج، وعبر مشاريع «بناء الأمم» و«إقامة الديمقراطيّات»، وليس ممكناً أيضاً من الداخل، وأفغانستان تكثيف وربّما مستقبل لسواها. لقد هُزمت ثورات قامت في سبيل الحرّيّة، ووحدها طالبان انتصرت!
    ثالثاً، طالبان ليست ضدّ «الاستعمار الغربيّ» أو «الإمبرياليّة الغربيّة». إنّها ضدّ الغرب. ضدّ حرّية النساء. ضدّ الدواء. ضدّ التعليم. ضدّ التنوير... العداء لها ليس موقفاً سياسيّاً، إنّه موقف حياتيّ وإنسانيّ. حيال ذلك، لا يعود الرأي بأميركا وسياستها سوى حاشية وتفصيل.
    رابعاً، تعود طالبان إلى كابُل فيما «داعش» ومثيلاتها لم تُهزم. والحال أنّه في ظلّ أنظمة كنظام بشّار الأسد، وفي ظلّ سطوة الميليشيات الشيعيّة في العراق، والتجبّر العونيّ – «الحزب الهيّ» في لبنان، قد تدغدغ طالبان شعوراً سنّيّاً بإحباط عميق. ودوماً للإحباط، بغضّ النظر عن شرعيّة أسبابه أو عدم شرعيّتها، بطن خصب. فلنتذكّر التفاعل الشعبيّ مع الثورة الخمينيّة في 1979 أو مع غزو صدّام حسين للكويت في 1990...
    هذا كلّه يقول كم أنّ فشل أفغانستان، وإلى حدّ بعيد فشلنا، مسألة وجوديّة صلبة وعميقة. فحين لا يُعنى الممانعون إلاّ بفشل أميركا، يكونون، في الحدّ الأدنى، يحتقرون منطقتنا كلّها، وبالأخصّ 38 مليون أفغانيّ. أمّا احتقار النفس فأمر مُسلّم به.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين فشل أميركا وفشل أفغانستان وفشلنا بين فشل أميركا وفشل أفغانستان وفشلنا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon