توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

  مصر اليوم -

 عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»

بقلم:حازم صاغية

منذ سنوات قليلة، وخصوصاً بعد «طوفان الأقصى»، راح يظهر تعبير جديد هو «الممانعة المضادّة»، أو «الأنتي ممانعة»، والذي يقصد قائلوه أنّ الطرفين النقيضين يتحكّم بهما منطق واحد في التفكير والعمل. أمّا اصحاب القول فيقترحون ضمناً أنّهم هم الذين يمثّلون التركيب الذي يضعهم «فوق» الموقفين المتعارضين، أو أنّهم يمارسون لصق الموقفين وتلفيقهما ثمّ التموضع في وسطٍ «بينـ»ـهما.

وأغلب الظنّ أنّ الحجّة هذه سهلة دائماً سهولة «لا هذا ولا ذاك». إلاّ أنّ ظاهرها الحِكَميّ ليس فعليّاً سوى الوجه الآخر لانسداد طريقها إلى السياسة، تماماً كما حين يُطلب الرأي من شيخٍ تُنسب إليه الحكمة، ثمّ يُطلب من آخرين، فاعلين ونشِطين، تدبّر هذا الرأي الحكيم وتحويله إلى واقع ووقائع.

أسوأ من ذلك أنّ نظريّة «الممانعة والممانعة المضادّة» تهب الممانعة موقع الأصل والتأسيس، أو تجعلها الأطروحة الأولى، فيما تمنّ على «الممانعة المضادّة» بوظيفة الردّ أو الأطروحة الثانية النقيض.

والحقّ أنّ تصنيفاً كهذا ينهار كلّيّاً حين نعتبر أنّ وجود دول وأوطان هو الأصل والتأسيس، أو هكذا ينبغي أن يكون الأمر لدى أيّة جماعة وطنيّة في العصر الحديث. وعن المقدّمة هذه، وما تفترضه من نظام أولويّات، يصدر الموقف من كلّ ما يقع خارج حدود الدولة الوطنيّة. أمّا الممانعة، ومنذ أسلافها في الأنظمة العسكريّة والأمنيّة التي انبثقت من آيديولوجيّات القوميّة العربيّة، فترهن الموقف من الداخل الوطنيّ والحكم عليه بالموقف ممّا يقع خارج حدود الدولة الوطنيّة. هكذا يبدو الأمر كما لو أنّ الدول القائمة مجرّد ترتيبات إداريّة مؤقّتة فيما الشرعيّة تُستَمدّ من «أمّة» آيديولوجيّة، عربيّة أو إسلاميّة، غير قائمة في الواقع. وبالمعنى هذا، يستحقّ نظامٌ ما أن يُقلَب لأنّه لا يقاتل إسرائيل، أو أن يُمدَح لأنّه يقاتلها، و»لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» في الصراع مع الدولة العبريّة. ومنذ 1979، بات هذا المعيار يتغذّى على معيار آخر مفاده أنّ الوطنيّ هو الذي يتحمّس لموقع نفوذ إيرانيّ في بلده ما دام أنّه يقاتل إسرائيل.

والحال أنّه قبل الحرب الحاليّة، بل قبل حروب «مصيريّة» و»قوميّة» كثيرة، كان ثمّة رأي عريض يدين «حزب الله»، ويدين، قبلهما، أنظمة التجبّر الأمنيّ في المشرق. وهذا ما لم يصدر فحسب عن رداءة السياسات الداخليّة لتلك الأطراف، بل أيضاً عن قيام تلك السياسات، وإلى أبعد مدى ممكن، على تغليب العنصر العابر للحدود، أكان ذلك صدقاً أم كذباً. والأمران إنّما يستحيل فصل واحدهما عن الآخر تبعاً لاندراجهما معاً في نظام مفهوميّ وسياسيّ واحد. فإذا كانت حجّة القائلين «لا هذا ولا ذاك» أنّ «حزب الله» وحلفاءه لا يقاتلون إسرائيل «فعلاً»، فإنّ الحجّة تلك تبدو اليوم سقيمة جدّاً، لأنّ الحزب يقاتلها، والمشكلة هي بالضبط أنّه يقاتلها فيكون قتاله لها الوجه الآخر المكمّل لقتلنا نحن. وهذا ما يملي موقفاً مباشراً من مبدأ «قتال إسرائيل» بوصفه أولويّة ومعياراً حاكماً.

بلغة أخرى، فإنّ الالتزام الأخلاقيّ والانسانيّ والثقافيّ بالحقّ والدولة الفلسطينيّين شيء، والاندفاع في حرب تحتقر الإرادة الشعبيّة في بلد بعينه شيء آخر. كذلك فإنّ أقصى الإدانة للوحشيّة الإسرائيليّة، المعبّدة بجرائم الحرب المتواصلة، لا ينبغي أن تستدعي هذه الوحشيّة إلى الداخل الوطنيّ شرطاً لـ»وطنيّتها». وإنّما للتمييز هذا يغدو الموقف من «حرب الإسناد»، أي منها هي نفسها كمبدأ لا كممارسات تفصيليّة، معياراً حاكماً: ذاك أنّ الموافقة عليها لا تجد أيّ سند في موقف وطنيّ سياديّ، لكنّها تجد الكثير من الأسانيد في مقاربة العالم قوميّاً أو دينيّاً أو شعبويّاً بالمعاني الدارجة.

وأغلب الظنّ أنّ نظريّة «لا هذا ولا ذاك» تجمع بين تأويل للعالم لا تزال القوميّة العابرة للحدود، وربّما الدين، يلعبان فيه دوراً وازناً، وتطلّعات مدارها الوطنيّة والعدالة والحرّيّة. وإذ ينشطر الواقع الفعليّ بين الأولويّتين، ويتبدّى يوماً بيوم أنّ جمعهما مستحيل، تغدو نظريّة «لا هذا ولا ذاك» أقرب إلى وعظ مشوب بتوزيع الإدانات يمنة ويسرة على الطرفين.

فهل يُفترض مثلاً، مع ضعف «حزب الله» تبعاً للضربات الإسرائيليّة، أن لا تتقدّم الدولة اللبنانيّة لملء الفراغات التي يتركها هذا الضعف لأنّ في ذلك «رهاناً» على إسرائيل؟ وهل كان ينبغي رفض تمدّد الشرعيّة إلى المطار والمرفأ وسواهما من المرافق لأنّ هذا التمدّد يستفيد من وقائع حربيّة أنتجتها أفعال إسرائيليّة؟ واستطراداً، ماذا عن مبدأ نزع سلاح «حزب الله»، ونزع سلاح أيّ حزب كان، بغضّ النظر عن صراع هذا الحزب مع إسرائيل أو عدمه؟

أمام أسئلة عمليّة كهذه لا يتّضح الفارق بين الممانعة و»الممانعة المضادّة» فحسب، بل تتّضح أيضاً استحالة التوفيق بينهما، وكذلك استحالة «تركيبهما» في كلٍّ أعلى، أو الوقوف في وسطٍ ما بينهما. وما الأحداث التي تُعاش دماً وخراباً سوى نبع من البراهين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»  عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»



GMT 09:41 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 09:40 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 09:35 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 09:33 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 09:32 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

GMT 09:31 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تخطَّوْا الخطَ الأول؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon