توقيت القاهرة المحلي 11:04:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قوّة إسرائيل المقلقة بين تعطيلها وتفعيلها

  مصر اليوم -

قوّة إسرائيل المقلقة بين تعطيلها وتفعيلها

بقلم:حازم صاغية

مرّةً بعد مرّة يلحّ تأكيد المؤكّد: فإسرائيل تُقلق أهل المنطقة، وهي ينبغي أن تُقلقهم، لأسباب لا تقتصر على الحقّ الفلسطينيّ وردع الاستيطان واحتلال أراضٍ عربيّة. فإلى ذلك كلّه، هناك:

أوّلاً، كونها آلة تقنيّة جبّارة مسلّحة بأنياب نوويّة،

وثانياً، استيلاء وعي أمنيّ هستيريّ عليها، ما ينقلب وعياً إباديّاً في أيّة لحظة،

وثالثاً، أنّ القوى الدوليّة المؤثّرة تلتزم «الدفاع عنها»، ناهيك عن ضمان إفلاتها من العقاب،

ورابعاً، أنّ النسيج الاجتماعيّ لبلداننا مهلهل وضعيف الإجماع، ما يمكّنها من توظيفه إمعاناً في تفتيته،

وخامساً، أنّ حكّامها الحاليّين خلاصة أسوأ ما في القوميّة وما في التديّن السياسيّ مصحوبَين باستعداد كولونياليّ جلف وبائد لقضم الأرض وطرد السكّان،

بيد أنّ معالجة العامل الإسرائيليّ لا تتمّ بتعاويذ فقيرة ومتهالكة، كمقاومة الاحتلال والتحرير ونزع الاستعمار، مع دوام الاستشهاد بفيتنام والجزائر. وهذا ليس مردّه فقط إلى تغيّر الأزمنة، واختلاف تركيب القوى المعنيّة بالصراع، وتحوّلات العالم وتوازناته، ناهيك عن أنّ تجارب التحرّر الوطنيّ ليست منائر مضيئة تغري بالتقليد. فالفارق، إلى هذا، أنّ الصراع هنا يدور على أرض صغيرة واحدة، بين جماعات شديدة التداخل جغرافيّاً واقتصاديّاً. وبالنتيجة ليست هناك قوّةً «تعود إلى بلادها» كما عاد الفرنسيّون والأميركيّون من الجزائر وفيتنام إلى فرنسا والولايات المتّحدة. فإذا أضفنا الفارق التقنيّ، ارتسمت حالة قد لا نبالغ إذا وصفناها بالفرادة في العالم.

واليوم، وبعد التجارب الكثيرة على أنواعها، بالعسكريّ منها والسياسيّ، تواجهنا الحقيقة التي لم تكن صحيحة كما هي صحيحة راهناً. فالفارق التقنيّ يجعل التفكير بالعنف كحلّ للمعضلة الكبرى أقرب إلى انتحار مُعمّم، فحين نضيف الدعم الأميركيّ والغربيّ الهائل لإسرائيل يغدو الانتحار وصفاً لطيفاً لا يفي بالغرض. ولا بأس بالتذكير هنا بأنّ محمّد حسنين هيكل إيّاه كان قد حذّر العرب منذ أواخر الستينات من «مناطحة الثور الأميركيّ»، وهذا علماً بأنّ هيكل لم يكن في معسكر «الاستسلاميّين الجبناء»، بل كان الناطق بلسان عبد الناصر وأحد أبرز مهندسي سياسته. وجدير بالذكر أنّ الذين اختاروا «المناطحة» يومها ما لبثوا أن غرقوا وأغرقوا المنطقة في حربين أهليّتين في الأردن ولبنان، ثمّ في غزو إسرائيليّ.

ونحن نعرف أنّ تاريخ المواجهات مع الدولة العبريّة أفضى إلى نكبات وكوارث وتراجع في الوعي العامّ، فضلاً عن تعاظم التسلّط، الميليشيويّ كما النظاميّ والأجنبيّ، على شعوب المنطقة.

وما يُستنتج من ذلك، أقلّه نظريّاً، أنّ الحلّ السياسيّ هو وحده ما يبدّد أسباب قلقنا من إسرائيل ويدجّنه. لهذا كان جرّها إلى معركة سياسيّة تنتج حلاًّ هدفاً دائماً تسعى إليه الأنظمة العربيّة غير الراديكاليّة، ومنظّمة التحرير الفلسطينيّة منذ برنامج «النقاط العشر» أواسط السبعينات، ولكنْ خصوصاً بعد 1982.

وهنا نعود إلى المربّع الأوّل حيث تنتصب نظريّتان يمكن عبر إحداهما تفسير تاريخ الصراع وصولاً إلى اليوم. فهناك نظريّة الأكتوبريّين البسيطة، ومفادها أنّ تجاهل القضيّة الفلسطينيّة وترك الفلسطينيّين في مواجهة الاحتلال والصلف الإسرائيليّين هو الذي يفسّر 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بوصفها تحرّراً وطنيّاً من الاحتلال. وهناك نظريّة أخرى، يُراد حجبها وتجاهلها، مفادها أنّ المنطقة عرفت ما لا يقلّ عن عشر محاولات سياسيّة لحلّ المشكلة أحبطتها الأنظمة العسكريّة العربيّة، ثمّ منذ 1979 ضمّت إيران الخمينيّة جهودها إلى جهود تلك الأنظمة. ذاك أنّ الأنظمة تلك وجدت دائماً في القضيّة الفلسطينيّة وفي استحالة حلّها شرعيّة تعوّضها شرعيّتها المفقودة.

وفي هذا التاريخ المديد من رفض «أنصاف الحلول» و»مؤامرات التسوية التصفويّة»، والتشهير بـ»مؤامرة كامب ديفيد» وبـ»اتّفاق الإذعان في 17 أيّار» وبـ»الخيانة العرفاتيّة»، ومن أعمال الاغتيال التي طالت «تسوويّين» فلسطينيّين وسوريّين ولبنانيّين وأردنيّين، تطوّر أمران:

من جهة، تعاظم تديين القضيّة التي ينبغي «عدم تلويثها» بالسياسة والحلّ السياسيّ، وفي التديين هذا لعب المثقّفون الذين يغرقون في شبر ماء دور نشر الرسالة وتعميمها،

ومن جهة أخرى، شعور باستحالة الحلّ السياسيّ والضجر تالياً من قضيّة لا تُحلّ، قضيّةٍ نجح المحور الإيرانيّ-السوريّ في استخدامها كنوع من الفيتّو على سيادات الدول الأصغر والأضعف، وفي الإمعان في هلهلة نسيج تلك الدول المهلهل أصلاً.

وتمكّن المحور المذكور، عبر إرهاب «حماس»، من تدمير أوسلو، بالتكافل والتضامن مع أقصى اليمين الإسرائيليّ الذي اغتال رابين. هكذا بُدّد معسكر السلام الذي انتمت إليه أكثريّة الإسرائيليّين ذات مرّة، ومذّاك راحت كلّ حكومة إسرائيليّة تبزّ سابقتها في التطرّف وتشجيع الاستيطان.

واليوم يُسجّل لعمليّة 7 أكتوبر، التي توصف بـ»وضع القضيّة على الطاولة»، أنّها نجحت في ضرب المسار السياسيّ وربّما أرجعته أكثر من عشرين عاماً إلى الوراء، ناسفةً «الطاولة» من أساسها، ومؤسِّسة نكبة ثانية أبشع من الأولى، وهذا فضلاً عن إنقاذها روايةَ النظامين الإيرانيّ والسوريّ عن النزاع.

فقد انتهينا إلى انسدادين سياسيّ وعسكريّ، فيما الثور الهائج يزداد هياجاً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قوّة إسرائيل المقلقة بين تعطيلها وتفعيلها قوّة إسرائيل المقلقة بين تعطيلها وتفعيلها



GMT 08:07 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمشق وطهران والحرب الجديدة

GMT 08:06 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«الصراع من أجل سوريا»

GMT 08:05 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غزة. غزة... بقلم «جي بي تي»!.. بقلم «جي بي تي»!

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

... أن تكون مع لا أحد!

GMT 08:02 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غول الترمبية والإعلام الأميركي... مرة أخرى

GMT 08:01 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الصراع في سوريا وحول سوريا

GMT 08:00 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

سوريا واللحظة الحرجة!

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ترمب ــ «بريكس»... وعصر القوى المتوسطة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
  مصر اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon