توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أفغانستان: أكثر من حرب على صوت المرأة

  مصر اليوم -

أفغانستان أكثر من حرب على صوت المرأة

بقلم :حازم صاغية

حينما يوصف أحدهم بأنّه «مسموع الصوت»، يكون المقصود أنّه مؤثّر أو نافذ. فالصوت أداة قوّة وتمكين، ولأنّه كذلك كان مَن يطالب أو يحتجّ «يرفع صوته»، فحين لا يُلبّى طلبه يرفعه أكثر إلى أن يغدو صراخاً، والصراخ صوت. ولم يكن بلا دلالة أنّ الانتخاب سُمّي «تصويتاً» لأنّ المواطن، عبر صوته، يعلن خياره لحياته ولعالمه المحيط. وبدوره، فالطفل الوليد يباشر الحياة بإطلاق صوت، وهكذا فبالصوت تبدأ حياة الأحياء وإشعارهم الآخرين أنّهم أحياء. وفي التاريخ، حين كانت الثقافة شفويّة، ظلّ الصوت، لدهور مديدة، وسيط العلم وجسر البشر إلى ما يتعلّمونه. وفضلاً عن الوظائف الأساسيّة في الكلام والغناء، رأى البعض أنّ الآلة الموسيقيّة الأولى المعروفة في تاريخ الموسيقى صوتُ البشر، وأضاف آخرون أنّ الصوت يغيّر ويتغيّر، وأنّه، كالضوء، يُعرَف بسرعةٍ يختصّ بها وحده. فهناك قِياسا «سرعة الضوء» و»سرعة الصوت»، فيما العتم والصمت بلا حركة وبلا سرعة تالياً.

وردّاً على هذا النفوذ كلّه نشأ كاتم الصوت، أي ذاك السلاح الذي يضحّي بأن يكتم صوته مؤقّتاً كيما يكتم أصوات ضحاياه إلى الأبد. فالكاتم يمنع الصوت في تعبيره واحتجاجه وصراخه وروايته وغنائه، ويعامله كأنّه شيء قابل للاستئصال، ضدّاً على ما فعلته الطبيعة.

وفي أفغانستان يستهدف الكاتم، وهو نظام سياسيّ وثقافيّ، صوت المرأة الذي ينبغي ألاّ يُسمع في الأماكن العامّة لأنّه، وفق ما تداولته الأخبار، سبب للغوى والإغراء، والغوى والإغراء ينبغي، منعاً للفتنة، إسكاتهما.

والحال أنّ الكاتم سبق له، قبل كتمانه الصوت، أن كتم شَعر المرأة ووجهها وجسدها، ومنعها من العمل ومن السفر بدون محرم ومن دخول الحدائق والملاهي والنوادي الرياضيّة والحمّامات العامّة، وكي يحول دون دخولها صالونات التزيين، أغلق تلك الصالونات. وبعدما كان «تعليم النساء» أحد شعارات المحاولات النهضويّة المبكرة في العالم الإسلاميّ، باتت أفغانستان البلد الوحيد في العالم الذي يمنع دراسة الفتيات ما يتعدّى المرحلة الابتدائيّة. وفيما كانت السلطة في كابول تتباهى بتدميرها، في سنة واحدة، 21 ألف آلة موسيقيّة، أعلنت اليونسكو حرمان 1،4 مليون فتاة أفغانيّة من التعليم.

وهذا حرب على النساء، بكلّ ما تحمله كلمة حرب من معنى. ولأنّ الأمر كذلك حُوّل بلد برمّته مخيّماً لتعذيبهنّ ولجعلهنّ جثثاً بلا حول أو قوّة. لكنْ إذا كانت وظيفة الحرب قتل الخصم وجعله جثّةً، فما يحصل هنا، وعبر الإجراءات الحربيّة المتلاحقة، يشبه التمثيل بالجثّة وطعنها مرّة بعد مرّة. ذاك أنّ القتل وحده لا يروي الغليل ولا يكفي لتحرير الذكَر الخائف والكاره من خوفه المَرضيّ من النساء ومن كرهه الأكثر مَرضيّة لهنّ.

لكنّ أفغانستان، وإن كانت الفصيل المتقدّم في الحرب على المرأة، فإنّها ليست طرفها الأوحد. فالفتاوى الرائجة، بالتلفزيونيّ منها وغير التلفزيونيّ، لا تجد اليوم موضوعاً لها كما تجده في النساء وأجسادهنّ وفي شؤون العائلة والجنس والزواج. وهناك، كما بات شائعاً، مشروع قانون لتزويج القاصرات في العراق، وهذا بينما تحول «مناهضة الإمبرياليّة» دون التذكير بكتاب «تحرير الوسيلة» الذي يضمّ فتاوى الخمينيّ وإجازتَه للرجل «سائر الاستمتاعات... ناهيك عن التحذير من تلك «التعاليم» والتشهير بها.

مع هذا، فإنّ أفغانستان، دون سواها، تمتحن نظريّات التحرّر الوطنيّ الرائجة، لا سيّما منذ أن تحرّرت من الأميركيّين صيف 2021 وصُفّق لتحرّرها الذي أثار حماسة واسعة. فهي تقدّم مَثَلاً صارخاً عن المبادىء المجرّدة حين تخذلها التجارب الملموسة. وأسوأ ما في المبادىء أن تبقى مبادىء، لا يُسعفها الواقع والوقائع بالبراهين التي تؤكّد صحّتها. هكذا نجدنا أمام أحوال لم يتوقّعها العقل البسيط، كأنْ يقف الاستقلال والتحرّر، وهما من المبادىء الفاضلة، في مواجهة انتصارهما الذي ينفي كلّ ما هو فاضل وينافيه.

فهذا البلد ولد وعاش منزوع الاستعمار (de-colonized)، بمعنى أنّه كان واحداً من البلدان القليلة في العالم التي لم تُستعمر، وربّما كان أكثر بلدان العالم عزلةً وتحوّطاً من «التلوّث» بالأجانب الغربيّين. وفي العقود الماضية، تمكّن الأفغان بـ»مجاهديهم» ثمّ بطالبانهم، من دحر غزوين «أبيضين» نفّذتهما الدولتان الأقوى عسكريّاً، أي الاتّحاد السوفياتيّ السابق والولايات المتّحدة. أمّا عداء الطالبان المستمرّ للدولة الأخيرة فبلغ حدّ السماح لـ»القاعدة»، وفق تقارير صحافيّة متكاثرة، بأن تستعيد حضورها العسكريّ في كابول، وهذا بينما غدت روسيا والصين تتمتّعان بعلاقات جيّدة مع أفغانستان لا تحظى بمثلها أيّة دولة غربيّة كبرى. لكنّ هذا البلد، الذي يستحقّ لقب عروس التحرّر في العالم، مشغول بحرب على النساء يُسيء وصفُها بالقروسطيّة إلى القرون الوسطى.

أمّا هنّ، وبمعزل عن كلّ الجعجعة الرائجة حول الاستعمار ونزع الاستعمار، فتبقى قضيّتهنّ إحدى القضايا الأنبل في عالمنا المعاصر، إن لم تكن الأنبل بإطلاق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفغانستان أكثر من حرب على صوت المرأة أفغانستان أكثر من حرب على صوت المرأة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon