توقيت القاهرة المحلي 11:13:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طيّب إردوغان بوصفه بريغوجين التركي

  مصر اليوم -

طيّب إردوغان بوصفه بريغوجين التركي

بقلم:حازم صاغية

ما إن تمرّد يفغيني بريغوجين في الداخل الروسيّ، حتّى ظهر يفغيني بريغوجين آخر يتمرّد في الخارج. الأخير اسمه رجب طيّب إردوغان، رئيس تركيّا الذي جُدّد انتخابه قبل أقلّ من شهرين.

وتمرّد إردوغان إنّما جاء، وفق مراقبين كثر، ضمن سياق أعرض عنوانه تردّي هيبة الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين الذي انكشفت محدوديّة قدرته على سحق أوكرانيا. هكذا ظهر عدد من البريغوجينات الصغار في أمكنة كثيرة من العالم ممّن راحوا يتجرّأون على سيّد الكرملين الذي انقلب بين يوم وآخر من «قويّ» إلى «ضعيف» بعد أن كانَ «داهية».

بعض الذين كانوا متحمّسين له صاروا مؤيّدين فاترين، وبعض المؤيّدين صاروا حياديّين، فيما صار بعض الحياديّين شكّاكين وأحياناً مناهضين. أمّا الذين بحثوا عن مزيد من الدلائل فوجدوها في إزاحة الجنرال إيفان بوبوف، قائد الجيش الـ58، من موقعه في أوكرانيا، عقاباً على مصارحته القيادة العسكريّة بالأحوال البائسة لحرب موسكو.

لكنّ إردوغان ذهب أبعد من الجميع، فاتّخذ مواقف بالغة التجرّؤ، يبدو أنّ الروس ما زالوا مصدومين بها. وهذا ما قد يفسّر بروز صوتين، واحدهما يعكس طبع بوتين، والآخر ينطق بلسان التطبّع الذي يترجم إهاضة جناحه.

الصوت الأوّل خرج من فم فيكتور بونداريف، رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتّحاد الروسيّ، الذي اعتبر أنّ تركيّا «تتحوّل إلى دولة غير صديقة بعد اتخاذها سلسلة من القرارات الاستفزازيّة»، وأنّ «سلوكاً كهذا لا يمكن وصفه بأيّ شيء سوى طعنة في الظهر».

الصوت الثاني كان للناطق بلسان الكرملين، ديميتري بيسكوف، حيث إنّ موقف تركيّا «يجب ألّا يفاجئ أحداً». ذاك أنّها «بلد أطلسيّ عليه التزامات بموجب هذه العضويّة. وهذا ليس سرّاً، ونحن كنّا نعرف ذلك ولم نضع يوماً على عيوننا نظّارات ورديّة».

والحال أنّ ما فعله إردوغان في زمن قصير جدّاً كثير جدّاً. فإبّان استقباله الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلنسكي، أعلن أنّ أوكرانيا «تستحقّ» أن تنضمّ إلى الناتو، وهو موقف لم يبلغه الحلف والولايات المتّحدة نفسهما، كما أطلق سراح قادة الكتيبة الأوكرانيّة الخمسة الذين دافعوا عن مجمّع «آزوفستال» للصلب، بمدينة ماريوبول، قبل سيطرة القوّات الروسيّة عليها. هذا وكان المتّفق عليه، وفق صيغة تبادل الأسرى، إبقاءهم في تركيّا حتى نهاية الحرب.

ما لا يقلّ إيلاماً للجار الشماليّ كان موافقة إردوغان على عضويّة السويد في الناتو. ولم تكتف قمّة فيلنيوس بتكريس هذا الجديد التركيّ – السويديّ، إذ افتتحت كذلك ما وصفه إردوغان بـ «مرحلة جديدة كلّيّاً» في العلاقة مع الولايات المتّحدة. وعلى الهامش، ظهرت انفراجة تركيّة – يونانيّة أيضاً.

لقد أُشيرَ إلى عوامل شجّعت الرئيس التركيّ على سلوك طريقه هذا، في عدادها ثقته بنفسه بعد الانتخابات العامّة والمفصليّة الأخيرة، وإحاطته بثلاثيّ معروف بهواه الأوروبيّ، أي وزير المال محمد شيمشيك، ووزير الخارجيّة حاقان فيدان، ورئيس الاستخبارات إبراهيم قالين.

لكنّ أحوال بوتين الزريّة تبقى العامل الأقدر على تفسير ما جرى وما يجري. وكي نقدّر حجم الاستدارة علينا بأرشيف السنوات السبع التي تفصلنا عن المحاولة الانقلابيّة ضدّ إردوغان، حيث أطلق على الغرب الأميركيّ والأوروبيّ نعوتاً لا تستثني «الصليبيّة» و«النازيّة»، وأكّد عدم التزامه قراراتِ المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان، بل أعلن استعداده لصرف النظر عن الانضمام إلى الاتّحاد الأوروبيّ، كما لم يبقَ زعيم غربيّ، بمن فيهم جو بايدن، إلاّ أخضعه للشتائم والتشهير.

والحقّ أنّ بوتين لا يملك الكثير في وجه هذه الاندفاعة العدوانيّة. فهو لا يتحمّل خسارة تركيّا بوصفها الملاذ الآمن للأوليغارشيّين الروس المنبوذين في الغرب، كما لا يسعه أن يخسرها كقاعدة للغاز تُستخدم بديلاً عن خطّ نورد ستريم المدمّر، ومنها يتمّ التصدير إلى السوق الأوروبيّة. وهناك سوابق ثلاث، على الأقلّ، توحي بالقابليّة الروسيّة لتلقّي الصفعات التركيّة، إحداها لقاء حاقان فيدان بالقائد التتاريّ المنفيّ مصطفى كريموغلو، والذي تصرّف الكرملين حياله كأنّه حدث لم يحدث، والثانية عدم انسحاب موسكو من «مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب» تنفيذاً لما هدّدت به، أمّا الثالثة فتزويدها كييفَ مسيّراتٍ مقاتلة وأنظمة إطلاق صواريخ وعربات مصفّحة، وإعلان شركة بيرقدار التركيّة للمسيّرات، التي يملكها صهر إردوغان، خطّتها لبناء مصنع لإنتاج المسيّرات في أوكرانيا.

وإذ يُتوقّع، رغم هذا كلّه، أن يلبّي بوتين دعوة أردوغان لزيارة تركيّا الشهر المقبل، يُتوقّع أيضاً أن يبدأ الأخير حملته لحصد العائدات. فهناك لائحة طويلة من المطالب التي قد يُلبّى بعضها القليل فيما يُستعمل بعضها الأكبر لإقناع الرأي العام التركيّ بأنّ الرئيس لم يقدّم تنازلات مجّانيّة. وأغلب الظنّ، في هذا السياق، أن تتحسّن أوضاع تركيّا الاقتصاديّة وأن تتسلّم أنقرة طائرات «إف - 16» الأميركيّة. لكنْ يُخشى أن يتأدّى عن المصالحة تعزيز «مكافحة الإرهاب»، كوظيفة من وظائف الحلف، على حساب وظائف أخرى لا يستسيغها إردوغان.

ولسوف يكون من المشوّق، كائناً ما كان، مراقبة أحوال تركيّا، بل أحوال العالم، في ظلّ التداعي الروسيّ الذي تعصف به البريغوجينيّة من كلّ الجهات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طيّب إردوغان بوصفه بريغوجين التركي طيّب إردوغان بوصفه بريغوجين التركي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon