توقيت القاهرة المحلي 03:28:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثقافة القتال والتضحية شيء والثقافة السياسيّة شيء آخر

  مصر اليوم -

ثقافة القتال والتضحية شيء والثقافة السياسيّة شيء آخر

بقلم - حازم صاغية

سيريل رامافوزا، رئيس جنوب أفريقيا، اتُّهم بالتورّط في فساد ماليّ بعدما سُرق من مزرعته مبلغ يتراوح بين 4 و5 ملايين دولار.

رامافوزا صاحب سجلّ محترم في النضال ضدّ العنصريّة إلى جانب الأيقونة نيلسون مانديلا. يومذاك كان قائداً نقابيّاً لعمّال المناجم، وهم الاتّحاد النقابيّ الأكبر، وعلى رأسه قاوم نظام التمييز، ثمّ انتُخب أميناً عامّاً لـ«المؤتمر الوطنيّ الأفريقيّ»، في ظلّ رئاسة مانديلا، واعتُبر كبير المفاوضين في المفاوضات التي أسفرت عن نهاية العهد القديم.

قبل رامافوزا، تولّى رئاسة الجمهوريّة في جنوب أفريقيا جاكوب زوما الذي ينتمي إلى الحلقة النضاليّة نفسها. قضى عشر سنوات في سجن «روبن أيلند» الشهير كسجين سياسيّ، قبل أن ينفيه النظام العنصريّ إلى الخارج. لكنّ رئاسة زوما للجمهوريّة انتهت على نحو بائس: عُزل من منصبه وسُجن بسبب تورّطه في فساد وصفقات أسلحة.

والحال أنّ النظام البرلمانيّ في جنوب أفريقيا يحول دون إقامة حكم مطلق وحزب واحد، إلاّ أنّه لا يحول دون التلوّث بالفساد، على ما رأينا في حال رئيسين مناضلين من أصل رؤساء أربعة عرفتهم جنوب أفريقيا ما بعد العنصريّة؟

كائناً ما كان الأمر، فحالات الانتقال من العمل الوطنيّ، الاستقلاليّ أو التغييريّ، إلى الضلوع في الفساد أو في الاستبداد، وغالباً في الأمرين معاً، تبقى مثيرة للتأمّل. فكيف وأنّها حالات كثيرة، تولّى الاستبداد فيها رعاية الفساد وإنماءه، بما تجاوز الحدّ الجنوب أفريقيّ الذي بقي قابلاً للمساءلة.

هنا لائحة موجزة ببعضها:

في غانا، قاد كوامي نكروما بلاده إلى الاستقلال عن بريطانيا في 1957، لكنّه أقام نظام حزب واحد وقمع كلّ معارضة سياسيّة وجعل نفسه رئيساً مدى الحياة، إلى أن أطاحه انقلاب عسكريّ في 1966.

في غينيا، ارتبطت قيادة الحركة الاستقلاليّة التي أجلتِ الفرنسيّين بأحمد سيكوتوري. لكنّ سيكوتوري حكم من 1958 حتّى وفاته في 1984، حزبه صار الحزب الأوحد، ومعارضته محرّمة، أمّا قسوته حيال الخصوم والنقّاد فكسرت أرقاماً قياسيّة كثيرة.

موديبو كيتا، في مالي، فعل الشيء ذاته: استقلال ثمّ حزب واحد وديكتاتوريّة خشنة أطاحها انقلاب عسكريّ في 1968. البطل الوطنيّ توفّي في السجن.

هواري بومدين قاد الجناح العسكريّ لـ«جبهة التحرير الجزائريّة». أطاح أحمد بن بلّه في 1965، بعد ثلاث سنوات على الاستقلال، وحكم على رأس حزب واحد حتى وفاته في 1978.

أحمد سوكارنو تزعّم حركة الاستقلال الأندونيسيّ عن هولندا. بعد ذاك تولّى الرئاسة في 1945 ولم يغادرها حتّى 1968 إثر انقلاب وزير دفاعه سوهارتو عليه.

جمال عبد الناصر أقام الجمهوريّة وحقّق الجلاء، واستمرّ حاكماً بلا معارضة حتّى وفاته في 1970.

هذا من دون أن نشير إلى الأحزاب والحركات الشيوعيّة التي قادت عمليّات استقلاليّة أو تغييريّة كبرى (الصين، كوبا، فيتنام...) لكنّها أقامت سلطات راسخة في الاستبداد والفساد لم تتزحزح عنها حتّى اليوم.

النظريّة التي يعتمدها هؤلاء الرموز والأحزاب بسيطة: نحن قاتلنا وضحّينا وقدّمنا شهداء إلخ... هكذا بتنا نملك الأمّة والشعب على نحو حصريّ يجيز لنا أن نحكمهما كما نشاء، وأن ننهبهما كما نشاء. حافظ الأسد عبّر عن كاريكاتير هذه الحالة مدفوعاً إلى الحدّ الأقصى: فهو من دون أن يكون رائد استقلال، أو منتصراً في حرب، حكم بلده ثلاثين عاماً ثمّ ورّثه لنجله الحاكم منذ 2000.

عيب هذه النظريّة أنّها تبثّ في السياسة فكرة غير سياسيّة، هي فكرة القتال والشهادة وما يتفرّع عنهما، لا بل تُخضع السياسة ومعاييرها لهذه الفكرة ذات المنشأ المناهض للسياسة. هذا ما يعاكس تماماً تعامل المجتمعات الديمقراطيّة المستقرّة مع أدوات القوّة، أي الجيوش. فالأخيرة، بمجرّد أن تنجز هدفها، تعود للانضواء في ثكناتها تاركة للحياة السياسيّة أن تمضي في طريقها.

هكذا شهدنا حالات مقابلة أصرّ أصحابها على فصل تضحياتهم عن العوائد السياسيّة، أي أنّهم لم يستثمروا في النضال لكي يكسبوا، في السياسة، السلطة أو المال أو الاثنين معاً.

نيلسون مانديلا كان من هذا الصنف: قاد بلاده إلى ما بعد النظام العنصريّ وبقي في الرئاسة خمس سنوات فحسب (1994 - 1999). ليش فاليسّا أيضاً كان منهم: قاد عمليّة إسقاط النظام الشيوعيّ في بولندا واقتصر حكمه، هو الآخر، على خمس سنوات (1990 - 1995).

الفارق، هنا، هو بين نهجين: واحد يرى أنّ القتال اضطرارٌ ينتهي العمل به ليبدأ العمل بالسياسة، وآخر يرى أنّ القتال والسياسة واحد، وهكذا سيبقيان إلى ما لا نهاية.

النهج الأوّل ينطوي على افتراض أنّ من يقاتل و«يبذل الشهداء» ليس بالضرورة صالحاً لأن يحكم. النهج الثاني ينطوي على رسالة ضمنيّة مفادها أنّنا لم نقاتل و«نبذل شهداء» إلاّ لكي نحكم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثقافة القتال والتضحية شيء والثقافة السياسيّة شيء آخر ثقافة القتال والتضحية شيء والثقافة السياسيّة شيء آخر



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:22 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة
  مصر اليوم - أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة

GMT 03:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا
  مصر اليوم - ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا

GMT 16:35 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الجيش الإسرائيلي يتخبّط في "أزمة حادة"
  مصر اليوم - الجيش الإسرائيلي يتخبّط في أزمة حادة

GMT 19:05 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية
  مصر اليوم - حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية

GMT 10:37 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

تعرف على من هو أحمد مناع أمين مجلس النواب 2021

GMT 06:45 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

أبرز فوائد فيتامين " أ " على صحة الجسم والمناعة

GMT 09:47 2020 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

عبد المهدي يتخلى عن معظم مهامه الرسمية

GMT 04:22 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ريم مصطفى تؤكد أن مسلسل "شديد الخطورة" تجربة مختلفة

GMT 07:44 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

سامي مغاوري يتحدى ابنه في "واحد من الناس" مع عمرو الليثي

GMT 21:05 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مصرية تطلب الخلع من زوجها وتتفاجئ من رد فعله

GMT 18:29 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شخص وإصابة اثنين فى حادث تصادم بالدقهلية

GMT 19:21 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

بوسى برفقة حلا شيحة فى أغرب إطلالة لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon