توقيت القاهرة المحلي 21:31:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أبعد من تداعي «تفاهم مار مخايل»

  مصر اليوم -

أبعد من تداعي «تفاهم مار مخايل»

بقلم - حازم صاغية

لسنا بحاجة إلى فائض في الوطنيّة، ولا إلى فائض في حسن النوايا، كي ندرك أنّ أيّ تلاقٍ بين جماعتين طائفيّتين في لبنان مكسبٌ للبنانيّين. لكنّ «تفاهم مار مخايل»، الموقّع في 2006، والذي جمع «حزب الله» إلى «التيّار الوطنيّ الحرّ» ليس كذلك.

فهو «وحّد» طرفين ضدّ طرف ثالث هو الطائفة السنّيّة، ثمّ وفّر لأحد هذين الطرفين، وباسم «حلف الأقلّيّات»، غطاءً «وطنيّاً» لغزو سوريّا و»تحريرها» من شعبها. فوق هذا، كان «التفاهم» تفاهماً على استبعاد العناصر التي لا يقوم من دونها وطن ودولة: فقد بُوركَ عمليّاً مضيّ الميليشيا في تسلّحها وفي بنائها دولة أقوى من الدولة ومجتمعاً موازياً للمجتمع، كما أُجيز توطيد نفوذ محلّيّ الأداة، إلاّ أنّه أجنبيّ وتوسّعيّ يتغلغل في الدولة والمجتمع، ويفتح المعارك الخارجيّة ويُغلقها على هواه، كما يخرّب علاقات لبنان بجواره، ويجتثّ كلّ مبادرة إصلاحيّة، معزَّزاً، في هذا كلّه، برئاسة الجمهوريّة وبقاعدتها المسيحيّة التي عُرفت تقليديّاً بأنّها قاعدة الدولة. وفي هذه الغضون، طعن «التفاهم» في الصميم الجبهة العريضة التي نشأت في 2005، بعد اغتيال رفيق الحريري، وتأدّى عنها إخراج جيش بشّار الأسد من لبنان.

وعلى الدوام، وأمام الأزمات التي كانت تنتاب العلاقة، كان ميشال عون وجبران باسيل يُبديان نوعاً من الثقة المُتصابية ليس فقط بـ «ضمانات» «حزب الله»، بل أيضاً بتفضيله تيّارهما على شريكه الطائفيّ، «حركة أمل»، مفترضَين أنّ «الغطاء» الذي يؤمّنه المسيحيّون أثمنُ، في حسابات «الحزب»، من وحدة الطائفة الشيعيّة التي يغطّيها ذاك «الغطاء».

هذا كلّه يتصدّع اليوم. فالحزب الذي ذهب بعيداً في حربه لم يعد مكترثاً بأيّ «غطاء»، والتيّارُ، بدوره، فقد رئاسة الجمهوريّة ولم يعد في وسعه أن «يغطّي»، ناهيك عن أنّ المهمّة نفسها باتت تُعرّي المُغطِّي في بيئته الطائفيّة بما يفوق كثيراً قدرته على التغطية. أمّا اختراع «داعشٍ» ما تهاجمنا من الشرق وتستدعي لصدّها تضافراً مسيحيّاً شيعيّاً، فبات أقلّ احتمالاً وأضعف قدرة على إهانة ذكائنا.

وإذا صحّ أنّ التوصّل إلى وقف إطلاق نار في غزّة قد يهدّىء الجبهة اللبنانيّة – الإسرائيليّة، ويبطّىء بالتالي الإلحاح على إنجاز الطلاق بين طرفي «التفاهم»، صحّ أيضاً أنّ يوآف غالانت ليس في هذا الوارد على ما يبدو، إذ أنذرنا بأنّ التهدئة في غزّة لن توقف الهجوم على لبنان.

وعلى أيّة حال فاللبنانيّون اليوم ربّما كانوا عشيّة انفصال قد يتأخّر إعلانه لكنّه غدا أقرب إلى أمر واقع. ومع تطوّرٍ كهذا سوف يصبح الحزب أكثر شيعيّة (وهل هناك أكثر؟) فيما يصبح التيّار أكثر مسيحيّة، إذ يكون الطرفان قد تحلّلا من آخر التزام، ولو شكليّ، حيال الحليف الإسميّ. لكنّ هذه ستكون تكراراً لعشرات الحالات التي عجز فيها التكاذب حول السياسات الخارجيّة عن الصمود أمام الواقع. ففي الزمن الناصريّ والفلسطينيّ انفجرت العلاقة المسيحيّة – السنّيّة غير مرّة، وفي الزمن الإيرانيّ انفجرت العلاقتان السنّيّة – الشيعيّة والمسيحيّة – الشيعيّة. وفي كلّ مرّة كان الذهاب بعيداً في التكاذب لا يلبث أن يرتدّ على الجماعات، وعلى الوطن، حدّةً أكبر وتصادماً أعنف، وهو ما يأتي مصحوباً بانهيار يطال انتظام العمل السياسيّ والدستوريّ برمّته.

وهذا ليس مردّه إلى أنّ هناك طرفاً وطنيّاً وطرفاً خائناً أو عميلاً، على ما يذهب الممانعون ممّن يزعمون احتكار المعاني واحتكار التأويل. ذاك أنّ اللبنانيّين جماعاتٌ لكلّ منها ثقافة فرعيّة وتشكّل تاريخيّ مستقلاّن عن الثقافة الفرعيّة والتشكّل التاريخيّ للجماعة الأخرى. وبهذا تحول تعدّديّة التركيبة هذه دون التوصّل إلى تعريف موحّد لمصطلحات الوطنيّة والعداوة والمصير وسوى ذلك من مفاهيم تُبنى منها عمارة الجماعة في صورتها عن ذاتها وعن العالم. ولئن مثّل الإمعانُ في الأدلجة التهديدَ الأسوأ لعيش هذه الجماعات المشترك، فالمؤكّد أنّ نزع الأدلجة، بأكبر حدّ ممكن، شرطٌ شارط لنجاح ذاك التعايش. وفي الحساب الأخير، سوف يكون من البائس جدّاً، والخطير جدّاً، معاملة الجماعات المكتفية بتصوّرها عن الذات والعالم بمعايير «الأمّة» و»القوميّة» التي تفترض وجود إجماعات عريضة فيما لا يوجد فعليّاً أيٌّ منها. وللسبب هذا تبدي أعداد متزايدة من اللبنانيّين قناعتها بأنّ حياد البلد هو الحدّ الأدنى الضروريّ، وإن غير الكافي، لإنقاذ «الأخْوة» و»طوائفهم الكريمة» من التنازع الأهليّ.

أمّا العونيّون فلا بدّ، عاجلاً أو آجلاً، من مساءلتهم عن مراجعة وعن نقد ذاتيّ لمسؤوليّتهم الكبرى عن إيصال الأمور إلى ما وصلت إليه، وهذا موضوع آخر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبعد من تداعي «تفاهم مار مخايل» أبعد من تداعي «تفاهم مار مخايل»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon