توقيت القاهرة المحلي 14:49:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أيّ تغيير للبنان؟

  مصر اليوم -

أيّ تغيير للبنان

بقلم - حازم صاغية

منذ 2019 يتصرّف النظام اللبنانيّ، في مجموعه، مستنداً إلى درجة هائلة من الثقة بأنّ شيئاً لن يتغيّر. فهو، رغم حجم الكارثة، لا يقدّم أيّ تنازل مهما كان التنازل شكليّاً، وفي أيّ من المجالات السياسيّة والاقتصاديّة، معتبراً أنّ التحدّي الذي واجهته به «ثورة تشرين» لا يعدو كونه سحابة صيف. يقال هذا وفي البال ما هو أكثر من هزيمة الثورة: فتسيير البلاد لم يمضِ على حاله فحسب، بل استمرّ في طريق من التردّي المتعاظم الذي يصعب التكهّن بنهاياته.
أمّا حين ندخل في تفاصيل العمل الشعبيّ، فنجد أنّ تقديرات النظام مصيبة ودقيقة: فالاستنهاض الجماهيريّ، الذي عبّرت عنه «ثورة تشرين»، صار أشبه بالمستحيل. ومن جهة أخرى، فإنّ الثمرة السياسيّة التي مثّلتها كتلة النوّاب «التغييريّين» لم يبقَ منها الكثير، في حين لا تقلّ الآمال التي تبخّرت عن عجز الكتلة النيابيّة المتواضعة نفسها عن البقاء كتلةً واحدة.
هذه العجالة لا تطمح إلى ما هو أكثر من طرح عناوين عامّة وعريضة تطال بعض المصطلحات والشعارات التي شاعت في السنوات القليلة الماضية، ومن ثمّ امتحان جدارة تلك الشعارات في الماضي، ولكنْ خصوصاً في المستقبل. والمرجوّ، بطبيعة الحال، لا يتعدّى تقديم إحدى المساهمات التي قد تمهّد لنقاش أوسع يعيد الاعتبار إلى تعقيد الوضع اللبنانيّ، ولا سيّما تعقيد التفكير بتغييره.
فهل شعار «كلّن يعني كلّن» كان في محلّه؟ والأهمّ، هل يتيح شعار كهذا أيّة فرصة للسياسة وللتحالف مع هذا الفريق أو ذاك ممّن ينضوون في «كلّن»؟
في البداية نشأ هذا الشعار كي يعلن ضمّ «حزب الله» إلى الجماعة الحاكمة بعدما كان السائد تنزيهه وتبرئته بوصفه «مقاومة»، لكنّ تجربة الثورة لم تبيّن فقط أنّ الحزب جزء من تلك الجماعة، بل كشفت كذلك أنّه حاميها الفعليّ؛ إذ هو فصيلها الصداميّ وموقعها الأخير في الوقت نفسه.
وهنا عاد البديهيّ الذي كان غائباً يفرض نفسه: هل يمكن أن يتساوى فاسد يحمل السلاح وفاسد لا يحمله؟ وهل يتعادل الفاسد الذي يثبّت البلد في وضعيّة إقليميّة تدمّر مصالحه، والفاسد الذي يراهن على وضعيّة إقليميّة تخفّف عبء الكارثة الاقتصاديّة وإن أدّت إلى التستّر على فساده؟
هذه الفوارق لا يلحظها الشعار المذكور، علماً أنّ لحظه لها كان يؤدّي إلى مشكلة أخرى، هي التعجيل في تحويل الثورة إلى اصطفاف أهليّ من النوع الذي تعرفه الحروب الأهليّة. هنا يكمن وجه التعقيد الأكبر، إن لم يكن الاستعصاء، الذي ينطوي عليه الوضع اللبنانيّ.
يعبّر عن هذا الاستعصاء مصطلح آخر طرحته الثورة هو «المنظومة». والتعبير هذا ربّما عكس رغبة القيّمين عليه في تجنّب الوقوع في أسر التحديدات السياسيّة والاقتصاديّة النمطيّة والملزمة. مع هذا فإنّ «المنظومة» لا تملك إلاّ أن تذكّر بمفاهيم كـ«الدولة العميقة» أو «الطغمة العسكريّة» التي أريدَ منها التوكيد على عزلة من يسوسون المجتمع بالقوّة والقهر، أو على خفائهم. فهل «المنظومة» اللبنانيّة هي فعلاً معزولة، أو أنّها، على العكس، تمثيليّة جدّاً توفّر الانتخابات الدوريّة مناسبة لإشهار تمثيليّتها المرتكزة على النظام الطائفيّ، وعلى قيمه في التزلّم والتنفيع والتبعيّة؟
فإذا كانت الحال هكذا، بات من المُلحّ أن يعاد النظر بتطبيق الرؤية الكلاسيكيّة البسيطة عن الثورة (شعب ضدّ فئة ظالمة) على بلد كلبنان. هنا، للأسف، يعيش الصدام بين شعب وسلطة في جوار صدامين؛ واحد بين الشعب والشعب، وآخر بين السلطة والسلطة.
وما لا يُنتَبه غالباً إليه أنّ الفراغ الرئاسيّ نفسه يواجهنا بهذه الحقيقة المُرّة: ذاك أنّ حالة من الوحدة الشعبيّة في مواجهة السلطة كانت كفيلة بدفع هذه الأخيرة إلى الوحدة، وإلى سدّ ما يعتريها من فجوات على رأسها الفراغ الرئاسيّ، أو عدم تنفيذ برنامج الإصلاحات. فحين لا يحصل ذلك بعد «ثورة تشرين»، كما قبلها، نكون أمام صراع داخل «المنظومة» ينمّ عن عدم اكتراثها بالثورة.
هذه الانسدادات لا تستطيع أن تتحايل عليها شعارات أخرى من نوع «السيادة» و«السياديّة». ذاك أنّ الاستخدام اللبنانيّ لهذا المفهوم يجعله صعب الانطباق، لا سيّما في عالمنا المعولم، على بلدان أقوى وأكبر كثيراً من لبنان. ونعرف أنّ «السياديّين» اللبنانيّين لن يستطيعوا بمفردهم، ومن دون دعم أجنبيّ، عربيّ أو دوليّ، زحزحة الكابوس الإيرانيّ عن صدورهم. فالأحرى، بالتالي، الاستعاضة عن إنشائيّات «السيادة» بالدعوة إلى سيادة محدودة ومتواضعة يكون محكّها مدى التوافق مع مصالح اللبنانيّين، خصوصاً منها الاقتصاديّة، لكنْ هنا أيضاً يرتسم الانسداد في أفق العمل السياسيّ: فمبدأ السيادة المحدودة والمحكومة بمصالح اللبنانيّين هو أكثر ما يلقى الرفض من قبل قطاع عريض من اللبنانيّين أنفسهم آثر المعبّرون عنه نبذ كلّ توجّه نفعيّ ووضعه، بوصفه «عاراً»، في مقابل «الكرامة» و«الشرف».
يقودنا هذا الانشقاق النوعيّ والشامل في الحياة اللبنانيّة، حيث الدروب كلّها مسدودة، إلى إيلاء اهتمام أكبر بما لم تطرحه «ثورة تشرين»، وما لا تأخذ به اللغات السياسيّة السائدة التي تبسّط أمر «الوحدة الوطنيّة» كما تبسّط تجاوز اللبنانيّين المزعوم للطائفيّة، أو كونهم مجرّد ضحايا لمؤامرة أو احتلال خارجيّين. فالذين يقولون بكسر الشكل المركزيّ السائد، وكسر السياسات الخارجيّة والدفاعيّة التي تصاحبه، أو الذين يقولون بالتدويل بعد استنفاد العلاجات الداخليّة كلّها، يستحقّون أن نستمع إليهم، وأن نتعامل بجدّيّة أكبر مع أقوالهم الجدّيّة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيّ تغيير للبنان أيّ تغيير للبنان



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon