توقيت القاهرة المحلي 11:01:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تحذير غوردون براون واحتمالات الحرب في أوكرانيا

  مصر اليوم -

تحذير غوردون براون واحتمالات الحرب في أوكرانيا

بقلم - حازم صاغية

قبل أيّام، ومع انعقاد قمّة العشرين، نشرت «الغارديان» البريطانيّة مقالاً تحذيريّاً لغوردون براون، رئيس حكومة بريطانيا بين 2007 و2010، وسفير «منظّمة الصحّة العالميّة» لأغراض تمويل الصحّة على نطاق كونيّ.
المقال ينعى أسباب تردّي الوضع الدوليّ الراهن، حيث تعجز المنظّمات الدوليّة ومؤتمراتها الكثيرة عن تذليل المشكلات الاجتماعيّة والمجتمعيّة المتفاقمة، علماً بأنّ المشكلات هذه باتت تستعصي على الحلّ من ضمن نطاق الدولة القوميّة. يصحّ هذا في الهجرة واللجوء، كما في البيئة والإرهاب والمخدّرات... إلخ.
وإذ يستشهد براون بقائد أفريقيّ قال له إنّه لم يعد هناك «مجتمع دوليّ»، يمضي مسجّلاً كيف أنّ الشعبويّات الحاكمة تبحث في الماضي عن حلول لمشكلات الحاضر، وهو ما يتأدّى عنه إغلاق آفاق المستقبل. فالحمائيّة تتزايد، وليس هناك في عالمنا ما تُجمع عليه الدول أو ما يستطيع أحد حمل الآخرين على قبوله. وهذا، على عمومه، إنّما يضاعف فقر الجميع وضعفهم وتردّي أوضاعهم البيئيّة...
لكنّ براون الذي عنونَ مقالته بـ«القوميّة هي آيديولوجيا عصرنا: لا عجب أنّ العالم في أزمة»، يتوقّف خصوصاً عند مسألة الصعود القوميّ والشعبويّ: فـ«أهمّ من كلّ ما عداه أنّ القوميّة حلّت محلّ النيوليبراليّة بوصفها آيديولوجيا العصر المسيطرة. فإذا كان الاقتصاد في السنوات الثلاثين الماضية هو ما قاد صناعة القرار السياسيّ، فالسياسة الآن هي ما يقرّر صناعة القرارات الاقتصاديّة، وهذا فيما تمضي الدول، واحدة بعد الأخرى، في عسكرة تجارتها وتقنيّتها وسياساتها التنافسيّة. فاقتصادات النفع المشترك عبر التبادل التجاريّ المفيد حلّت محلّها المنافسات الصفريّة على طريقة (أنا أربح، أنت تخسر)، بينما حركات كـ (أميركا أوّلاً) و(الصين أوّلاً) و(الهند أوّلاً) و(روسيا أوّلاً)، و(قبيلتي أوّلاً)، تهدّد بالهبوط بنا نحو جغرافيا سياسيّة تقوم على (نحن مقابل هم) و(بلدي أوّلاً وفقط)».
تحذير براون يعيد تذكيرنا ببعض الأوهام الليبراليّة التي انتعشت، مطالع التسعينات، حول ذواء القوميّة و«نهايتها». والحال أنّ تلك الأوهام وما صحبها من توسّع العمل بالاقتصادات النيوليبراليّة، ومعه توسّع الفجوات الاجتماعيّة بين الطبقات كما بين البلدان، هي التي أعادت تعزيز الحساسيّات القوميّة التي بدا لوهلة أنّها في تراجع. وقبل أن تصبّ موجات الهجرة واللجوء إلى أوروبا مزيداً من الزيت على تلك النار، شرعت القوميّات تعود بقوّة وبحوافز انتقاميّة حادّة، مقترنةً بعنصرين اثنين لا يقلاّن التهاباً: الشعبويّة النضاليّة الكارهة للعولمة والتي تزعم تمثيل «الشعب» في مواجهة المنظّمات والروابط الدوليّة كالأمم المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ، والزعيم الكاريزميّ الذي يقدّم نفسه مخلّصاً يبيع الأمجاد والعظمة لشعب يئنّ تحت وطأة النُخب الموصوفة بالفساد.
والقوميّة قويّة جدّاً كما نعلم. صحيح أنّها معطى مبنيّ اجتماعيّاً، يتحوّل ويتغيّر مثله مثل سائر الروابط الاجتماعيّة الكبرى، وليس نمطاً جوهريّاً للوجود، سابقاً على وجودنا نفسه أو مقرّراً له. لكنّ نفي العضويّة والبيولوجيّة وسائر الحتميّات والمسبقات عن القوميّة لا يلغي نجاحها الباهر والناجم، إلى حدّ بعيد، عن حربائيّة تملكها، فيما الأفكار الأخرى لا تملك ما يعادلها. فاليمينيّ يمكن أن يكون قوميّاً، وكذلك اليساريّ. والراغب في التوسّع قوميّ مثله مثل المدافع عن الاستقلال أو المطالب بالحقّ في تقرير المصير. وقد تكون القوميّة مصفّحة بعقيدة ودعوى، كما رأيناها مع عبد الناصر ونيكروما وسوكارنو، وقد لا تكون كذلك فتقتصر على منظومة نهب واستبداد، كما رأيناها مع الأسد والقذّافي وأضرابهما. وربّما باستثناء الأناركيّة (الفوضويّة)، حاولت كلّ الآيديولوجيّات الحديثة أن تدّعي صلةً ما بالقوميّة أو قدرةً ما على التعبير عنها أو التزاوج معها. حتّى الماركسيّة الأمميّة التي ولدت في خصام مع القوميّة «البرجوازيّة» صالحتها ثمّ انضوت فيها، على ما دلّت نزاعات كثيرة قسمت البلدان الاشتراكيّة السابقة.
على أنّ من الأشياء القليلة المؤكّدة اليوم أنّ روسيا تخوض على الأرض الأوكرانيّة أهمّ معارك القوميّة الشعبويّة. فإذا هُزمت جاز القول إنّ تلك النزعة السياسيّة والفكريّة تلقّت ضربة على نطاق كونيّ، ضربة لا تُميتها إلاّ أنّها تصيبها بجروح بليغة، وقد تفتح أبواباً أعرض لعلاج المشكلات التي ذكّرنا بها غوردون براون.
وقد يصحّ بعد هزيمة كهذه أن تؤرَّخ الحروب الكبرى لزمننا على الشكل التالي: الحرب العالميّة الأولى وجّهت ضربة قاصمة للإمبراطوريّات القديمة، والحرب العالميّة الثانية دكّت أسس النازيّة والفاشيّة، والحرب الباردة قوّضت الاتّحاد السوفياتيّ وكتلته وشيوعيّته، وأخيراً جاءت الحرب على أوكرانيا لتُلحق هزيمة كبرى بالقوميّة الشعبيّة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحذير غوردون براون واحتمالات الحرب في أوكرانيا تحذير غوردون براون واحتمالات الحرب في أوكرانيا



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon