توقيت القاهرة المحلي 22:01:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

... عن مدينةٍ ووزيرٍ وحجابٍ عريض

  مصر اليوم -

 عن مدينةٍ ووزيرٍ وحجابٍ عريض

بقلم -حازم صاغية

لاحظ مراقبون كثر، وبحقّ، أنّ الفرض القسريّ للحجاب يشبه النزع القسريّ للحجاب. ذاك أنّ قسريّة السلوكين تهجس بفرض الواحديّة على شعب قابل أن يكون تعدّديّاً، وأن يختار أفرادُه كيف يعيشون حياتهم تبعاً لخياراتهم وأذواقهم وأفكارهم.
والحال أنّ واحداً من أسباب الفرض القسريّ للحجاب هو النزع القسريّ له، على ما عرفته تركيّا الأتاتوركيّة وإيران الشاهنشاهيّة وسوريّا الأسديّة في سنوات رفعت الأسد الطاووسيّة.
مع هذا هناك أشكال عدّة من التحجيب القسريّ الذي تفرضه الأنظمة، وأحياناً المجتمعات، ولا يقتصر على منديل من قماش. ففي 6 أكتوبر (تشرين الأوّل) الجاري، نشرت «نيويورك تايمز» مقالة لروجير كوهين، أحد أبرز كتّابها، عن مدينة وهران في الجزائر، افتتحها بهاتين الفقرتين:
هذه المدينة الساحليّة الجميلة إنّما المهمَلَة، «تدير ظهرها إلى الخليج»، كما كتب ألبير كامو في روايته «الطاعون». ففي عيشه في وهران وجد أنّ «من المستحيل أن ترى البحر، وعليك دائماً أن تذهب وتبحث عنه». وهذا ليس استعارة سيّئة عن الجزائر نفسها، وهي البلد الذي أدار ظهره إلى العالم ولفّ نفسه بظلمة بلغت كثافتها درجة مُخدّرة. فهي طويلاً ما أقفلت حدودها مع المغرب، وفقط مؤخّراً أعادت فتح معابرها مع تونس، بعد أكثر من سنتين من الإغلاق، كما أنّها تُبقي تجارتها مع جيرانها في أدنى الحدود، وتمضي في تحجيب سلطاتها السياسيّة.
وليس هناك نزع قسريّ للحجاب يفسّر هذا التحجيب الجزائريّ، اللهمّ إلاّ الذاكرة الاستعماريّة، علماً بأنّ الجزائر نالت استقلالها قبل ستين سنة ولم تَعرف بعد الاستقلال أيّاً من الحكّام القليلي التديّن. والراهن أنّ النسيان أفضل من ذاكرة استعماريّة كهذه لا تتذكّر إلاّ بانتقائيّة وأحاديّة شديدتين، ولا تكون خصوبة تذكّرها للماضي سوى تعبير عن إدقاع الإنجاز في الزمن الحاضر. وهذا ناهيك بأنّ رسم الماضي بوصفه مجرّد ملحمة حربيّة أبديّة خير تعزيز لنظام يبغي حجب بلده عن العالم ما استطاع ذلك.
وكان مفاجئاً، فيما الإيرانيّون والإيرانيّات ينتفضون ضدّ التحجيب القسريّ ونظامه، أن يعلن وزير الثقافة اللبنانيّة السيّد محمّد المرتضى مشروعاً جديداً لتحجيبنا: فقد «تبلّغت» وزارته أنّ جهات أجنبيّة «صديقة» رتّبت نشاطاً ثقافيّاً يبدأ بعد أسابيع قليلة ويتضمّن زيارة مجموعة من الأدباء إلى لبنان، لإقامة ندوات متنقّلة في أكثر من مكان فيه، وأنّ «بين هؤلاء عدداً من معتنقي المشاريع الصهيونيّة فكراً وممارسة وداعميها سواء في أعمالهم الأدبيّة أو في حياتهم العاديّة».
وإذ ذكّر بيان الوزير بأنّ «لبنان متشبّث بالانفتاح الثقافيّ والتلاقح الفكريّ بين حضارات الأمم، ونرحّب من ثمّ بأيّ تعاون ثقافيّ بين الدول والشعوب، كما نثمّن أيّ انفتاح على الفكر العالميّ وتجلّياته المعرفيّة»، فقد حذّر من «استغلال الحراك الثقافيّ في سبيل الترويج للصهيونيّة وخططها الاحتلاليّة العدوانيّة الظاهرة والخفيّة، التي بدأت بالأرض ولن تنتهي بالعقول»، مشدّداً على أنّ «التطبيع الثقافي أشدّ ضرراً على الوطن وكيانه ومستقبله من أيّ تطبيع سياسيّ أو أمنيّ أو عسكريّ. وما دامت القوانين اللبنانيّة التي تعبّر عن مشيئة الشعب بكامل أطيافه وكذلك قيم أبناء هذا الوطن وأخلاقيّاتهم وتضحياتهم، تحظر كلّ أنواع التطبيع مع إسرائيل، بما فيها التطبيع الثقافيّ مباشرةً أو مواربةً، فإنّ وزارة الثقافة في لبنان لن يكون في مقدورها، قانوناً وانتماءً إلى الحقّ، أن تفتح الباب لثقافة صهيونيّة ولو مُقنّعة، أو أن تشرع لبنان ليكون منبراً دعائيّاً لأدب صهيونيّ المحتوى ولأدباء صهيونيّي الأهداف والمقاصد والهوى».
ولسوف يكون إضاعة للوقت وامتهاناً للعقل مناقشة هذه اللغة التي كانت النازيّة الألمانيّة أهمّ مؤسّسيها (والنازيّة، بالمناسبة، بدأت أعمالها بالحرب الثقافيّة وبإحراق الكتب، لأنّها أيضاً رأت أنّ «التطبيع الثقافي أشدّ ضرراً على الوطن وكيانه ومستقبله من أيّ تطبيع سياسيّ أو أمنيّ أو عسكريّ»). لكنْ يبقى أنّ رغبة الوزير المعلنة ليست سوى تحجيبنا حيال العالم الخارجيّ وسيولة الأفكار والمعارف، وتركنا فريسة لشعارات دعائيّة ضحلة ومثيرة للقرف ينتفض الإيرانيّون اليوم ضدّها. ولا بدّ أخيراً من ملاحظة تضيء على الأغراض السياسيّة الملتوية لسياسات فرض الحجاب الموصوف بمناهضة التطبيع. ذاك أنّ «حركة أمل» التي يمثّلها الوزير المرتضى في الحكومة هي إيّاها التي خاضت ضدّ الفلسطينيّين أشرس حروب الحرب اللبنانيّة والتي عُرفت بـ«حرب المخيّمات». حصل هذا قبل أن تصاب الحركة، هي الأخرى، بحبّ فلسطين على نحو لا يتأدّى عنه إلاّ الإمعان في إفقار لبنان وعزله عن العالم، وفي قهر سكّانه بمن فيهم فلسطينيّوه.
إنّ سياسة التحجيب هذه باتت بلا أحجبة من أيّ نوع كان.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 عن مدينةٍ ووزيرٍ وحجابٍ عريض  عن مدينةٍ ووزيرٍ وحجابٍ عريض



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 18:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
  مصر اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 17:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين
  مصر اليوم - الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 10:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

رأس شيطان ضمن أفضل 10 مناطق للغطس في العالم

GMT 21:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

منى عبد الغني توجّه رسالة إلى محمد صلاح

GMT 17:26 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 20 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:09 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا ترد على رسالة طالب جامعي بطريقة طريفة

GMT 11:06 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وكالة فيتش ترفع التصنيف الائتماني للبنوك المصرية

GMT 19:10 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

أسعار الكتاكيت في مصر اليوم الجمعة 25 سبتمبر 2020

GMT 15:28 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

تعيين تركي آل الشيخ رئيسًا للاتحاد العربي لكرة القدم

GMT 16:33 2016 الخميس ,14 إبريل / نيسان

جلوس صيف 2016 تتألق باللون الرمادي

GMT 17:06 2021 الثلاثاء ,07 أيلول / سبتمبر

لطيفة تطرح كليبها "الأستاذ" برفقة شقيق أمير كرارة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon