توقيت القاهرة المحلي 16:13:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما فعلته المرأة الإيرانيّة وتفعله!

  مصر اليوم -

ما فعلته المرأة الإيرانيّة وتفعله

بقلم - حازم صاغية

«الثورة أنثى» شعار رُفع في المدن العربيّة في السنوات الخمس أو الستّ الأخيرة. إلى حدّ ما، كان هذا صحيحاً. ذاك أنّ المرأة نزلت إلى الشارع وهتفت واعترضت واشتبكت وضحّت. حصل هذا في بيروت والخرطوم وبغداد ومدن عربيّة أخرى، وكانت الثورات العربيّة قبلذاك قد أنجبت نساء أيقونات تصدّين وغنّين وكتبن وسُجنّ وخُطفن. لكنّ ثورات منطقتنا التي سبق لها أن احتكرت طويلاً تسمية «ثورة»، لم تكن أنثى على الإطلاق. لقد كانت ذَكَراً، بل ذكراً فائض الذكورة.
أهمّ تلك الثورات، الثورة الجزائريّة، حضرت فيها نساء قاتلن المستعمر الفرنسي إلى جانب الرجل. جميلة بوحيرد وزهرة ظريف وسامية لخضاري ومليكة قايد ومريم بوعتورة وزبيدة ولد قابليّة ووريدة مداد بعض تلك الأسماء. لكنْ، وكما بات معروفاً جيّداً، ما أن انتصرت الثورة وأعلن الاستقلال حتّى أعيدت النساء إلى البيت والأبناء. بعض أسوأ ما حمله «القانون الخاصّ بالسكّان الأصليين» (Le Code de l’Indigénat) حوفظ عليه، وحتّى عام 1984 على الأقلّ، حين سُنّ قانون الأسرة، لم يكن قد تغيّر الكثير. حينذاك خرجت النسويّات الجزائريّات إلى الشارع محتجّاتٍ ومعترضاتٍ في مواجهة قمع كثير.
الجهاد الجزائري لم يتّسع إلا للمجاهدين الرجال.
في الثورة الفلسطينيّة، سطعت رموز الذكورة الحصريّة: كنية «أبو» سبقت أسماء 95 في المائة من قادة الثورة. إنّها ثورة آباء أضاف معظمهم إلى الأبوّة اللحية الكثيفة التي كانت من معالم الثورة والثوّار في «العالم الثالث». فيديل كاسترو وتشي غيفارا كانا الأشهر لكنّهما لم يكونا فريدين في هذا الباب. الذين لم يُسعفهم الحظّ بلحية كثّوا الشاربين وكثّفوهما تعويضاً ولحاقاً بالركب.
الأنظمة العسكريّة والأمنيّة التي سمّت نفسها ثورات، في سوريا والعراق البعثيين، أحضرت «المنظّمات النسائيّة» بلباس عسكري إلى مهرجانات الاحتفال بالزعيم الخالد. معمّر القذّافي «كرّم المرأة» بتحويلها حارساً شخصيّاً في حاشيته.
أمّا مع ثورة الخميني في إيران فكُتب انتصار الرجال القساة على المرأة على نحو لا رجعة عنه. لقد صار هذا الانتصار مطلباً سماويّاً أيضاً بعدما كان من قبل مطلباً أرضيّاً. الجَدّ جلس على صدر الأحفاد، ولا سيّما الحفيدات.
وعلى امتداد هذه المسيرة طغت صفات الذكورة طغياناً مبرماً على أنظمة القيم: المناضل، والمجاهد، والشهيد، والباسل، والشريف... إنّهم نجوم الدنيا والآخرة معاً. الأمّ المثلى هي التي ترمق ابنها الذاهب إلى الموت بحنان وتقدّم له كأس شاي أو كوب حليب ثمّ تدعو له بالتوفيق، وعيناها تغرورقان بالدمع. «أجمل الأمّهات» قاطبة هي «التي انتظرت ابنها... وعاد مستشهداً»، كما قالت قصيدة صارت أغنية. أمّا ما كان يعزّز أنظمة القيم هذه فإن الميوعة والتخنّث وسواهما من الصفات المُدانة جرى لصقها بالغرب أو بـ«مقلّدي» الغرب و«تابعيه». إنّهم يرطنون بكلمات أجنبيّة ويتسّمون بأسماء مغناجة ويتعثّرون بلفظ كلمات الشنفرى!
هذا الهراء تلقّى ضربته الأكبر في إيران حيث تتمّ المصالحة الأهمّ والأوسع نطاقاً بين المرأة والثورة. ولأنّ المراجعة هناك من عيار تاريخيّ، فقد بدت وتبدو أشبه باحتفال أممي لنساء الأرض لا تستطيع حتّى أفغانستان صدّه عنها. فضدّاً على المفاهيم القديمة والضيّقة للثورة، تعلن طهران أنّ الحقّ في التحكّم بالجسد وفي اختيار الملبس وسماع الموسيقى مطالب ثوريّة أيضاً.
وليس تفصيلاً بسيطاً أنّ المرأة هي رمز العمل الثوري في إيران، وأنّ صورة الثورة باتت صورة النساء. فإذا صحّ أنّ تحوّلات الأزمنة والمعاناة الخاصّة بالمرأة الإيرانيّة لعبت دورها في إتمام هذا التحوّل، صحّ أيضاً أنّ نساء إيران لا يخضن حرباً ضدّ الإمبرياليّة أو ما يعادلها. هنا بالضبط يكمن الفارق الأكبر بين ثورات الماضي وهذه الثورة التي شاءت التخفّف من تلك القضايا والانسحاب منها، ابتداء بالشعار الذي انطلق في 2009: «لا غزة ولا لبنان، روحي فدى إيران».
فكما يتغلّب الوطن على القضايا، يتغلّب الحاضر على الماضي كائناً ما كان تأويله. وفي هذا السياق لا تخفى المفارقة الناجمة عن نشوب ثورة النساء التي «تطلب العاديّ» فيما النظام الحاكم مشغول بالملفّ النووي وتوطيد النفوذ في العراق ولبنان وغزة واليمن.
يقال هذا لأنّ الذكوريّة الثوريّة القديمة إنّما تغذّت أساساً، ومنذ بواكير العلاقة بأوروبا، على مسائل الهويّة والصراع. حتّى هدى شعراوي، الرائدة النسويّة المبكرة، وقعت في هذا الفخّ، فعلّقت على حضورها مؤتمراً دوليّاً في روما عام 1923، بأنّ ذاك الحضور ليس هدفه «طلب إلغاء تعدّد الزوجات أو تعديل نظام الخطبة أو تضييق دائرة الطلاق على الرجال»، بل هناك أغراض أخرى أوّلها «ظهور المرأة المصريّة بحقيقتها الثابتة أمام المرأة الغربيّة التي تجهل عنها كلّ شيء، أو تعرف عنها معلومات مشوّهة قرأتها في كتب ذوي الأغراض الاستعماريّة (...) وبيان أنّ المرأة المصريّة الحديثة تكاد تساوي أختها الغربيّة في مدنيّتها، وأنّ الدين الإسلامي منحها من الحقوق ما تودّ المرأة الغربيّة لو تناله».
إنّ طريق المرأة الإيرانيّة ليست معبّدة بالزهور طبعاً، وهناك مخاوف كثيرة لا ينبغي تجاهلها، أهمّها أن ينجح قمع النظام في عسكرة الثورة. لكنّ المؤكّد أنّ النساء الإيرانيّات بدأن يطرحن السؤال على نحو صائب. الجواب مسألة أخرى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما فعلته المرأة الإيرانيّة وتفعله ما فعلته المرأة الإيرانيّة وتفعله



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 11:41 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ميتسوبيشي تعلن طرح "إي إس إكس" 2020 أيلول المقبل

GMT 07:09 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

معرض بريطاني فوتغرافي للهاربين من نار النازية

GMT 23:36 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

بورصة تونس تقفل على ارتفاع بنسبة 41ر0 %

GMT 03:43 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

رنا سماحة تستعد لطرح أحدث أغانيها "مكسورة"

GMT 22:32 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

المخرج كريم اسماعيل يوقع عقد إخراج فيلم "الشاطر"

GMT 22:29 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ابنة هيفا وهبي وحفيدتها يشعلان مواقع التواصل بمقطع فيديو

GMT 20:12 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

أجييري يؤكد أن علاقته مع محمد صلاح "استثنائية"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon