توقيت القاهرة المحلي 04:26:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

على هامش طعن سلمان رشدي...

  مصر اليوم -

على هامش طعن سلمان رشدي

بقلم - حازم صاغية

ليس مهمّاً كثيراً ما إذا كان طعن الروائيّ سلمان رشدي تفعيلاً لفتوى آية الله الخمينيّ القديمة أم لم يكن. صحيفة «كيهان» الإيرانيّة هنّأت هادي مطر بفعلته الشنيعة، فأسبغت على عمله شرعيّة خمينيّة مصدرها في الفتوى إيّاها. حتّى «الدبلوماسيّ» الإيرانيّ محمّد مرندي، الذي هو مستشار فريق التفاوض النوويّ، غرّد بمعنى مشابه. أصوات كثيرة، إيرانيّة وعربيّة، عبّرت هي الأخرى عن فرحتها بعمليّة الطعن، وعن استعداد أصحابها، في ما لو امتنع مطر، لتنفيذ ما نفّذه. إحدى الأفكار الخرقاء التي تكرّرت في إعلانات الفرح والاصطهاج اعتبار عمليّة الطعن ثأراً لقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، وهذا معناه إسباغ مضمون سياسيّ و«استراتيجيّ» على الطعن يضاعف تبريراته عند الباحثين عن تبرير. إنّه يرفع الطعن إلى سويّة الواجب والتكليف، بفتوى سابقة أو من دونها.
شيء آخر يفقد الكثير من أهميّته هو فكرة الاختباء. نتذكّر ما تردّد من أنّ صدور الفتوى في 1989، وما أعقبها من أعمال حرق لكتاب «آيات شيطانيّة» في مدن بريطانيّة، افتتحا ما سُمّي يومها «عولمة الإرهاب». بعد ذاك جاءت جريمة 11 سبتمبر (أيلول) 2001 لتشحذ تلك النظريّة وتمنحها أنياباً قويّة. ونعرف كم من المنشقّين الروس اصطيدوا في عواصم أوروبيّة. سلمان رشدي نفسه طويلاً ما اختبأ حمايةً لحياته من عمل مسعور.
بلغة أخرى، هناك اليوم جماعات، لم تعد ضيّقة أو معزولة، موجودةٌ في كلّ مكان من العالم تقريباً، وهي جماعات عقائديّة ومتزمّتة في تعصّبها لما تؤمن به، ومستعدّة لاستخدام أقصى العنف دفاعاً عنه. والجماعات هذه قد تكون مَرعيّة من دولها، لكنّها قد لا تكون، ولا يكون دافعها سوى النزق الآيديولوجيّ، علماً بأنّ حالة مطر هي، في أغلب الظنّ، نتاج الحافزين معاً.
يبقى أنّ أسوأ ما تفعله هذه الجماعات، فضلاً على أعمال القتل والطعن، هو الإساءة إلى كتل المهاجرين واللاجئين الذين كانت العولمة نفسها أحد الأجنحة التي أقلّتهم إلى حيث هم الآن.
فما أقدم عليه المدعوّ هادي مطر، والأفعال المشابهة لفعلته، كثيراً ما تقوّي النبرة العنصريّة الكارهة للغريب، لا سيّما المسلم، لاجئاً كان أم مهاجراً. والعنصريّون متوافرون بكثرة ولديهم استعدادات للكراهية لا تنضب، سيّما في ظلّ الأزمات الاقتصاديّة الضاربة.
هذا العامل إنّما يرقى إلى مسألة ملحّة تستدعي التفكير بعلاجات لا يستطيع أن يوفّرها طرف واحد، وهي تظلّ علاجات ناقصة إن لم يتعاون عليها طرفان من ضمن جهد واستراتيجيّة مُنسّقين: فإذا كان على الحكومات الديمقراطيّة أن تتشدّد في مكافحة الدعوات المتعصّبة والعنفيّة، أكانت صادرة عن عنصريّي بلدانها أم عن متزمّتي الهجرة واللجوء، خصوصاً أنّ الاختباء لم يعد حلاً لأحد، فهناك أدوار أخرى ينبغي أن تؤدّيها بيئة الهجرة واللجوء، أوّلها التصدّي لأنماط في السلوك والوعي لا تنسجم مع العيش في مجتمعات تعدّديّة حديثة ومع تسهيل الاندراج فيها.
المهمّتان لا يزال أداؤهما أقلّ من المطلوب، وتقصير كلّ منهما يعزّز تقصير الأخرى.
قبل أيّام على عمليّة الطعن، وكمثل غير حصريّ، شهدت مدن كلندن، ومونتريال في كندا، وديربورن في الولايات المتّحدة، احتفالات بمناسبة عاشوراء لم يهتمّ القيّمون عليها بمخاطبة سكّان تلك المدن. لم يفكّروا بهم وبأمزجتهم وبحساسيّاتهم وبثقافتهم، اللهمّ إلاّ إذا كانوا يفترضون أنّ سكّان تلك المدن ينامون ويصحون على لعن يزيد بن معاوية!
وهذا من نتائج فهم رخو ونرجسيّ للتعدّديّة هو في الوقت نفسه كارثيّ النتائج على أصحابه أنفسهم: فإذا كان كلّ ما لدينا أصيلاً وعظيماً لا ينبغي تعريضه للمساءلة لأنّ ذلك إخلال «عنصريّ» بالتعدّد، وإذا كان كلّ ما حولنا، من علاقات ومؤسّسات غربيّة، شيطانيّاً أو إمبرياليّاً أو عنصريّاً، توفّرت كلّ الأسباب لكي نعيش في الغيتو الذي يفصلنا عن عالم الشرور المحيطة. فلماذا مثلاً نرسل أبناءنا إلى مدارسهم الكريهة بدل أن يتمّ تلقينهم «العلم» في مَعازلنا المتخمة بالأصالة وباليقين؟
وقد يقال، وكثيراً ما يقال، إنّ «ثقافة الاستهلاك المشتركة» تتولّى تذليل العقبات وإزالة الحدود. لكنّ وراءنا اليوم أطنان الأدلّة على أنّ الجينز والتي شيرت وموسيقى البوب تستطيع أن تتجانس على أفضل ما يكون مع ثقافة موروثة عصيّة على التغيّر، يندرج فيها ضرب الزوج للزوجة وتعنيف الطفل وقتل المختلف.
إنّ النتيجة الفعليّة لمنطق كهذا الذي يدعو إلى الانكفاء على نفوسنا، والانكفاء عن المحيط «المدنّس»، هي أن يعجز أبناؤنا عن اكتساب اللغات والمهارات التي توفّرها مدارس «الكفّار»، وأن يعجزوا تالياً عن الحصول على فرص العمل التي يستحقّونها في مجتمعات الهجرة واللجوء.
هكذا يخسرون، وبخسارتهم نخسر الكثير، لكنّنا نكسب طهارة العقيدة التي تقول لنا إنّ لا شائبة تشوبنا نحن فيما هم عنصريّون يمارسون علينا الاضطهاد والاستعلاء. نكسب أيضاً، عملاً بهذا السلوك، شبّاناً من طينة هادي مطر نباهي بهم الأمم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على هامش طعن سلمان رشدي على هامش طعن سلمان رشدي



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:22 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة
  مصر اليوم - أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة

GMT 03:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا
  مصر اليوم - ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا

GMT 04:21 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الجيش الإسرائيلي يكشف تفاصيل مقتل 4 جنود في مخيم جباليا
  مصر اليوم - الجيش الإسرائيلي يكشف تفاصيل مقتل 4 جنود في مخيم جباليا

GMT 19:05 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية
  مصر اليوم - حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية

GMT 10:37 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

تعرف على من هو أحمد مناع أمين مجلس النواب 2021

GMT 06:45 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

أبرز فوائد فيتامين " أ " على صحة الجسم والمناعة

GMT 09:47 2020 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

عبد المهدي يتخلى عن معظم مهامه الرسمية

GMT 04:22 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ريم مصطفى تؤكد أن مسلسل "شديد الخطورة" تجربة مختلفة

GMT 07:44 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

سامي مغاوري يتحدى ابنه في "واحد من الناس" مع عمرو الليثي

GMT 21:05 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مصرية تطلب الخلع من زوجها وتتفاجئ من رد فعله

GMT 18:29 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شخص وإصابة اثنين فى حادث تصادم بالدقهلية

GMT 19:21 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

بوسى برفقة حلا شيحة فى أغرب إطلالة لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon