توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ظاهرة بريغوجين وقوّة الزعيم

  مصر اليوم -

ظاهرة بريغوجين وقوّة الزعيم

بقلم - حازم صاغية

ما إن أُعلن عن تمرّد يفغني بريغوجين حتّى ضرب التذكّر والتذكير أفراداً بعضُهم كتّاب وبعضهم غير كتّاب، ومنهم من عبّر من خلال التواصل الاجتماعيّ ومنهم مَن فعل في الصحف. هؤلاء وجدوا في ذاكرتهم أسماء عرب كثيرين يشبهون بريغوجين. لسان حالهم كان يقول: لدينا كثيرون من هذا الصنف ومن هذا النزاع داخل النظام نفسه.

لقد كان سهلاً تذكّر حميدتي في السودان لأنّ نزاعه مع عبد الفتّاح البرهان طازج، وبمعنى ما متزامن مع نزاع بوتين وبريغوجين. والسودان عرف قبلاً محاولة هاشم العطا الانقلابيّة في 1971 على شريكه في مجلس الثورة جعفر نميري، ثمّ إعدامه وتصفية الحزب الشيوعيّ معه. وفي 1985 انقضّ قائد الجيش عبد الرحمن سوار الذهب على نميري وأطاحه وتفرّد بكونه العسكريّ الذي أعاد الحكم إلى المدنيّين. وقد يجوز أن ندرج في الخانة ذاتها إطاحة جمال عبد الناصر لمحمّد نجيب في 1954، وإطاحة هواري بومدين لأحمد بن بلّه في 1965، وما وُصف بمؤامرة الضابطين آدم حوّاز وموسى أحمد، وزيري الداخليّة والدفاع الليبيّين، أواخر 1969، على رفيقهما معمّر القذّافي. والقائمة تطول ويتوزّع رموزها ما بين متآمرين ناجحين على إخوتهم ومتآمرين فاشلين.

في مصر يمكن أيضاً التذكير بعبد الحكيم عامر، قائد جيش جمال عبد الناصر وصديقه الأقرب. لقد قيل أنّ عامر تآمر على ناصر فكانت هزيمة 67 المؤكّدة وكان انتحار عامر المشكوك فيه. وفي العراق، يمكن الرجوع إلى ما بعد انقلاب الشريكين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، حيث أطاح أوّلهما الثاني بعدما اتّهمه بالعمل على إطاحته. والعراق سخيّ بالأسماء التي لا بدّ من الاكتفاء بأهمّها: في 1965 حاول عارف عبد الرزّاق، ناصريّ الحدّ الأقصى، إطاحة عبد السلام عارف، ناصريّ الحدّ الأدنى، وفي 1973 اتُّهم مدير الأمن العامّ ناظم كزار بمؤامرة انقلابيّة فشلت وأعدم بعدها، ثمّ في مطلع 1996 قيل أنّ العشيرة نفّذت حكم الموت بصهري صدّام حسين، حسين كامل المجيد وشقيقه صدّام اللذين فرّا إلى الأردن واتُّهما بالتآمر. قبلذاك، في 1989، ظهر من يشكّك بقصّة تحطّم الطائرة بعدنان خير الله، وزير الدفاع وابن خال صدّام. والقائمة أطول في سوريّا، ولربّما جاز اعتبار المؤسّس سامي الحنّاوي الذي انقلب في 1949 على صديقه حسني الزعيم، لينقلب عليه، في 1950، صديقه أديب الشيشكلي. وفي 1961 قاد الانقلاب على «الجمهوريّة العربيّة المتّحدة» عبد الكريم النحلاوي، أحد أقرب الضبّاط السوريّين إلى عبد الحكيم عامر. لكنْ مع البعث تحوّلت الهواية إلى احتراف. فمن داخل «النظام الوحدويّ» حاول الضابط الناصريّ جاسم علوان إطاحة الضبّاط البعثيّين صيف 1963 ولم يوفّق. وفي 1966 انقلب البعثيّان صلاح جديد وحافظ الأسد على البعثيّ أمين الحافظ، وبعد أربع سنوات انقلب الأسد على جديد. لكنْ في هذه الغضون، حاول البعثيّ سليم حاطوم اعتقال جديد ورفيقاً آخر هو رئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي، وإذ فشلت محاولته فرّ إلى الأردن ليعود إلى سوريّا مع حرب 1967 واصفاً الهدف من عودته بالمشاركة في قتال إسرائيل. لكنّ رفاقه أعدموه بحجّة أنّه عاد حاملاً مشروعاً انقلابيّاً. وفي سياق الصراع بين الأسد وجديد، قيل أنّ عبد الكريم الجندي، أحد أركان جديد، قد انتحر، هو الذي كان يتولى «مكتب الأمن القوميّ».

ولم يكن بيت الأسد أشدّ وئاماً وعائليّة من بيت صدّام، إذ نُسبت إلى رفعت، شقيق حافظ، محاولة انقلابيّة في 1984 أدّت إلى نفيه مُكرّماً وثريّاً إلى الخارج. ثمّ حامت شكوك كثيرة في 2012 حول الميتة الغامضة للصهر آصف شوكت...

وهذه ليست خصوصيّة عربيّة كما قد يتراءى: ففي 1973 انقلب جنرالات اليونان بقيادة ديميتريوس إيونّيديس على حكم الكولونيلات الذين انقلبوا وحكموا منذ 1967 بقيادة جورج بابادوبولوس. ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، قُتل في 1971 لين بياو، «رفيق ماو في السلاح» ووزير دفاعه، بانفجار طائرة كانت تقلّه إلى منغوليا بعد محاولة انقلابيّة نُسبت إليه.

وأبرز القواسم المشتركة في هذا السجلّ الرهيب دور العسكريّين ورجال الأمن بوصفهم أبطال الشرّ، والسرّيّة واستحالة المعرفة الدقيقة، وما إذا كان المتّهَم قد نفّذ فعلاً ما اتُّهم به، وإبقاء المواطنين في العتم: فهم لا يشاركون في هذا المسرح، لكنّهم، فوق ذلك، لا يعرفون شيئاً عن المسرحيّة. وهذا جميعاً من نتائج تكوين سياسيّ تكون فيه الدولة دولة فرد أو حزب أو عائلة، لا كياناً مجرّداً ودستوريّاً يعلو على الفرد والحزب والعائلة. لهذا فمن يقف على رأس دولة كهذه ويوصف بالقوّة، كما وُصف طويلاً بوتين، لا يمكن إلاّ أن يكون ضعيفاً أُجّل إعلان ضعفه وانكشافه.

يصحّ في هذا ما يصحّ في الجبل الذي نظنّه جبلاً واحداً حين ننظر إلى قمّته، لكنّنا متى نظرنا إلى السفح وصعدنا بأبصارنا، تكشّف لنا عن هضاب كثيرة وألوان متعدّدة وأشكال متباينة من الصخر والينابيع وربّما من الشجر.

إنّ النظر من سفح الجبل يُرينا حقيقة القوّة على نحو أفضل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ظاهرة بريغوجين وقوّة الزعيم ظاهرة بريغوجين وقوّة الزعيم



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon