توقيت القاهرة المحلي 03:30:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سيادة لبنان أم سيادة الصواريخ؟

  مصر اليوم -

سيادة لبنان أم سيادة الصواريخ

بقلم - حازم صاغية

يردّ دارسو العلوم السياسيّة فكرة «السيادة» إلى فرنسيّ اسمه جون بودان. بودان كان هو نفسه سياسيّاً فضلاً عن كونه مفكّراً ورجل قانون. وهو عاش في القرن السادس عشر فسبق مدرسة «العقد الاجتماعيّ» لتوماس هوبز وجون لوك وجون جاك روسّو.

عنده، لم تنفصل ولادة فكرة السيادة تلك عن النفور من التنازع الكاثوليكيّ – البروتستانتيّ الذي أعقب ظهور حركة «الإصلاح الدينيّ». هكذا فضّل بودان قوّة السلطة المركزيّة المَلَكيّة على ذاك التنازع، فاعتبر أنّها هي ما يضمن السيادة من خلال ضمانها السلام الداخليّ الذي يمكن لأديان مختلفة أن تتعايش تحت سمائه. وهو تالياً دافع عن فكرة تعزيز سلطة الملك، لا ملكاً بعينه، على حساب سلطات أمراء المناطق الإقطاعيّين، الأمر الذي خطا لاحقاً بأوروبا خطوات كبرى إلى الأمام. فالملك، أيّ ملك، هو، في عرف بودان، «السيّد» (the Sovereign) الذي تكون سيادته مطلقة ودائمة وغير قابلة للقسمة أو للانتقاص منها.

وكان ممّا علّمه اجتهاد بودان هذا أنّ مقولة «السيادة» لا تنفصل عن حلول السلام في داخل البلد، وعن كون السلطة التي تُحلّ هذا السلام واحدة بلا شريك أو منافس.

وقد يقال، بحقّ، أنّ كثيراً من تلك الآراء بات متقادماً وغير صالح لأن يؤخذ كُلًّا من غير تمحيص. لكنّ النقد الأهمّ لـ «السيادة» مصدرُه تجارب الأنظمة المستبدّة الكثيرة التي استخدمت المفهوم هذا كي تستفرد بشعوبها فتقهرها فيما تقطع الطريق على كلّ تدخّل خارجيّ يضع حدّاً لذاك القهر. وإنّما بمثل هذه المقاربة الانتقائيّة لجأت السلطة اللبنانيّة مؤخّراً إلى «السيادة»، لا لفرض نظام قهريّ على اللبنانيّين، بل لفرض حالة قهريّة عنوانها سلاح «حزب الله»، حالةٍ مصحوبة تعريفاً باللانظام الكامل.

وضدّاً على ما أراده جون بودان، فإنّ السلاح المذكور لا ينهي نزاعاً أهليّاً بل يشكّل تأسيساً دائماً للحرب الأهليّة، كما أنّه لا يوحّد السلطة ويجعلها «سيّدة»، بل يقضم ما استطاع قضمه منها، رافضاً الإقرار بواحديّتها التي توخّاها الفيلسوف الفرنسيّ. أمّا الحاكم «السيّد»، الذي يرمز إلى «سيادة» تتجسّد فيه، فبات يقابله لبنانيّاً عجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة وتعطيل شبه كامل لمؤسّسات الجمهوريّة.

يقال هذا على هامش الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن الدوليّ بشأن تمديد ولاية القوّات الدوليّة (اليونيفيل). فسفيرة لبنان في الأمم المتّحدة راعَها، وكاد يعصف بها البكاء، كون الصلاحيّات التي قد تُعطى لتلك القوّات تتجاهل سيادة لبنان، فيما ذهبت أصوات ممانِعة أبعد من ذلك فرأت أنّ تلك الصلاحيّات مصمَّمة لحماية إسرائيل من بلدنا السيّد القويّ.

سيّدٌ وقويٌّ إذاً لبنان؟

هذا الخبر يكذّبه كلّ تقدير وكلّ معرفة وكلّ رقم وكلّ اختبار تجريبيّ. تكذّبه السياسة ويكذّبه الاقتصاد وتكذّبه العلاقات بين الطوائف كما تكذّبه الهجرة والتعليم والصحّة العامّة وكلّ ما يدبّ على أرض لبنان. تكذّبه حالة المرفأ وحالة بيروت وأحوال المناطق، كما يكذّبه أنّ افتقار الوضع الراهن إلى الشرعيّة وإلى المعنى بلغ حدّاً باتت معه الدعابة العابرة من كوميديّ خطراً وجوديّاً، وبات التلهّي بالمسائل المسمّاة أخلاقيّة المهمّة الأولى للدولة والمجتمع.

وفي مقابل زعم السيادة، نعلم أنّ جزءاً مُعتبَراً من اللبنانيّين صار يسمّي نفسه «سياديّاً»، قاصداً أنّ بلده بلا سيادة، وأنّ عليه السعي لاسترجاع تلك السيادة أو بعض منها على الأقلّ.

واقع الحال أنّنا ربّما كنّا نواجه وضعاً أخطر ممّا نتصوّر: نصف هذه الخطورة ناشىء عن انهيار البلد الموصوف، فيما نصفها الثاني هو الاعتداد بهذا الانهيار. وإنّما بالمواصفات تلك ترانا نزعم السيادة لأنفسنا ونهدّد إسرائيل أو أيّاً كان. وهي حقيقة ترتّب نتيجتين، واحدة تقلق العقل وأخرى تنغّص الحياة. فمن جهة، تلوح السيادة، كما تدافع عنها ديبلوماسيّتنا ومُمانعونا، شيئاً يزيد وينتعش كلّما زاد العجز وتعاظم الانهيار. ومن جهة أخرى، تلوح القدرة على تهديد سوانا نتاجاً لضعفنا وافتقاراتنا، لا نتيجة لقوّة مُغيّبة. وبالمعنى هذا، فإنّ الحروب المحتملة التي قد تتسبّب بها تلك الافتقارات ستجمع الكوارث البشريّة والمادّيّة إلى الفقدان الكامل للنموذج. وفي أحسن الأحوال، يكفي أن نفكّر في محاربين اختاروا نماذج الحياة الراهنة في بيروت ودمشق وطهران وراحوا باسمها يفتحون العالم.

في هذه الغضون، وحدها الصواريخ عندنا هي التي تتمتّع بالسيادة، ووحدها تلك السيادة ما يتجسّد في سيّد، وهو ما لم يكن في وسع بودان أن يتخيّله. ولبنان اليوم ربّما كان لديه، بفعل الصواريخ، زند قويّ نسبيّاً، لكنّ جسداً يتألّف من رأس أخرق وأمعاء خاوية وأقدام حافية يصعب أن يحتفظ بقوّة زنده إلى ما لا نهاية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيادة لبنان أم سيادة الصواريخ سيادة لبنان أم سيادة الصواريخ



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:22 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة
  مصر اليوم - أفكار عملية ومختلفة لتزيين الشرفة المنزلية الصغيرة

GMT 03:53 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا
  مصر اليوم - ترامب يرد على منتقديه في تجمع انتخابي بولاية جورجيا

GMT 16:35 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الجيش الإسرائيلي يتخبّط في "أزمة حادة"
  مصر اليوم - الجيش الإسرائيلي يتخبّط في أزمة حادة

GMT 19:05 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية
  مصر اليوم - حلا شيحة تكشف عن سبب ابتعادها عن الأعمال الرمضانية

GMT 10:37 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

تعرف على من هو أحمد مناع أمين مجلس النواب 2021

GMT 06:45 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

أبرز فوائد فيتامين " أ " على صحة الجسم والمناعة

GMT 09:47 2020 الثلاثاء ,03 آذار/ مارس

عبد المهدي يتخلى عن معظم مهامه الرسمية

GMT 04:22 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ريم مصطفى تؤكد أن مسلسل "شديد الخطورة" تجربة مختلفة

GMT 07:44 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

سامي مغاوري يتحدى ابنه في "واحد من الناس" مع عمرو الليثي

GMT 21:05 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مصرية تطلب الخلع من زوجها وتتفاجئ من رد فعله

GMT 18:29 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شخص وإصابة اثنين فى حادث تصادم بالدقهلية

GMT 19:21 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

بوسى برفقة حلا شيحة فى أغرب إطلالة لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon