توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مهسا أميني بوصفها «الأمّ المؤسِّسة»

  مصر اليوم -

مهسا أميني بوصفها «الأمّ المؤسِّسة»

بقلم - حازم صاغية

بالمعنى الذي يقال فيه «آباء مؤسِّسون» في وصف قادة الثورة الأميركيّة، والأمّة والدولة اللتين انبثقتا منها، قد نقول في الغد «الأمّ المؤسِّسة» وصفاً لمهسا أميني. هذا إذا خرجت إيران معافاةً من تجربتها مع الجمهوريّة الإسلاميّة واستطاعت أن تستأنف حياتها كدولة – أمّة.


ففي تجربة الفتاة التي قُتلت قبل عام بسبب حجابها «غير اللائق»، وفي الثورة التي تلتها، تقيم إسهامات كبرى لفائدة بلدها، لكنْ أيضاً لإغناء مجمل الفكر السياسيّ في الشرق الأوسط.

فهي المرّة الأولى التي يكون فيها قتل امرأة سبب الثورة المباشر، ونعرف أنّ قتل المرأة في منطقتنا أقلّ أهميّة ودراميّة بلا قياس من قتل الرجل، لا سيّما في يومنا هذا. كذلك هي المرّة الأولى التي تقود النساء ثورة، والنساء لا يُحمَلن تقليديّاً على محمل الجدّ في أمور تقلّ كثيراً عن الثورات. فضلاً عن هذا، فالمرأة هنا لا يُحتفى بها لأدائها أدواراً هي، في المجتمعات الذكوريّة، من وظائف الرجال، أو ممّا يُنسب تالياً إلى «الرجولة». فمهسا أميني لم تدخل السجن لأنّها واجهت الاستعمار، ولم يُحتفَ بها لأنّها خطفت طائرة، أو لأنّها تطوّعت في فرقة مظلّيّات، أو لأنّها دلقت زيتاً مقليّاً على محتلّين، أو لأنّها أرادت فرض الحجاب على نساء أخريات اعتراضاً منها على «القيم الغربيّة»... إنّها لم تكن «أخت الرجال» بأيّ معنى من معاني التعبير هذا. لقد قُتلت لأنّها بالضبط عكس تلك النماذج: إنّها تريد أن تكون حرّة كإنسان وكإمرأة وكمواطنة إيرانيّة.

وممّا تقوله التجربة المذكورة أنّ الصلة بين الوطنيّ والاجتماعيّ تغيّرت وتتغيّر، أقلّه في البيئة الشبابيّة الواعدة. ففي العقود السابقة، كان الوطنيّ يعني أن تناهض الغرب، فيما عنى الاجتماعيّ أن تقترب، في السلوك والمثالات، من النموذج السوفياتيّ. ومع الثورة الخمينيّة ثمّ ضمور الشيوعيّة، صار الاجتماعيّ يعني الالتحام بالقيم التي تجافي قيم الغرب وتعود بنا إلى معانقة السلف الصالح. أمّا مع مهسا وصاحباتها وأصحابها فصار الوطنيّ والاجتماعيّ سواء بسواء يعنيان الحرّيّة والفرديّة أوّلاً، وصارا يرفضان تمويه التحدّيات الفعليّة وإبدالها بصراعات متفاوتة في وهميّتها ضدّ شياطين وإمبرياليّين لا يكفّون عن التناسل. هكذا ارتدّ الموقف من الغرب أو سواه من قوى خارجيّة ليحتلّ الموقع المتدنّي الذي يستحقّه في تبويب القوى والأهداف، وباتت الثورة لا تعني إلاّ التصدّي لنظام قامع للحرّيّة، نظامٍ «صدف» أنّه «مناهض للإمبرياليّة»!

فالعناوين الأولى في تلك التجربة الإيرانيّة دارت حول الحجاب الإلزاميّ وشرطة الأخلاق، بحيث كانت «انتفاضة الحجاب» إحدى التسميات التي أطلقت على ثورة إيران. وهذا بمثابة قطع مع معنى ليس ضيّق التداول للثورات وللانقلابات العسكريّة التي وصفت نفسها بالثورات، والتي تعزّز الطغيان إذ ترسي الاستبداد في أصغر ذرّات العلاقات الاجتماعيّة.

وهنا، مع أصحاب مهسا أميني، لا نقع على شبيبة الوجوه المشحونة والقبضات المشدودة التي تبحث عن فرائس للقتل والسحق والاصطياد، جاعلةً العالم مكاناً للعداوة المُخصّبة وللكراهيّات الحقود. لقد باتت الصلة بالعالم هدفاً يُسعى إليه ويُسلك إليه بفائض من اللون وكثير من الزهو والوعود. وبدوره، وبسبب الإعلام والتقنيّة والهجرات وأعمال اللجوء، صار العالم أشدّ امتلاكاً لأدوات التعريف بنفسه، متيحاً ما لم يكن متاحاً من فُرَص لمعرفته بعيداً من الثنائيّات السياسيّة الضيّقة والقاحلة.

وطبيعيٌّ، والحال هذه، أن لا تعود البنادق والرشّاشات والعبوات أدوات الثوّار الجدد لتنحصر في كونها أدوات النظام. وهذا فيما العمل الثوريّ يستأنف السلميّة التي اتّسمت بها الأطوار الأولى من الثورات العربيّة، ولا تزال تتمسّك بها حالات انتفاضيّة مبعثرة كالتي تعيشها اليوم السويداء في سوريّا.

ومهسا أميني بوصفها كرديّة أشعلت الكرد، لكنّها أشعلت أيضاً أقلّيّات أخرى مضطَهَدة في إيران كالبلوشيّين والأذريّين. غير أنّ مقتلها أعاد إلى الضوء، في الوقت عينه، وجود قضيّة إيرانيّة سُحق التعبير عنها مراراً، ودائماً كان كُنهها طلب الحرّيّة والخروج من الزنزانة الخمينيّة المغلقة إلى العالم. وكان في هذا ما يشير، ضدّاً على المزاج السائد اليوم في المنطقة، إلى أنّ في الوسع الجمع بين قضيّة الشعب والوطن ككلّ وقضايا الأقلّيّات. وكم بدا هذا المناخ نبيلاً حين عبّر عنه مؤخّراً إمام السنّة الإيرانيّين مولوي عبد الحميد إذ دعا إلى «احترام جميع البشر، بغضّ النظر عمّا إذا كانوا مسلمين أم لا، وحتّى لو كانوا مُشركين أو مُلحدين، فهذا أكثر إلزاميّة من الصلاة والحجّ».

وبالمعاني هذه جميعاً سيكون شرفاً لإيران ومنطقتها أن تنتسبا، في طورهما الجديد المحتمل، إلى أمومة ابنة الاثنين والعشرين عاماً مهسا أميني. بغير هذا الأفق لسنا موعودين بغير العفن والوحل الممزوجين بدم كثير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مهسا أميني بوصفها «الأمّ المؤسِّسة» مهسا أميني بوصفها «الأمّ المؤسِّسة»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon