توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أفغنة المشرق العربي؟

  مصر اليوم -

أفغنة المشرق العربي

بقلم - حازم صاغية

لم تكن دائماً أفغانيّة بالمعنى الرديء الذي باتت تعنيه الكلمة. هناك عوامل، بعضها داخليّ وبعضها خارجيّ، أسّست الحالة هذه. لكنّ المؤكّد أنّ العامل الأشدّ تأثيراً كان الانقلاب العسكريّ الذي أطلق الجنّ من القمقم. هكذا انفتح الباب للاحتلالات الأجنبيّة ولانخلاع الدولة ولموجات اللجوء السكّانيّ المليونيّة، وللموت قتلاً وفقراً وألماً.

في عهد الملك ظاهر شاه كانت الأمور تتقدّم بشكل معقول إنّما هادئ في أفغانستان: برامج تحديث غير متسرّعة، وتحسين تدريجيّ لأحوال النساء من دون استفزاز التركيبة العشائريّة وقيمها، وموقف حياديّ في الحرب الباردة، مع محاولة الاستفادة من دعم المعسكرين الغربيّ والسوفياتيّ لمشاريع التنمية وتطوير بنية تحتيّة، والميل إلى حلول سلميّة لـ«المشكلة الباشتونيّة» مع باكستان المجاورة.

هذا كلّه تغيّر مع انقلاب داوود خان، ابن عمّ الملك، عام 1973، فيما الحرب الباردة في ذروتها. ومن الانقلاب العسكريّ خرج إعلان الجمهوريّة، والانحياز إلى موسكو في الحرب الباردة، واستحضار قوميّة ونزعة باشتونيّة متطرّفة، ثمّ إشراك الشيوعيّين في الحكومة، ما أثار عداء المجتمع التقليديّ العميق، فضلاً عن الدول الغربيّة.

باقي القصّة الأفغانيّة معروف: الضبّاط الشيوعيّون أطاحوا داوود وقتلوه في أواسط 1978، ثمّ بدأ التنازع بين حزبيهم: حزب الشعب، أو خَلق، الأكثر راديكاليّة، وحزب الراية، أو برشام. صراعهما وضعف حكمهما نتج عنه الغزو السوفياتيّ في 1979، بعد أشهر على الثورة الإيرانيّة، ومع خوف موسكو من تأثيراتها الإسلاميّة على مسلميها في آسيا الوسطى. الرئيس الذي سبق أن نصّبه السوفيات، حفيظ الله أمين، قتله في قصره جنودهم المحتلّون. حرب «المجاهدين» على السوفيات والشيوعيّين اندلعت ووجدت دعماً غربيّاً وإسلاميّاً واسعين، وانتهى الأمر إلى الانسحاب السوفياتيّ الذي أنجزه ميخائيل غورباتشوف خلال 1988 – 1989. لكنّ ما بدأ كان أسوأ: فنظام «المجاهدين» ترافق مع حرب أهليّة مدمّرة ومديدة بين قادتهم كما بين إثنيّاتهم المسلّحة، ما أدّى إلى وصول «طالبان» إلى السلطة واستيلائهم على كابول في 1996. ضيف أفغانستان أسامة بن لادن، الذي تطوّع مشاركاً في «جهادها» ضدّ السوفيات، نفّذ جريمة 11 سبتمبر (أيلول) 2001، فكانت الحرب الأميركيّة التي أطاحت طالبان ثمّ قتلت مؤسّس «القاعدة»، لكنّ الطالبانيّين استعادوا سلطتهم السابقة على العاصمة مع الانسحاب الأميركيّ قبل عامين، بعدما كانوا قد قضموا معظم الريف الأفغانيّ.

خلال هذه المسيرة الدمويّة الطويلة قُتل مليون ونصف المليون قبل 1992، ذهب معظمهم ضحايا سياسة الأرض المحروقة الروسيّة، وفي الحروب بين «المجاهدين» قتل مئات الآلاف وأُعدم آلاف السجناء، ثمّ قُتل عشرات الآلاف خلال الحرب الأميركيّة وبعدها، وجوعاً ومرضاً مات، في هذه الغضون، عشرات الآلاف، كما قُتل وجُرح أضعاف أضعافهم جرّاء انفجار الألغام الأرضيّة بهم.

وبفعل الضربات الروسيّة العمياء، لا سيّما عام 1982، انطلقت حركة نزوح كثيفة، فلجأ 2،8 مليون أفغانيّ إلى باكستان، و1،5 مليون منهم إلى إيران. وفي أواخر الثمانينات تجاوز عدد اللاجئين إلى الخارج الستّة ملايين، ثمّ لجأ، مع الانسحاب الأميركيّ، 1،6 مليون آخرون، ما رفع عدد اللاجئين والنازحين الذين دُمّرت بيوتهم ومناطقهم إلى 8،2 مليون من أصل 40 مليون أفغانيّ. والعدد مرشّح للازدياد، إذ تحت وطأة التردّي الاقتصاديّ والسيطرة الإيديولوجيّة المتزمّتة، يختار الكثيرون، خصوصاً الشبيبة والمتعلّمين والنساء، مغادرة البلد.

لقد كان معدّل الدخل السنويّ للفرد، قبل الانسحاب الأميركيّ، 368 دولاراً، لكنّه مذّاك انخفض بنسبة 20 بالمئة. وهذا مؤشّر من مؤشّرات كثيرة تدفع إلى التشكيك بجدوى المنع الرسميّ لزراعة الأفيون الذي صدر في أبريل (نيسان) 2022. فالتقارير تقول إنّ زراعته تتوسّع، خصوصاً مع تراجع عائدات الزراعات التقليديّة، وتردّي البنى التحتيّة على نحو متعاظم، وضعف السيطرة الحكوميّة في مناطق عدّة من البلد. لهذا فتهريب الأفيون إلى باكستان وإيران وعبرهما يتزايد، ويبدو أنّ حرس الحدود الطالبانيّ وبعض دوائر السلطة ليسوا بريئين. وإذ يُقدّر أنّ 90 بالمئة من أفيون العالم يأتي اليوم من أفغانستان، يُقدّر أيضاً أنّ عدد الأفغان الذين باتوا يتعاطونه، في ظلّ البطالة واليأس وسواهما من عوامل مشابهة، صار يبلغ الأربعة ملايين.

إنّ بعض العناوين الأفغانيّة تختلف، من دون شكّ، عن عناوين الحياة والسياسة الراهنتين في المشرق العربيّ. لكنْ ما من شكّ أيضاً في أنّ الكثير من العناوين يجمع بيننا، فيما ترسم لنا أفغانستان وجهة محتملة يصعب أن لا نراها أو أن نتجاهلها. فالنظام السياسيّ المؤسّس على القسوة، والعلاقات الأهليّة المدمّرة، والاحتلالات الأجنبيّة، والانهيار الاقتصاديّ، وامّحاء الحدود الوطنيّة، وانفجار موجات اللجوء والنزوح بلا ضابط، والأفيون الذي يعادله في حالتنا الكبتاغون...، كلّ ذلك ينذر بالأسوأ، والأسوأُ، في أغلب الظنّ، يسرع في الوفادة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفغنة المشرق العربي أفغنة المشرق العربي



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon