توقيت القاهرة المحلي 09:30:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

... في أنّ إسرائيل وإيران و«حماس» يبيدون غزّة

  مصر اليوم -

 في أنّ إسرائيل وإيران و«حماس» يبيدون غزّة

بقلم - حازم صاغية

ليس هناك ما يغفر للإسرائيليّين ما فعلوه ويفعلونه بغزّة. ليس هناك ما يعذر هذا العقاب الجماعيّ القاسي والمتواصل، وهذا الحصار الذي يمنع الطعام والشراب والكهرباء والدواء عن الصغار والكبار، وتتوّجهُ موجة تطهير عرقيّ من عيار ملحميّ. ليس هناك ما يخفّف بشاعة إسهام إسرائيل في شحذ الكراهية وتجديدها بين شعوب المنطقة وإيصالها إلى اللاعودة وإلى ذرى غير مسبوقة...

وإذا كان الحقّ في مقاومة أفعال كهذه أمراً لا يرقى إليه الشكّ، يبقى أنّ «طوفان الأقصى» كانت الشكل الوحيد من المقاومة الذي ينبغي ألاّ يحصل، وألاّ يُهلّل له.

لقد خاضت «حماس» حرباً بدأتها بقتل المدنيّين وخطفهم، وفي حربها زجّت مدنيّي غزّة دون أن توفّر لهم أيّاً من شروط حرب لا يخطىء إلاّ الأبله في افتراض قسوتها الاستئنائيّة. فهي لم تبنِ ملاجىء وتحصينات، وهذا رغم أنّها السلطة الوحيدة هناك منذ 2007، ورغم الحروب الكثيرة التي خيضت قبلاً بينها وبين إسرائيل، بل رغم إعلاناتها المتواصلة عن أنّها ستحرّر الأقصى.

ولم يكن هناك أيّ إعداد اقتصاديّ تفرضه مواجهة بلغت في جذريّة قطعها مع الدول المانحة ما بلغته «طوفان الأقصى». ونعرف أنّ الاتّحاد الأوروبيّ الجهةُ الأساسيّة المانحة لغزّة، كما أنّ أكثر من ثلاثة أرباع العائلات الغزّيّة يتلقّون معونات غذائيّة ونقديّة من المنظّمات الدوليّة.

لكنْ ماذا عن توازنات القوى والتحالفات التي يمكن أن تحمي الحرب وتحصّنها؟

بين الأطراف الدوليّة المؤثّرة، وقف الغرب الأميركيّ والأوروبيّ، ومعه الهند، موقف التماهي شبه المطلق مع إسرائيل. وإذا كانت الأمثلة أكثر من أن تُحصى، من زيارات الوزراء والسياسيّين إلى زيارات حاملات الطائرات، بقي أنّ الاستغراب اللاحق يبدو مفاجئاً إذ يصدر عن لغة سياسيّة ربطت دائماً بين الغرب و«ربيبته» إسرائيل.

في المقابل، غاب الدعم الذي يُتوقَّع من الصين وروسيا اللتين كثيراً ما تشدّقنا بكسرهما الآحاديّة الأميركيّة. فالصين وعدت بالعمل مع مصر على دفع المتحاربين إلى التفاوض، وذكّرت بـ«الظلم التاريخيّ» النازل بالفلسطينيّين. أمّا روسيا فاهتمّ رئيسها فلاديمير بوتين بالبرهنة على فشل السياسات الأميركيّة في العالم، وأكّد أنّه لا بدّ من البحث عن «حلّ وسط». وعموماً تجسّد أقصى تأييد موسكو وبيجين لحرب «حماس» في رفضهما إدانتها.

ماذا عن العالم الإسلاميّ؟ الرئيس التركيّ رجب طيّب إردوغان ازداد حكمة بين ليلة وضحاها، فمزج إداناته بالتشديد على «الحياد» و«التعقّل» و«التوسّط»، وسجّل أنّ عدم إدخال الموادّ الأساسيّة إلى غزّة «وصمة عار في جبين مَن أصدر هذا القرار». أمّا باكستان وبنغلاديش وأندونيسيا فلم يُسمع لها صوت.

العالم العربيّ، كما نعلم جيّداً، مقسوم بين بلدان غارقة في انهياراتها الاقتصاديّة ونزاعاتها الأهليّة، وأخرى يصمها الممانعون بـ«الضلوع في مؤامرة التطبيع». أمّا الجامعة العربيّة، وفي صيغة رأتها عادلة وتوفيقيّة، فدانت الحصار وقتل المدنيّين «من الجانبين».

فلسطين نفسها منقسمة سياسيّاً، وحتّى لو أرادت سلطة رام الله دعم «حماس» في غزّة فإنّ يدها ستكون، لألف سبب وسبب، مغلولة.

إلى ذلك، جاء «طوفان الأقصى» فيما تعيش إسرائيل أوسع انقسام عرفته منذ قيامها في 1948. هكذا تولّت العمليّة الحربيّة وقف تحوّل كان يمكن أن يفضي إلى احتمالات يصعب مسبقاً الجزم بها.

لكنّ «طوفان الأقصى» لم تفتقر كلّيّاً إلى الداعمين. ففضلاً عن بشّار الأسد الذي قُصف مطاراه في دمشق وحلب حين كان يتضامن، وعن «فصائل» عراقيّة ويمنيّة أبدت استعدادها للقتال، من موقعها في أوحال نزاعاتها الداخليّة، كانت إيران، وامتدادها في «حزب الله»، مصدر الدعم الجدّيّ الوحيد. بيد أنّ إسهام طهران اقتصر على الضربة الأولى، أي على «طوفان الأقصى» نفسها والتي كانت بالفعل باهرة عسكريّاً وتقنيّاً. لكنْ بعد ذلك، وحين اشتدّت الحاجة إلى «وحدة الساحات»، أصبح جميع أرباب الساحات ينتظرون «الزمان والمكان الملائمين»، ويحلّلون «الظروف الموضوعيّة»، منتظرين «نضوجها» على هذا النحو أو ذاك.

هكذا، وحتّى لو تغافلنا عن سائر الاعتبارات، واقتصر التركيز على المصلحة الذاتيّة حصراً، نبقى أمام سؤال مُلحّ: من الذي يخطّط لضربة كهذه دون أن يأخذ العوامل المذكورة في اعتباره؟ من هو صاحب التخطيط الذي لا يقيم للمدنيّين، الفلسطينيّين قبل الإسرائيليّين، أيّ وزن؟

أغلب الظنّ أنّ عقلين تضافرا لإيصالنا إلى هذه النتيجة: عقل النظام الإيرانيّ الذي يبيع بأهل غزّة ويشتري، وعقل حمساويّ تجتمع فيه خفّة الوعي الأصوليّ وقسوة الوعي التوتاليتاريّ. وبينما رحنا نحتفل على نحو صاخب بعمليّة كان يُستحسن أن نُدينها بعقولنا وضمائرنا وحسّنا بالمسؤوليّة، بل بإملاء من المصلحة الذاتيّة، هبط علينا التوحّش «المتمدّن» لإسرائيل، فكانت حصيلة هذا التلاقي الثلاثيّ إنزال كارثة أكبر من نكبة 48 ونكسة 67 مجتمعتين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 في أنّ إسرائيل وإيران و«حماس» يبيدون غزّة  في أنّ إسرائيل وإيران و«حماس» يبيدون غزّة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon