توقيت القاهرة المحلي 16:01:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حلم القذافي بحكم بريطاني

  مصر اليوم -

حلم القذافي بحكم بريطاني

بقلم: بكر عويضة

ربيع عام 1990، اندلعت موجة تظاهرات شعبية في عدد من شوارع مدن بريطانيا، احتجاجاً على قانون ضرائب جديد قررت رئيسة الوزراء، مارغريت ثاتشر، المضي قُدماً في تطبيقه، رغم انتقادات حادة واجهته خلال مداولات مجلس العموم، من جانب ممثلي كل الأحزاب، بما فيها حزب «المحافظين». النظام الضريبي المثير للجدل، ومن ثم المتسبب لاحقاً في أحداث شغب، حمل اسم «ضريبة الرؤوس»، تعريباً للمصطلح الإنجليزي «POLL TAX»، وهو لم يكن ابتكاراً من قِبل «السيدة الحديدية» - التي كثيراً ما رُميت باتهام تخليها عن طبقتها الوسطى بعدما صعدت منها إلى طبقات مؤسسة الحكم - إذ سبق العمل به في عصور سابقة، وليس في بريطانيا وحدها، بل في دول عدة، وأتت تسميته تلك من كونه يحدد ضريبة الدخل وفق عدد البالغين في كل عائلة يقيم كل أفرادها في بيت واحد، بصرف النظر عن اختلاف المستوى الطبقي، وبالضرورة تباين الحال المعيشي، بين شرائح المجتمع. واضح، حتى لأشد عتاة تأييد الاقتصاد الرأسمالي، كم يحمل نظام ضريبي كهذا من ظلم واقع على ذوي الدخل المحدود عموماً، وقطاع الفقراء خصوصاً.

أكبر حدث شغب لفت الأنظار عالمياً بين موجة المسيرات الشعبية تلك، كان الذي وقع نهار السبت الموافق 31 من مارس (آذار) 1990، ذلك أن جانباً من المواجهات بين بعض، وليس كل، المحتجين على قانون «ضريبة الرؤوس» تطور إلى صدامات دامية، أفضت إلى وقوع عدد كبير من الجرحى، تجاوز المائة، سواء في صفوف عناصر الشرطة، نساءً ورجالاً، بل وأحصنة أيضاً، أو المتظاهرين أنفسهم، وفاق عدد المقبوض عليهم وعليهن ثلاثمائة. يومذاك، لم يُضيع العقيد معمر القذافي، زعيم ليبيا الزاعم منذ سنين عدة سبقت مجيء مارغريت ثاتشر نفسها للحكم، أنه «قائد الثورة العالمية»، فرصة بدا له أنها لاحت كي يجدد ذلك الزعم ذاته، فسارع يوعز لأجهزة إعلامه أن تتابع الحدث البريطاني من منظور يدعي أن شعب بريطانيا تبنى «النظرية الثالثة»، وأنها تقترب من قيام «حكم جماهيري»، مماثل لنظام «الجماهيرية العظمى» القائم في ليبيا.

الواقع أن تلك الواقعة لم تك الأولى من نوعها، فما من تطور مفاجئ وقع بأي بلد، في مشارق الأرض والمغارب، متمثلاً بمسيرات احتجاج على إجراءات اقتصادية محددة، ترتب عليها غلاء أسعار، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف العيش، ومن ثم صدامات بين الناس وأفراد الشرطة، أو الجيش، إلا سارع القذافي لتوظيفها في سياق أنها تتماهى تماماً مع المنهج الذي تخيل أنه هو من وضع وصمم، بمعنى أن ليس من أحد غيره سبق أن نادى به، وذلك غير صحيح إطلاقاً، وأنه بالتالي الأنموذج الوحيد الصالح لتطبيق «حكم الشعب»، وفق تصور «ثورة الفاتح العظيم». الحق أن ذلك الوهم ما شكل أي مشكل للعقيد القذافي شخصياً. على النقيض من ذلك، كان الرجل مقتنعاً تمام الاقتناع أنه مكلف بما توهم أيضاً أنه رسالة للعالم أجمع. المشكل أن خيال «المفكر الفذ»، أو «القائد المعلم» - كما تضمنت قائمة الأوصاف الخاصة به - إنْ فيما يخص ترويج «النظرية الثالثة»، أو نشر وتوزيع نص «الكتاب الأخضر» - كلف ليبيا فوق طاقتها بكثير، وحمل الليبيين بأكثر مما يتحملون، طوال سنوات الزمن القذافي منذ أطلت فجر أول سبتمبر (أيلول) عام 1969 إلى أن بدأ انهيار النظام في فبراير (شباط) 2011.

إنما، هل أدى انهيار حكم «الفاتح من سبتمبر» إلى تعافي ليبيا، والبدء في بناء غد أفضل؟ الأرجح أن يُطرح هكذا سؤال من قِبل كثيرين مع إطلالة الذكرى الثالثة والخمسين غداً لما جرى ذلك اليوم. كلا، بالطبع. سوف يصدع بهذا الجواب كثيرون أيضاً من منطلق أنه نابع من وقائع ما تشهد ليبيا. هو جواب مُحق عن سؤال مشروع. أما الجانب الواضح لكل ذي بصيرة، فخلاصته أن تعافي ليبيا يحصل حقاً حين تستطيع الأطراف الليبية، التي تتصارع على بقايا بلدها، أن تنجح في التوصل إلى اتفاق قائم بالفعل على صفاء النيات، بلا سابق شروط تمليها عصبيات قبلية، وبلا أي ضغوط تمارسها قوى خارجية، سواء كانت من دول حلف «الناتو»، أو التي تدور في الفلك ذاته. حتى يتم ذلك التلاقي الصادق، والمأمول من جانب كل ليبي، وكل محب لليبيا وأهلها، سوف يظل صراع «الأخوة الأعداء» يختطف الأرواح، ويدمي القلوب، ويأكل من مستقبل ليبيا الأفضل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حلم القذافي بحكم بريطاني حلم القذافي بحكم بريطاني



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon