توقيت القاهرة المحلي 01:32:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المناخ يتغير... والتاريخ

  مصر اليوم -

المناخ يتغير والتاريخ

بقلم: بكر عويضة

يقول أنطونيو غوتيريش: «من أعماق المحيطات إلى قمم الجبال، ومن الأنهار الجليدية الآخذة في الذوبان، إلى ظواهر الطقس المتطرفة المستمرة، تتعرض النظم الإيكولوجية، والمجتمعات في جميع أنحاء العالم للدمار». كما هو معلوم، حديث الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة لم يكن تعبيراً عن هوى في نفسه، بل بقصد التنبيه إلى واقع يحدث أمام أعين البشر كافة، في مشارق الكوكب، وفي المغارب منه، كما الشمال والجنوب. كلام السيد غوتيريش ورد في سياق التعقيب على تقرير عن «حالة المناخ عام 2021» صدر أخيراً عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، ضمن التحضير لانعقاد قمة غلاسكو المناخية. الأرجح أن كل راصد لما سبق افتتاح أعمال التجمع العالمي، مساء الأحد الماضي، لمس التوتر المشوب ببعض الذعر، الذي رافق كلمات غير مسؤول بأكثر من بلد، بشأن ما تواجه شعوب الأرض من مآسٍ تحيق بها نتيجة تغير أحوال المناخ. بيد أن بوريس جونسون تجاوز في خطاب الافتتاح مجرد الإنشاء اللفظي، إذ صدع بتحذير يقول «إننا نقترب من منتصف الليل»، أي «ساعة الصفر»، بلغة حسابات الحروب. ذلك نوع من التحديد الزمني، يجوز للمرء أن يغبط عليه رئيس وزراء الدولة المضيفة، ثم يتساءل: ترى كيف التقط مستر جونسون تلك اللحظة تحديداً، وماذا هو فاعل - وهو المؤرخ المشهود له بالاجتهاد - كي يجنب بلده المخاطر الآتية مع تغير المناخ، فيذكره التاريخ، لاحقاً، بما أنجز من مآثر مناخية، وليس فقط بتوبيخ أحاق به نتيجة التقصير.
الحق أن السؤال يجب أن يشمل الجميع، ولعل من الجائز، ضمن السياق، استحضار القول الشريف: «كلكم راع وكلكم مسؤول». فكوارث التغير المناخي تحدث في مختلف بقاع عالم يعاني الكثير من أوجه الاضطراب على أكثر من مستوى، وفي غير صعيد. لكن تعميم المسؤولية ليس يعني، بالضرورة، تساوي الكل أمام معايير تحديدها. القول بتلك المساواة سوف يتجاوز منطق الأمور فيحمل المجتمع الفقير الموارد، نصيباً من أسباب انبعاث غازات عوادم السيارات، مثلاً، يتساوى مع أهل مجتمع آخر، حيث الرزق الوفير، وحيث يستهلك معظم الأفراد من الوقود اللازم لأحدث المركبات، أكثر مما يجد ذلك الفقير من مياه الشرب النظيف. هل أن هكذا مساواة من العدل؟ كلا، على الإطلاق، إذ كيف يجوز وضع دولتين مثل الصين والولايات المتحدة، على قدم المساواة مع شعوب دول تعاني، جراء فقر مدقع، المر في كل جوانب معيشها اليومي، سواء في أفريقيا، أو آسيا، أو أميركا اللاتينية؟ محال أن يستقيم ذلك الحال، لذا من العدل تماماً أن تطالب دول العالم الصناعي المتقدم برصد مائة مليار دولار لأجل تقديم العون لشعوب توصف دولها بالنامية، بينما الأدق هو أنها تحت معدلات النمو الطبيعي.
هل تأخر الوقت كثيراً للحيلولة دون مزيد من الأخطار؟ سؤال يعيدني إلى واقعة جرت قبل أكثر من ثلاثة عقود، خلال زيارة لسوريا، وكانت تلك آخر زياراتي لها، حتى الآن. حصل ذلك أوائل خريف العام 1989، حين اقتضى ظرف عائلي أن أنزل دمشق، فإذا بها لم تزل تكتوي بلهيب صيف يحرق الأبدان. تساءلت، مندهشاً، ماذا حصل حتى يكون الخريف بهذا الحر في عاصمة تحيطها غوطة البساتين الفيحاء، والأشجار الخضراء؟ أجابني موظف الاستقبال في الفندق، مبتسماً، وأين هي الغوطة، إنها تكاد تختفي تماماً، التصحر يزحف، ليفسح المجال أمام شاهق البنايات. في حلب، سمعت القول ذاته حين تأسف أحدهم قائلاً إن سوريا التي كانت تستضيف طوال أشهر الصيف الأشقاء من دول الخليج العربي، صار صيفها هي ذاتها لا يطاق.
ما حصل لسوريا، على صعيد مناخي، جرى في دول عربية عدة. لماذا؟ لأن تغير المناخ، هو في أحد جوانبه، انعكاس للتاريخ المتغير، وبالتالي المتمرد دائماً على الجمود. المشكل ليس في تغير حركة التاريخ وإصرار المواكبين للتطور على تقدمها إلى الأمام، والحيلولة دون رجوعها إلى الوراء، إنما الإشكال الكبير يتمثل في غياب الاستعداد العلمي، القائم على أساس سليم، للتعامل مع متطلبات تاريخ متغير، بما في ذلك، بل في مقدمه، ضمان تطبيق أساسيات الحيلولة دون كوارث التغير المناخي. تلك أخطار بدأت تتضح لكل ذي خبرة منذ منتصف القرن الماضي، لكن غض النظر، وإغماض الأعين، ورفض الاستماع للنصح، أوصل إلى الوضع الحالي. تكراراً، هل تأخر الوقت؟ ربما، لكن يبقى الأمل قائماً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المناخ يتغير والتاريخ المناخ يتغير والتاريخ



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon